بمناسبة ذكرى تلك الأيام التاريخية الجميلة تعالوا ندير دفة الحديث من حرب الاستنزاف القذرة والوضيعة تلك – استنزاف عصابة الهمج لمصر – إلى حرب إستنزاف أخرى أنبل واشرف وأطهر.. حرب إستنزاف المصريين لطاقة وقدرة العدو الإسرائيلى والتى استمرت لمدة ست سنوات بحالهم منذ النكسة وحتى لحظة العبور والتى لولاها لما كان تحقيق نصر اكتوبر قادرا على الخروج من حيز الحلم إلى حيز الواقع.. ثم تعالوا نُقَرِب الصورة أكثر بإتجاه احد جوانب حرب الإستنزاف العظيمة تلك.. جانبها الفنى وشريط صوتها الغنائى فى تلك الأيام العصيبة.. ثم تعالوا نُقَرِب الصورة أكثر بإتجاه أحد الأعمدة الفنية الرئيسية الذين قامت على أكتافهم مهمة إمداد الشعب فى تلك الأيام السوداوية العصيبة بالطاقة الإيجابية اللازمة لإعادة البناء.. بناء البلد المهزومة والروح المنكسرة.. تعالوا نقرب الصورة أكثر بإتجاه ذلك الرجل الذى نادته الهزيمة لكى يقوم بتقطيرها فى معمل خياله ويعيد تقديمها للناس بعد تحويلها من هزيمة مفعمة بالطاقة السلبية إلى طاقة إيجابية فنية صافية.. طاقة إيجابية على هيئة اغانى بلغ مبلغ صدقها أن انتصرت على لعبة الزمن الخادعة وخدعته هى وعاشت واستمرت حتى ايامنا تلك كايقونات فنية بشرت الناس بالنهار فى أحلك أوقات ظلمة ذلك البلد العظيم والمُبتَلى.. تعالوا نقرب الصورة أكثر باتجاه ذلك الرجل الذى نُودِى من قِبَل عفاريت الشِعر الخفية ليصبح هو الأب الشرعى لطاقة المصريين الإيجابية أثناء فترة حرب الإستنزاف الصعبة.. العم عبد الرحمن الأبنودى.. يخبرنا فى البداية بالحقيقة المتمثلة فى أنه «عدى النهار.. والمغربية جاية تتخفى ورا ضل الشجر.. وعشان نتوه فى السكة.. شالت من ليالينا القمر «.. ثم يتساءل « يا هل ترى الليل الحزين.. أبو العيون الدبلانين.. ابو الغناوى المجروحين.. يقدر ينسيها الصباح.. أبو شمس بترش الحنين».. ثم يخرج بالنتيجة النهائية التى تنص على أنه «أبدا بلدنا ليل نهار.. بتحب موال النهار.. لما يعدى فى الدروب.. ويغنى قدام كل دار».. وهو ما حدث بالفعل بعدها بسنوات قليلة عندما عبرنا وغنى موال النهار قدام كل دار كما أخبرنا العم الأبنودى. أنظروا إلى تلك الكلمات وليخبرنى أحدكم ما إذا كان الأبنودى قد كتبها منذ حاجة وأربعين سنة أم أنها مكتوبة لأيامنا تلك.. «إبنك يقولك يا بطل هاتلى نهار.. إبنك يقولك يا بطل هاتلى انتصار.. إبنك يقولك ثورتك عارفة الطريق.. وعارفة مين يابا العدو ومين الصديق.. ثابتة كما الجبل للعدو حالفة على الإنتصار.. إبنك يقولك يا بطل هاتلى نهار».. ومن الجدير بالذكر أن البطل قد نفذ طلب إبنه وجابله بالفعل النهار والإنتصار كما أخبرنا العم الأبنودى. و فى ظل تلك الحقيقة التى تنص على أن جيشنا المصرى العظيم هو آخر جيش عربى لا يزال على قيد الحياه وفى ظل ما حدث مؤخرا من استجابته لنداءات الشعب وتخليصنا وتخليص المنطقة العربية بأسرها من تلك المصيبة السودا المتمثلة فى عصابة الهمج ذوات الأربع اصابع لن تستطيعوا أن تمنعوا ذلك الحلفان الذى حلفه العم الأبنودى قبل نصر أكتوبر بسنوات من التردد بداخل أذهانكم.. «أحلف بسماها وبترابها.. أحلف بدروبها وابوابها.. احلف بالقمح وبالمصنع.. أحلف بالمدنة وبالمدفع.. بولادى بأيامى الجاية.. ما تغيب الشمس العربية.. طول ما انا عايش فوق الدنيا «. بعد نصر أكتوبر اتصل عبد الحليم بالأبنودى وتعجب قائلا.. «بقى تكتب الأغانى دى كلها بعد النكسة.. وما تكتبش اغنية واحدة بعد الإنتصار «؟!.. وهى المكالمة التى اسفرت عن أغنية وتأكيد.. الأغنية كانت «صباح الخير يا سينا».. أما التأكيد فقد كان على الدور الحقيقى للشاعر الذى يستفزه الحزن أكثر مما تستفزه الفرحة والذى يرى الشعر كمحرض على الطاقة الإيجابية فى أوقات الهزيمة والإنكسار أكثر مما يراه كتصفيقة أو تهليلة فى أوقات الفرحة.. وربما كان ذلك هو السبب وراء خروج تحفته الغنائية السينمائية «أغنية على الممر» للوجود قبل الحرب بأقل من عام لتؤكد على أنه.. «أنزف.. أبكى.. أموت.. وتعيشى يا ضحكة مصر.. وتعيش يا نيل يا طيب.. وتعيش يا نسيم العصر.. وتعيش يا قمر المغرب.. وتعيش يا شجر التوت.. أنزف.. أبكى.. أموت.. وتعيشى يا ضحكة مصر».. وها هى بالفعل ضحكة مصر قد عاشت كما أخبرنا العم الأبنودى منذ واحد وأربعين عام بالتمام والكمال!