"أنا هنا في الموت يا أمي.. هتبقي أم الشهيد قريب.. إدعيلي" جملةٌ اعتاد المجند مقاتل محمد رمضان صبحي، ١٨ عامًا على ترديدها لأمه على مدار الأسابيع الأخيرة في حياته، قبل عودته للكتيبة بغداد ك٢ التابعة لقوات حرس الحدود.. شهيد تحدث عن الشهادة حتى نالها في الهجوم على كمين الجيش بشمال سيناء أمس. "التحرير" التقت أسرة الشهيد المقاتل "محمد" لرصد دقائق الصمت والفخر داخل منزل الشهيد الثاني في الشرقية.
داخل منزل بسيط تحت الإنشاء يتشح بالسواد يقع على بعد ٦٠ كيلو مترًا من مدينة الزقازيق تقطن أسرة "محمد" أحد شهداء كمين زاغدان الكائن على مشارف الحسنة، في حالة ذهول شديد بعد أن خطف الموت نجلهم العريس.
فالأم المكلومة "فاطمة رجب عبدالسلام - 42 عامًا" جلست وسط "المغزيات المتشحات" في حالة صمت وإعياء شديدة حرنًا على فقدان نجلها ضمن شهداء القوات المسلحة الذين تعرضوا لهجوم إرهابي بكمين زغدان بشمال سيناء، مؤكِّدةً أنَّ نجلها في منزلة الشهداء قائلةً: "ابني عريس دخل الجنة, مات عشان أهله وبلده". وقالت وهي في حالة إعياء شديد: "من أول ما دخل الجيش من سنتين ونص كان بيقولي أنا هبقى شهيد ولما أزعل يقول هتزعلي ليه دا أنتى هتبقي أم الشهيد ويضحك, وأهو طالبها ونالها.. كان نفسه يموت في الميري وربنا استجابله".
وفيما أصيبت وفاء "18 عامًا" شقيقة الشهيد بحاله بكاء هستري وهي تمسك ملابس "محمد" العسكرية الملطخه بالدماء ورائحة تنتشر في كل أروقة المنزل قائلةً: "يرضي مين ده.. يرضي مين أخويه يتقطع كدا، يرضي مين الشباب اللي بتموت دي وحقها مبيرجعش، كفاية موت مش عايزين حد تاني يفقد إخواته".
وأشارت إلى أنَّ الشهيد لديه أربعة أشقاء "أشرف 22 عامًا، مجند بالقوات المسلحة, ووفاء 18 سنة, وتقوى تسع سنوات, وخالد عامين ونصف، لافتًا إلى أنَّ والدهم مصابٌ بعدة أمراض، وأنَّ الشهيد وشقيقه أشرف كانا يتحملان مسؤولية العائله، مشيرًا إلى أنَّ الشهيد كان يعمل ميكانيكي وشقيقه حلاق وحتى خلال فترات تجنيدهما يعملان في فترة الإجازة.
وتغلب الرجل الخمسيني "رمضان صبحي" والد الشهيد" على دموعه، وقال: "ابني حصل على الشهادة الإعدادية وانشغل في عمله كميكانيكي لمعاونتي بعد أن أقعدني المرض في مصرفات المنزل، ما أدَّى لانقطاعه عن الدراسة وخروجه مبكرًا من المدرسة، وكان ينوي إكمال دراسته واستمرار تطوعه في الجيش لكن رجع لنا جثه وزفناه للجنة".
من جديد، واستأنفت الأم المكلومة حديثها قائلةً إنَّه غادر القرية وتوجَّه إلى وحدته منذ 17 يومًا عقب انتهاء إجازته وعند وصوله للوحدة، هاتفها تليفونيًّا للاطمئنان عليها وأخبرها أنَّه وصل إلى مقر وحدته، لافتةً إلى أنَّ آخر مكالمة بينهما كانت قبل الحادث بنحو أربعة ايام حدثها خلالها عن رغبته في الارتباط بإحدى الفتيات.
وأضافت الحاجة أم مصطفى، شقيقة والدة الشهيد: "إحنا بنحب مصر وجيش مصر وكلنا مستعدين ندافع عن البلد بدمائنا وأرواحنا"، مطالبةً الرئيس عبد الفتاح السيسي بتحمُّل تكاليف علاج والدته المصابة بكسر في ثلاث فقرات وتعجز عن العلاج لقله دخلهم.