امتدت حالة الحزن التي تعيشها لبنان حاليا على رحيل المطرب الكبير وديع الصافي ،الذي وافته المنية مساء اول امس «الجمعة»، ويتم تشييع جثمانه اليوم «الأحد» في بيروت، لتصل إلى كافة الشعوب العربية وفي مقدمتها مصر بالتأكيد، التي كان الراحل يحمل جنسيتها ، وسبق أن غنى لها أكثر من مرة وأشهرها أغنية «عظيمة يا مصر». وتسابق الفنانون المصريون في تقديم التعازي والتعبير عن خالص الحزن على رحيل الفقيد، وسط دعوات لنقابة الموسيقيين المصريين بإقامة حفل تأبين للمطرب الراحل ، الذي اشتهر بمطرب «الحب والوطن». وقال الإعلامي القدير وجدي الحكيم إن الصافي كان عاشقا لمصر حتى أنه طلب الحصول على جنسيتها من الرئيس الأسبق حسني مبارك، ولم يتردد الأخير في منحه الجنسية خاصة بعد الشعبية الكبيرة التي حققها الصافي بين المصريين بعد تقديمه أغنية «عظيمة يا مصر». وأضاف أنه التقى المطرب الراحل أكثر من مرة في حضور عدد من الموسيقيين المصريين وبينهم الموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب الذي اعتاد على الاستماع إلى صوته باهتمام غير عادي قبل أن يشيد به في كل مرة يسمعه فيها حتى أنه أطلق مقولته الشهيرة "ليس من الطبيعي أن يكون هناك صوت بهذا الشكل". وكشف كذلك عن اللقاء الأول الذي جمع وديع الصافي بالموسيقار الراحل بليغ حمدي والذي شكل مفاجأة كبيرة للأول ، حيث وجده في مقتبل العمر فاندهش كيف يتعاون معه ، وأدرك بليغ ذلك سريعا فقال له إنه لحن من قبل لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ ، فما كان من وديع إلا أن قبل التعاون وقدما سويا الأغنية الشهيرة «على رمش عيونها»، داعيا نقابة الموسيقيين إلى إقامة حفل تأبين للراحل. كما نعى المطرب تامر حسني الفنان الراحل ، وكتب في تدوينة على صفحته بموقع «تويتر»، «تعازينا الحارة لأسرة وجماهير أستاذنا الفنان الكبير وديع الصافي». وشارك في التعازي كذلك جمهور حسني ، الذي علقوا على تغريدته بكتابة عبارات الرثاء للمطرب الكبير، داعين له بالرحمة والمغفرة. ووصف الموسيقار حلمي بكر ، رحيل الفنان والمبدع الكبير وديع الصافي بأنه خسارة كبيرة لا تتعوض ،مؤكدا أنه سيظل خالدا بالإبداعات التي قدمها على مدار مشواره الفني بصوته الخارق الذي لن يتكرر ، وقال إن جميع المبدعين الذين عاصروا الفنان العملاق الراحل وديع الصافي أكدوا أنه عبقرية لا تتكرر ، مشيرا إلي أنه نجح في نقل الصوت الجبلي من القرية إلى المدينة ، فضلا عن كونه شماس بالكنيسة اجتهد ليصبح أفضل المطربين بموهبته وقدراته . وأضاف بكر:«لا يستطيع أحد أن ينسى الدور الرائد لوديع الصافي في ترسيخ قواعد الغناء اللبناني وفنه، وفي نشر الأغنية اللبنانية ، واجتهاده إلي أن أصبح مدرسة في الغناء والتلحين في العالم العربي..وسيظل خالدا بما قدمه..ويكفي أن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كان يبكي حينما كان يسمع وديع الصافي ، فلم يتخيل أن يصل أي فنان إلي تلك الدرجة من الموهبة». ونعت الكاتبة والشاعرة فاطمة ناعوت ، الفنان اللبناني الراحل ، وقالت «رحيل وديع الصافي، خسارة كبرى للفن الراقي صعب تعويضها.. جزاك الله خيرا لقاء ما منحتنا من بهجة وشجن حين شدوت للحب والوطن». كما قدمت المطربة آمال ماهر العزاء لأسرة المطرب الراحل ، وقالت «وديع الصافي صوت لن يتكرر.. رحمه الله»، فيما كتبت المطربة أنغام، على صفحتها بموقع «فيس بوك»، «رحمة الله على العملاق وديع الصافي». يذكر أن وديع الصافي ولد الصافي في 1 نوفمبر 1921، وهو مطرب وملحن، ويعتبر من عمالقه الطرب في لبنان والعالم العربي ، كان له الدور الرائد في ترسيخ قواعد الغناء اللبناني وفنه ، وفي نشر الأغنية اللبنانية في بلدان عربية ،وأصبح مدرسة في الغناء والتلحين ، ليس في لبنان فقط ، بل في العالم العربي أيضا ، واقترن اسمه بلبنان ، وبجباله التي لم يقارعها سوى صوته الذي