يكاد يمر اليوم على تولى الحكومة الانتقالية سلطة إدارة شؤون البلاد قرابة شهرين كاملين، بينما ما زالت تحاصرها المشكلات وتواجهها التحديات وتنهكها القضايا اليومية الصعبة فى ما يتعلق بتسيير حياة ومعيشة كل المصريين الذين يكاد لسان حالهم ينطق بالعبارة الشهيرة هاتوا برهانكم أيتها السيدات الفضليات وحضرات السادة المحترمين فقد أتيتم إلى هذا الموقع وتحملتم المسؤولية فى هذه اللحظة الفارقة من عمر الوطن لاستعادة أمل ملايين المصريين، المحبطين إلى حد اليأس، فى العودة إلى الحياة الطبيعية الآمنة على حياتهم وحياة عائلاتهم والتى يتمتعون فيها بمعيشة كريمه تحفظ عليهم آدميتهم وكرامتهم وحقوقهم المشروعة فى العيش والحرية والعدالة الاجتماعية. وما يجب أن يأخذه الجميع فى الاعتبار فى هذا الشأن أن حبال صبر المصريين قد أوشكت كما يقول المثل الشعبى على أن «تدوب» وبالتالى فإن ما انطبق على محمد مرسى فى ما يتعلق «بإعطاء الفرصة» سينطبق على غيره بدون أدنى شك، لأن الروح المعنوية للشعب المصرى قد بلغت الحلقوم وأى إحباط أكثر من ذلك ستفارقه مغادرة مأسوف عليها دون عودة، لأنها فى ذلك الحين ستكون قد استقرت فى مستوى الحضيض وحلنى بقى على بال ما يتم رفعها مرة أخرى، خصوصا فى ظل حالة الشك والريبة التى أصبحت متأصلة لدى عموم المصريين خلال العامين الماضيين كنتيجة طبيعية لما شهدوه من تطورات مفاجئة وأحداث مخيبة للآمال والتوقعات تحيط بها التفسيرات المريبة التى لعبت فيها جميع الأطراف دورا سلبيا من خلال الاتهامات والتصنيفات التى تبدأ بالخيانة والعمالة، وتنتهى والعياذ بالله بالكفر والخروج عن الملة. ودعونا نتذكر جميعا رئاسة وحكومة وشعبا أن رغبة الملايين فى أن يقف الجيش المصرى فى صف الشعب محققا آماله فى التخلص من رئاسة وجماعة احتكرت السلطة وهمشّت الشعب المصرى ونظرت لأهدافها ومصالحها الخاصة بدلا من خدمة المواطن المصرى لم يكن معناه أن المصريين قد تخلوا عن الحلم بحكومة مدنية منتخبة بطريقة ديمقراطية نباهى بها الأمم ويتم وفقا لها تداول السلطة بين الأحزاب السياسية المختلفة، كما يجب أن ندرك أنه رغم التأييد الشعبى الجارف لشخص الفريق «السيسى» وجيش مصر العظيم الذى ينظر إليه غالبية المواطنين بوصفه البطل الشعبى الذى أنقذهم من السيطرة الجائرة للإخوان ورئيسهم الفاشل فإن ذلك لا يعنى بأى حال من الأحوال رغبة عموم الشعب فى أن تحكمه المؤسسة العسكرية، فهذا ليس دورها ولا مكانها الطبيعى الذى يهدف إلى حماية الحدود والأمن القومى وليس تولى دور فاعل فى المشهد السياسى المصرى. وخلاصة ما سبق أن اعتماد الحكومة المؤقته على الزخم الشعبى فى 30 يونيو أو التفويض الممنوح للسيسى لمكافحة الإرهاب لا يمنحها على الإطلاق «فترة سماح» تلتقط فيها الأنفاس قبل التقييم الصارم لأدائها منذ اليوم الأول لتوليها مقاليد الأمور، فشرعيتها بطبيعة الحال غير مؤسسة على انتخابها وإنما ستقوم بكل تأكيد على نجاحها فى كسب ثقة الشعب المصرى بما تنجزه على وجه السرعة فى أرض الواقع، وبالتالى ينعكس على الفور على حياتنا اليومية، وعليه فإن حكم المواطن على نتائج أعمالها لن يكون به «نقض ولا إبرام» وبغض النظر عن مدى عدالة ذلك ودعاوى محدودية الفترة الزمنية فإن واقع الحال هو الذى سيحكمنا فى هذه اللحظة وجميعنا سنخضع له على قدم المساواة صاغرين، لأنه ببساطة أوان تضييع الوقت قد «فات وانقضى»، وبالتالى فإن حكومتنا الرشيدة مطالبة على وجه السرعة بتقديم «كشف حساب» لأعمالها حتى تاريخه ويجب عليها أن تتكل على الله وتشمر كمامها وتشتغل فى الفاعل علشان تعرف تضبط أمورها مع هذا الشعب الصابر مع الأخذ فى الاعتبار أن قائمة الإنجازات لن يدخل فيها عند التقييم الشعبى «أننا قبضنا على ابن خالة فلان وابن عمة علان» لأن كل مسائل القبض على المجرمين ومكافحة الإرهاب والعدالة الانتقالية تندرج جميعها تحت قضايا أمنية تم التفويض فيها بالفعل، ولكن نحن ننتظر على نار أن تأتوا ببرهانكم ونصحو بإذن الله فى «يوم معلوم تترد فيه المظالم أبيض على كل مظلوم أسود على كل ظالم» فهل يا ترى غدا لناظره قريب؟ وفى أى جانب من المظالم ستكونون حينئذ؟