نعرف جميعا أنه لا حل لأزمة المجتمع المدنى والدولة إلا بجلوس الطرفين للحوار، بدون ارتياب كل طرف فى الآخر، أو سيطرة نظرية المؤامرة على الطرفين، أو الدخول في معركة صفرية لن يكسب منها أحد. ملحوظة: الدولة ليست ندا لأى طرف في أى معادلة أو صراع، هي مؤسسات تدير مصالح المجتمع. والمجتمع المدنى ليس فصيلا سياسيا، حتى لو صيغت أعماله وأنشطته بصيغة سياسية، واعتنق بعض نشطائه أيديولوجيات معينة، أو سياسات بعينها، وانتموا إلى أحزاب. هو فقط له دور تنموى، وشريك أساسي في تطوير المجتمع وتنميته وتوعيته، وجميعا نعترف بأنه فشل في دوره الأساسي، بسبب اهتماماته بالصياغات السياسية، وتناسى دوره الأساسي. ما سبق يمثل، تقريبا، الأزمة بين المجتمع المدنى والدولة، أو على الأقل معظمها، الأخير اعتبر نفسه منافسا لحاكم، والدولة دخلت فى منافسة معه. لكن فى الحقيقة المجتمع المدنى يمثل نقطة الاتزان والتواصل بين المجتمع والدولة، وهو إحدى أذرع الدولة في التنمية، وتطوير المجتمع، ومسؤول مسؤولية كاملة عن تطوير المجتمعات المحلية. ويمكن للمجتمع المدنى أن ينقل نبض المجتمع، ويكون نذيرا للحكومة والدولة بأى قرارات من شأنها أن تتسبب فى اضطراب ليصبح جزءا من الحل، وليس المشكلة. المجتمع المدنى لا تمثله 10، أو 20، أو 30 جمعية ومؤسسة حكومية، وهذا ليس إهدارا لحقها، لكنه شريك مهم في التنمية. ويجب أن نفرق بين دور المجتمع وجماعات الضغط الساسي، فالأول دوره تنموي ويجب ألا يتخذ الصيغ السياسية، ولا أن يكون له مطالب سياسية، وهذا لا يتعارض مع دوره في نشر الوعي والثقافة والفكر والتوعية بالحقوق الأساسية للإنسان. أما جماعات الضغط السياسي، فدورها دعم توجهات سياسية محددة، وتعبر عن جزء من المجتمع، وليس كل المجتمع، وتدعم حملات بعينها وقوانين اجتماعية معبرة عن أيديولوجيات سياسية. المجتمع المدنى فى مصر تمثله 30 ألف جميعة، لم تستطع إحداث أى تأثير في المجتمع لعدة أسباب أهمها توتر العلاقة بينها وبين الدولة. وما الحل؟! - أولا: أن يضع المجتمع المدنى استراتيجية واضحة بالأولويات وتحديد الأدوار والتمييز بين العمل التنموى والحقوقي. - ثانيا: على المجتمع المدنى الإعلان عن مصادر تمويله، وأنشطته وإبلاغ الجهات المسؤولة، ومناقشة تقريره مع الجهة الصادر عنها، وهذا حقها، قبل الإعلان عنه. - ثالثا: أن تراعي منظمات المجتمع المدنى الصراعات الدولية، والإقليمية، التى تمر بها المنطقة، وأن تراعي انتشار الجماعات الإرهابية، وأفكارها مع الوضع فى الاعتبار الحقوق الأساسية للإنسان. - رابعا: كما أنه على الدولة أن تدير حوارا، وهى ليست طرفا في صراع، وعليها أن تسهل عمل المنظمات، وتصل لحلول معها. - خامسا: طرح قانون منظم لعمل المجتمع المدنى ومناقشته مجتمعيا ومع المنظمات قبل طرحه على البرلمان. - سادسا: وقف حملات التخوين والاتهام بالعمالة. - سابعا: متابعة تنفيذ أنشطة المجتمع المدنى والتمويلات وطرق الصرف باعتبارها أموالا عامة. - ثامنا: أن تشجع الدولة وتشارك المجتمع المدنى في عدد من المشاريع. - تاسعا: أن تعمل الدولة على إنشاء وقفية مصرية لتمويل المشاريع التى تعمل على التوعية السياسية وترسيخ مفهوم الديمقراطية، حتى لا يكون تمويلها من جهات أجنبية، وتكون ممولة من رجال أعمال. - عاشرا: على الدولة أن تجمع أفراد الأزمة والمسؤولين عن الملف، وتتعامل معها بمنطق علمى وأن المجتمع المدنى شريك أساسي، وإيجاد صيغة قانونية للعفو عمن حكم عليهم فى قضية المنظمات، واضطرار بعضهم إلى مغادرة مصر، في حين استطاع متهمون أجانب الهروب لحماية بلدانهم لهم. ما سبق مقترح يمكن أن يكون أرضية للنقاش والبناء عليه والتفاعل حوله، ولا أعتقد أن هناك من يرغب في غلق المجتمع المدنى، خاصة أن حجم تمويلاته يصل إلى 4 مليارات دولار، مصر في أشد الحاجة إليه.