اصطلح الناس على استخدام كلمة «لعبة» لوصف عملية المشاركة السياسية وتداول السلطة والانتخابات بأنواعها، وغيرها من آليات العملية الديمقراطية، وحقيقة الأمر أن هذا التعبير، أى اللعبة السياسية، يوحى بكثير من المعانى، أهمها أن هناك قواعد يجب الاتفاق عليها مقدمًا، وأن هذه القواعد ملزمة للمشاركين باللعبة وأن مخالفتها تستلزم إخراج الطرف المخالف فورًا خارج ساحة «اللعب»، لأن عدم التزامه يعنى إجحافًا بحقوق «اللاعبين» الآخرين وإخلالًا بمتطلبات العدالة والشفافية فى المنافسة أمام المشاهدين، وهم فى حالة الديمقراطية «الناخبين»، ولا يجادل أحدنا فى أن اللعبة السياسية هى من أكثر الألعاب شعبية ومشاهدة وتقييمًا على مستوى العالم ببساطة، لأن نتائجها لا تنعكس على «الفرق» أو الأحزاب المتنافسة فحسب، لكنها بنفس القدر تنعكس بطريق مباشر وفورى على حياة كل فرد من المشاهدين لهذه المنافسة السياسية الساخنة، وبالتالى يتحتم أن تكون القواعد الحاكمة للعبة صارمة ومطبقة دون استثناءات على الجميع سواسية، وفى ضوء ذلك فإنه من العجب العجاب وبالقطع من اللا معقول أن يتصرّف أحد «اللاعبين» وفقًا لقواعد يضعها بنفسه وتخصه وحدة ولا يسمح بها للآخرين، ثم ينتظر منهم أن يقبلوا بنتائجها ويستمروا فى اللعب وفقًا لقواعد تطبق انتقائيًّا على الأطراف المختلفة، فعلى سبيل المثال: هل سمع أحد من حضراتكم أبدًا بلاعب كرة ينزل إلى الملعب ومعه كرته الخاصة، إضافة إلى الكرة الأصلية للمباراة، مع السماح له باستعمالها حين يشاء ويسجل بها الأهداف فى شبكة الفريق المنافس حين يحن له ذلك؟ أو هل يسمح حكم المباراة لأحد اللاعبين بكسر قدم أحد لاعبى الفريق المنافس ثم يتم استكمال المباراة كأن شيئًا لم يكن ولا يطرد اللاعب أو يعاقب الفريق بأسره؟ وهل سمع أحد منكم بمباراة قرر فيها الجمهور الاعتصام فى ملعب الكرة مسلحًا بأدوات اعتداء على الفريق المنافس، ثم طالب باستكمال اللعب بنفس القواعد متهمًا الحكم والطرف الآخر، كليهما، بعدم العدالة، ليس هذا فقط، لكن مقدمًا طلبًا ل«الفيفا» العالمية بشطب دولته التى يعيش فيها من اللعبة؟ أكيد هذا كله غير مقبول ولم نسمع به من قبل فى أى مكان فى العالم، لكن كما نعلم جميعًا فمصر هى بلد المعجزات ومهد الحضارات طبعًا، وبالتالى بعض المصريين يستطيعون أن يخترعوا ما يريدون من قواعد ويطبقوا ما يريدون ويتجاهلوا ما يريدون على أساس «أنهم معهم الصندوق وحكم المباراة وبعض المشاهدين»، وبالتالى همّ أحرار! إذا نقلنا ذلك إلى أرض الواقع مقتربين من المشهد السياسى المصرى كما شهدناه فى الشهور الماضية، فسنجد أننا واقعون بين شقى الرحى بين جموع الشعب المصرى ممن دعموا 30 يونيو، وبين جماعة تصر على أن نخضع جميعًا لما تضعه من قواعد لممارسة اللعبة السياسية من وجهة نظرها هى، وبالتالى تطبق المثل الشعبى «لا فيها لاخفيها»، وحنشتكيكوا لأمة لا إله إلا الله فى كل أنحاء المعمورة بصفتكم انقلابيين أشرارًا مفتريين يجب تعليقكم على المشانق وتجويعكم وإقناع أمريكا والغرب بمنع كل المعونات عنكم وإلغاء جميع الاتفاقيات معكم لغاية ما تسلمونا الحكم على «طبق من ذهب» تانى علشان نرجع نلعب معاكم ونغلبكم ونقهركم وكل ده وفقًا لقواعدنا الملاكى ويا كده يا بلاش وإن كان عاجبكم! السؤال هنا: هل بينكم رجل راشد عاقل يريد أن يصل المصريون إلى كلمة سواء؟ لقد فقدتم الزخم الشعبى والتعاطف الجماهيرى فهل تدركون ذلك؟ لقد رفضتم مد أيديكم وأنتم منتصرون وتحكموا البلاد، فهل تستمرون فى ذلك بعد الهزيمة والخروج من الحكم باتباع نفس الأسلوب؟ إذا كان الأمر كذلك حينئذ ينطبق عليكم مثل آخر حكيم عميق المعنى فيه فصل الخطاب ألا وهو «على نفسها جنت براقش»!