لا تزال حكومة الدكتور حازم الببلاوى خارج مهام المرحلة الانتقالية، برغم الظروف المواتية التى لم تكن فى الحسبان والتى قَلَّلت من العوامل الضاغطة ووفَّرت أجواء حافزة على الإنجاز! لا توحى الحكومة أنها تعمل فى أجواء ثورة، وإنما تسيير للأعمال بلا روح ولا حماسة! لا إلهام للجماهير بخطط عملية قريبة المدى وشعارات جذابة تتوافق مع روح الرغبة العارمة فى التغيير والتحسين والارتقاء، ولا طمأنة من خوف إنسانى ينتاب الناس من العنف الإجرامى غير المسبوق، ولا التوجه والتركيز على المشاكل المؤرقة للجماهير العريضة والتى لا تحتاج إلا للتفكير العلمى والتخطيط المدروس والحسم! وتكفى الإشارة إلى ثلاث وقائع كان يمكن أن يكون لها أثر أفضل، كان آخرها بوادر تحول فى الموقف الأمريكى بكلمات صريحة على لسان الرئيس أوباما بعد انحياز كان واضحا لصالح جماعة الإخوان وشعاراتهم عن الشرعية المزعومة، فيما يبدو أن ماكينة البراجماتية الأمريكية عادت إلى بعض رشدها وأدركت أن ما حدث فى مصر لا رجوع عنه وأن بوّابة التعامل الرسمى مع مصر هى مع ما ارتضاه الشعب بعد 30 يونيو، الذى هو هذه الحكومة، وهو ما توافقت معه كلمات أوباما الأخيرة، حتى إذا كانت تناور لالتقاط الأنفاس بعد صدمة فشل مخطط طويل المدى كان معقودا فيه على الإخوان أن يقوموا بدور مهم. ولا بد أن يكون لهذا التطور الأخير دور فى تهدئة أجواء التوتر التى كانت تعمل الحكومة تحت وطأتها قبل تصريحات أوباما، فهل كان لدى الحكومة تصورات محددة فى حالة نجحت مساعيها فى تغيير الموقف الأمريكى؟ وكان الحدث الثانى المواتى لحكومة الببلاوى، هو هذا الحكم التاريخى من القضاء المستعجل الذى تجاوز حظر أنشطة تنظيم جماعة الإخوان وحلفائها والتحفظ على جميع أموالها وعقاراتها..إلخ إلى الإدانة الدامغة للسياسة الكارثية التى تلظى منها الشعب عبر عام كبيس من حكم الإخوان! فهل تريد أى حكومة فى العالم أكثر من هذا للتصدى الحقيقى لأعمال تخريبية منظمة يقوم بها تنظيم أدانه القضاء بهذا الوضوح وحظر نشاطه بهذا التحديد، وابتعد عنه، لأول مرة منذ بدء الأحداث، أهم حليف دولى بهذا الشكل؟ أين الجدية والديناميكية والمباشرة فى الاستجابة لتنفيذ هذا الحكم الذى يمكن أن يكون طوق نجاة من هذه الفوضى المخطط للبلاد أن تغرق فيها؟ لماذا هذا التباطؤ فى تشكيل اللجنة الوزارية التى قضت بها المحكمة والتى يُناط بها الإشراف على حظر أنشطة الجماعة وفرض السيطرة على مقار وأموال الجماعة..إلخ إلخ لماذا لم تصدر مباشرة بيانات رسمية تمنع أعمال الشغب المدبرة كل يوم جمعة واعتبارها مُجَرَّمة وفق حكم المحكمة؟ وأين العمل على تجريم الجماعة واعتبارها منظمة إرهابية والسعى لاستصدار وصمها بالإرهاب على مستوى العالم؟ أم أنه لا توجد لدى الحكومة خطط بهذا الشأن حتى الآن؟ ما تفسير هذا التردد وهذا الإحجام عن المضى قدما؟ وأما الحدث الثالث المستمر فهو هذا الدعم المالى من بعض الدول العربية والذى وفّر أوضاعا أفضل بكثير مما كان تحت حكم الإخوان، ولكن الناس لم تر نتائج إيجابية حتى الآن! مجرد وعود لا تتحقق تتتبعها وعود أخرى لا تتحقق! كلام عن القضاء على القمامة خلال أيام، ولكنها باقية لا تتزحزح، ولا تزال الحيوانات الضالة والقوارض تمرح فى كل المدن المصرية حتى فى قلب القاهرة! وقيل بعد هذا إن هناك خطة لعودة التسعيرة الجبرية على السلع، ثم قيل بل على بعض السلع الأساسية، دون تبيان كيف نضيف على جهاز الدولة مسؤوليات أخرى على المهمة التى لم ينجح فيها حتى الآن بضمان توصيل رغيف العيش المدعم لمستحقيه! ويبدو أن حكومة الببلاوى لا ترى هدرَ هيبة الدولة إلا بالسلاح الثقيل فى مثل سيناء وكرداسة، ولا ترى انتهاكا لهذه الهيبة أيضا فى كل المدن وفى مركز العاصمة، بالاستيلاء على الأرصفة ونهر الطريق بالباعة المقيمين، الذين كانوا جائلين فيما سبق، ولم يعد المنتهكون الجدد من الغلابة الباحثين عما يسدّ الرمق، بل من فئات منظمة قوية تنفق أموالا ضخمة بتجهيز معدات لا تقل عما يتوافر فى المحلات الكبرى لعرض البضائع وتجييش أعداد هائلة لرصّ السلع على الرصيف وفى الطريق ولبيعها وللترويج لها وللتصايح على مزاياها، فتتحقق لهم أرباح طائلة ويُهدَر حق الدولة عن النشاط التجارى الذى يمارسونه، ناهيك عن العدوان الجسيم على الملتزمين من أصحاب المحلات الموقوفة تجارتهم بسبب هؤلاء الباعة! وهى مشكلة كغيرها لا تُحل بالمصادرة ولكن بالسياسة والتخطيط، أى بإيجاد بدائل قبل التنفيذ بالقوة. لماذا يعتبر البعض أن مشاكل الناس الحياتية أقل أهمية من قضايا وضع الدستور والقوانين الضامنة للحريات الشخصية والعامة؟ وهل هنالك أهمية للدستور وهذه القوانين أكبر من توفيرها شروط التسهيل على حياة الناس اليومية؟