بين تقارب سياسي ملموس بين مصر وروسيا وذكريات صداقة لاتنسي يبدو أن الثقافة مدعوة لتقديم الكثير، ولعل المؤتمر الذي اختتم مؤخرا في القاهرة حول العلاقات الثقافية بين البلدين خطوة في الاتجاه الصحيح. وثمة حاجة لدراسات نقدية ثقافية عميقة لتأثير الأدب الروسي على الأدباء المصريين سواء في مجال الرواية أو القصة القصيرة ومدى استلهام أصوات خالدة في الأدب الروسي والعالمي من وزن تولستوي وتشيخوف ودوستوفيسكي وبوشكين الذي تأثر بالاسلام والقرآن الكريم. وإذا كان عصر بوشكين هو العصر الذهبي للشعر الروسي فهو أيضا حسب دراسات متعددة عصر التقارب بين الأدب الروسي والأدب العربي، فيما تأثر هذا الشاعر الروسي الكبير بأجواء ألف ليلة بقدر ماتأثر شعراء عرب ببوشكين. وحتى في مجال الموسيقى كان الرئيس الراحل جمال عبد الناصر تستهويه بشدة سيمفونية شهرزاد للموسيقار الروسي نيكولاي ريمسكي كورساكوف وتؤكد كتابات عن الزعيم الراحل أنه كان مفتونا بالعبق الشرقي لهذه السيمفونية الخالدة في تاريخ الفن الروسي والعالمي. وعمل موسيقي كهذا العمل الخالد يكشف عن تشابه في الذائقة والمزاج الشرقي بين الروس والمصريين، وحتى الآن لم تجد وقائع مثل الحضور الروسي المؤثر في مصر اثناء المرحلة الناصرية معادلا روائيا وإبداعيا يتناول هذه الوقائع وذلك الحضور بصورة عميقة وإنسانية. فماذا عن الخبراء الروس في مصر بأعدادهم الكبيرة أثناء بناء السد العالي وسنوات حرب الاستنزاف؟ وماذا عن الأبعاد الانسانية والثقافية لهذا الحضور والنظرة الحقيقية من كل جانب للآخر بعيدا عن المسحة الدعائية والأهواء السياسية ومتغيرات السياسة والحواجز الايديولوجية في عصر الاتحاد السوفييتي السابق الذي كان يرفع أعلام الشيوعية الحمراء ؟!. ربما تعرض روائي مثل صنع الله ابراهيم بقدر ما لهذا البعد الثقافي في بعض أعماله مثل «نجمة أغسطس» غير أن كثافة العلاقات وخصوصيتها بما في ذلك الحياة معا تحت النيران المعادية بحاجة لاستجابة ثقافية -ابداعية ترتقي لهذا المستوى. وواقع الحال أن العلاقات الثقافية بين مصر وروسيا لها مضمون ثري وتاريخي كما أوضح مؤتمر اختتم أمس الأول الخميس في القاهرة بحضور شخصيات ثقافية هامة مثل الكاتب والأديب بهاء طاهر واكاديميين ونقاد لهم وزنهم في الحياة الثقافية مثل الدكتور عاصم الدسوقي والدكتور جابر عصفور. وكان المؤتمر الأول للعلاقات الثقافية بين مصر وروسيا في التاريخ الحديث والمعاصر قد عقد في القاهرة يومي الأربعاء والخميس الماضيين بمبادرة من الهيئة العامة لدار الكتب والوثائق القومية جنبا إلى جنب مع دار «أنباء روسيا». وتوزعت جلسات المؤتمر على عدة محاور هامة مابين «الرحلات المتبادلة بين مصر وروسيا» و«العلاقات التعليمية والعلمية» و«الاستشراق والعلاقات الانسانية» و«الصحافة واللغة» و«الأدب والفن والتاريخ».