صور شموخها وعنفوانها. كان مولد الصافي في قرية «نيحا الشوف»، وهو الابن الثاني في ترتيب العائلة المكونة من ثمانية أولاد ، فقد كان والده بشارة يوسف جبرائيل فرنسيس، رقيب في الجيش اللبناني، وبدأ مشواره الغنائي مبكرا قبل أن يتحول إلى أحد أهم المطربين في لبنان والعالم العربي. وديع الصافي ،الذي حمل الجنسية المصرية ، منذ ثمانينيات القرن الماضي والذى أهداه الرئيس الاسبق حسني مبارك مكافأة على أغنيته الشهيرة «عظيمة يا مصر» ، كان قد صرح قبل رحيله بعامين ، في حوار لموقع «العرب» اللبناني ، بأن حب الجمهور هو أهم ما حصل عليه طوال مشواره الفني ، معربا في الوقت نفسه عن اعتزازه بمنحه الجنسية المصرية. أول لقاء له مع محمد عبد الوهاب كان سنة 1944 حين سافر إلى مصر، وسنة 1947، سافر مع فرقة فنية إلى البرازيل حيث أمضى 3 سنوات في الخارج. بعد عودته من البرازيل ، أطلق أغنية «عا للوما»، فذاع صيته بسبب هذه الأغنية التي صارت تردد على كل شفة ولسان، وأصبحت بمثابة التحية التي يلقيها اللبنانيون على بعضهم بعضا ، وكان أول مطرب عربي يغني الكلمة البسيطة وباللهجة اللبنانية بعدما طعمها بموال «عتابا» الذي أظهر قدراته الفنية. قال عنه محمد عبد الوهاب عندما سمعه يغني لأول مرة: «من غير المعقول أن يملك أحد هذا الصوت»، فشكلت هذه الأغنية علامة فارقة في مشواره الفني وتربع من خلالها على عرش الغناء العربي ، فلُقب بصاحب الحنجرة الذهبية ، وقيل عنه في مصر إنه مبتكر «المدرسة الصافية» نسبة إلى وديع الصافي في الأغنية الشرقية. سنة 1952، تزوج من ملفينا طانيوس فرنسيس ، إحدى قريباته ، فرزق بدنيا ومرلين وفادي وأنطوان وجورج وميلاد. في أواخر الخمسينات بدأ العمل المشترك بين العديد من الموسيقيين من أجل نهضة للأغنية اللبنانية انطلاقا من أصولها الفولكلورية ، من خلال مهرجانات بعلبك التي جمعت وديع الصافي ، وفيلمون وهبي، والأخوين رحباني وزكي ناصيف ، ووليد غلمية ، وعفيف رضوان، وتوفيق الباشا، وسامي الصيداوي ، وغيرهم. مع بداية الحرب اللبنانية ، غادر وديع لبنان إلى مصر سنة 1976، ومن ثم إلى بريطانيا، ليستقر سنة 1978 في باريس، وكان سفره اعتراضا على الحرب الدائرة في لبنان ، مدافعا بصوته عن لبنان الفن والثقافة والحضارة ، فكان تجدد إيمان المغتربين بوطنهم لبنان من خلال صوت الصافي وأغانيه الحاملة لبنان وطبيعته وهمومه ، ومنذ الثمانينات ، بدأ الصافي بتأليف الألحان الروحية، نتيجة معاناته من الحرب وويلاتها على الوطن وأبنائه واقتناعا منه بأن كل أعمال الإنسان لا يتوجها سوى علاقته بالله. سنة 1990، خضع وديع الصافي لجراحة قلب مفتوح ، واستمر بعدها في عطائه الفني بالتلحين والغناء ، فعلى أبواب الثمانين من عمره، لبى الصافي رغبة المنتج اللبناني ميشال الفترياديس لإحياء حفلات غنائية في لبنان وخارجه ، مع المغني خوسيه فرنانديز وكذلك المطربة حنين، فحصد نجاحا منقطع النظير أعاد وهج الشهرة إلى مشواره الطويل ، ولم يغب يوما عن برامج المسابقات التليفزيونية الغنائية قلبا وقالبا فوقف يشجع المواهب الجديدة التي رافقته وهو يغني أشهر أغانيه. ويحمل الصافي ثلاث جنسيات هي المصرية والفرنسية والبرازيلية ، إلى جانب جنسيته اللبنانية ، الا أنه يفتخر بلبنانيته ويردد أن الأيام علمته بأن ما أعز من الولد الا البلد. وفي عام 1989، أقيم له حفلة تكريم في المعهد العربي في باريس بمناسبة البوبيل الذهبي لانطلاقته وعطاءاته الفنية،وكرمه أكثر من بلد ومؤسسة وجمعية وحمل أكثر من وسام استحقاق منها خمسة أوسمة لبنانية نالها أيام رؤسائها كميل شمعون، فؤاد شهاب وسليمان فرنجية والياس الهراوي. أما الرئيس اللبناني اميل لحود فقد منحه وسام الأرز برتبة فارس ، ومنحته جامعة الروح القدس في الكسليك دكتوراه فخرية في الموسيقى في 30 يونيو 1991. كما أحيا الحفلات في شتى البلدان العربية والأجنبية