لقد تدخلت بتغيير طفيف فى هذه العبارة الشهيرة للرئيس الأمريكى السابق «بيل كلينتون»، فى أثناء حملته الانتخابية فى مواجهة خصمه السياسى العتيد جورج بوش الأب فى السباق الرئاسى الأمريكى عام 1992، حيث استخدم هذه العبارة لتوجيه الأنظار إلى تراجع الأوضاع الاقتصادية فى أمريكا بما يهدد مستوى المعيشة للمواطنين وللتأكيد على أن رعاية الاقتصاد هى بيت القصيد فى تلك اللحظة، وعلى الرغم من أن الكثيرين كانوا يعتقدون أن بوش سيكسب تلك الانتخابات فى ضوء ما حققه للولايات المتحدةالأمريكية فى مجال السياسة الخارجية فإن كلينتون الشاب قد انتصر ودخلت عبارته الشهيرة التاريخ. وتلاحظون حضراتكم أننى قد قمت باستبدال كلمة «ذكى» بكلمة «غبى» ليس فقط لأننا نحتاج إلى الارتقاء بلغة الخطاب المتبادل بيننا بعد أن أصابها انحدار كارثى لم تشهد له مصر مثيلا خصوصا فى الأشهر القليلة الماضية ولكن أيضا لأننى فى هذا المقام أخاطب صناع القرار فى مصر وهم «أقل احتمالا» للأوصاف القاسية من نظرائهم الأمريكيين. ما علينا فالعبارة الشهيرة أيا كانت الألفاظ المستخدمة بها تشير بجلاء إلى أهمية الاقتصاد فى حياة الأمم والشعوب وأن أى نجاح فى السعى نحو التقدم والرقى من المستحيل أن يحدث دون إنجاز ملموس فى الوضع الاقتصادى بطريقة مضطردة حتى فى أكثر الدول تقدما ونفوذا فى عالمنا المعاصر، وهذه الأهمية للعامل الاقتصادى يعبّر عنها الشعب المصرى بفطرته ولغته البسيطة فى أمثاله الشعبية قائلا «يا قاطع قوتى يا ناوى على موتى» وهذة حقيقة مُرّة واقعة هذه الأيام فى مصر التى يكافح مواطنوها من الطبقات الكادحة والمتوسطة للحصول على قوت يومهم الذى يفى بالكاد بمتطلباتهم الأساسية من مأكل ومشرب دون أن يخاطروا بالحلم بالمسكن اللائق أو الوظيفة المحترمة! ومنذ أيام كشف مصدر مسؤول بمجلس الوزراء عن أن اللجنة الوزارية الاقتصادية تعكف حاليا على الانتهاء من تفاصيل مشروعات الخطة العاجلة للاقتصاد للإعلان عنها الأسبوع الجارى بجدولها الزمنى وأماكن تنفيذها، والتى تصل تكلفتها إلى 22.3 مليار جنيه، موضحا أن تمويل هذا المشروعات سيكون من خلال وفورات بالموازنة العامة للدولة، بالإضافة إلى مساعدات الدول العربية. ليس هذا فقط فقد أضاف سيادته أن ذلك سيتضمن إصدار قانون الحد الأقصى للدخول فى الدولة، فضلا عن تشجيع الاستثمار بما يسهل من إجراءات بدء النشاط التجارى، وإصدار قانون تمويل المشروعات متناهية الصغر التى يزاولها الأفراد والأُسر الأكثر احتياجا إلى جانب دراسة ومراجعة القوانين المنظمة للحركة التعاونية فى مصر من أجل مواجهة القصور فيها، ناهيك بزيادة فاعلية شبكة الحماية الاجتماعية بحيث تُحدث على المدى المتوسط تغيُّرًا جذريا فى طبيعة وهيكل البنية الاجتماعية. ولا شك أن هذا «كلام جميل وكلام معقول مانقدرش نقول حاجة عنه» من حضرة المصدر المسؤول وتعليقنا الوحيد عليه «أفلح إن صدق» ونحن بلا شك متشوقون إلى قراءة هذه الخطة الطموح وبرنامجها الزمنى بعد أكثر من شهرين من تولى «حكومة الثورة» مقاليد الأمور أخذًا فى الاعتبار بأن التقدم الاقتصادى يستلزم بلا أدنى شك مزيدا من العدالة وحسن التوزيع فإذا كان تقدم الاقتصاد هو محرك التقدم، فإن العدالة تؤدى إلى حسن توزيع ثمرات هذا التقدم على الغالبية العظمى من المواطنين، وهم الكادحون فى الطبقتين الوسطى المتآكلة والفقيرة المطحونة، وبالتالى فإن الكفاءة والعدالة هما صنوان لتحقيق تقدم الأمة واستقرارها السياسى. وجدير بالذكر أن الدكتور حازم الببلاوى رئيس الوزراء الحالى والاقتصادى المحنك كان قد أشار فى مقال شهير له فى عام 2012 إلى أن نجاح الإدارة الاقتصادية للدولة يتطلب «دولة قوية صارمة تدرك مصالحها القومية وتدافع عنها كما تدرك أهمية ما يدور فى العالم، دولة تتمتع بإدارة حازمة وتتمتع بسلطات كبيرة على الاقتصاد الوطنى الذى يقوم على نظام اقتصاد السوق، لكنها ليست السوق المنفلتة، بل هى سوق خاضعة لإشراف ورقابة الدولة، وهى أسواق تحكمها القوانين وعادة ما تتمتع بالنزاهة وقدر كبير من الشفافية والمساءلة» وأنهى الدكتور الببلاوى مقاله متسائلا «لقد قامت فى مصر ثورة شعبية هائلة، ونأمل أن نصل قريبا إلى وضع مؤسساتنا السياسية الجديدة موضع التنفيذ، فهل لدينا رؤية اقتصادية للمستقبل؟». ونحن نصدق كلام السيد رئيس الوزراء ونقول له «آدى الجمل وآدى الجمّال» وحضرتك فى محل القيادة الآن والرؤية الاقتصادية المستقبلية التى تساءلت عن توافرها هى حاليا أمانة بين يديك وتنفيذها مرهون بإشارتك وسياساتك ورعايتك لمصالح الفقراء والبسطاء والكادحين من المصريين، فماذا يا ترى أنت فاعل؟