ليس الجهل هو الذى يجعل صحيفة أمريكية كبيرة مثل «الواشنطن بوست» تتحول إلى نسخة عن «الجزيرة مباشر» وتتبنى نشر الأكاذيب التى تصل إلى حد ترديد أن الحكومة المصرية (وليس الإخوان وحلفاءهم) هى التى كانت وراء إحراق الكنائس فى مصر!! ليس الجهل، ولكنه الانحطاط الإعلامى والسياسى.. فالصحيفة تعرف، والحكومة الأمريكية وأجهزة مخابراتها أيضا من أحرقوا الكنائس والمساجد، ومن حاولوا حرق مصر كلها، من خططوا لنشر الفوضى، ومن جاؤوا بالإرهاب ورفعوا أعلام القاعدة السوداء فى قلب القاهرة!! الصحيفة تعرف مثل كل وسائل الإعلام الغربية، والحكومة الأمريكية وأجهزتها الأمنية والدبلوماسية تعرف ما هو أكثر.. فهى الراعى الرسمى لجماعة «الإخوان» وهى المعادى لثورة شعب مصر التى أسقطت الحكم الفاشى فى 30 يونيو. وهى التى تمارس كل الضغوط، ومن بينها هذه الحملات الإعلامية المنحطة، لكى تعرقل مسار الثورة، ولكى لا تنكشف كل خبايا صفقة العار بين الإدارة الأمريكية والإخوان! تعرف الصحيفة، كما تعرف إدارة أوباما، كل الحقائق عما يجرى فى مصر، بما فيها حرق الكنائس، سمعت مثلنا صيحات التحريض من على منصة رابعة، ووصلت إليها تهديدات قادة الإخوان لأبناء مصر جميعًا، وللأقباط على وجه الخصوص، بالانصياع للحكم الفاشى أو انتظار الانتقام. ووصلتها الصورة الكاملة لإحراق الكنائس (بالصوت والصورة) وسمعت صوت البابا تواضروس وقيادات الكنيسة المصرية وهم يكشفون الحقيقة ويفضحون الإخوان وحلفاءهم، ويؤكدون فى نفس الوقت أنهم لن ينجروا للمؤامرة الحقيرة التى يديرها الإخوان لإشعال الفتنة الطائفية، وأنهم سيظلون جنبا إلى جنب أشقائهم فى الوطن من المسلمين، يقاتلون الإرهاب ويحاربون الفاشية. وأظن أن هذا هو ما أزعج الأمريكان، وجعل إدارة أوباما تغض الطرف عن إحراق عشرات الكنائس، وجعل «الواشنطن بوست» تنافس «الجزيرة مباشر» فى الكذب والتضليل. فهم لن ينسوا أن البابا تواضروس قد رفض طلب السفيرة الحيزبون آن باترسون بأن لا يشارك أقباط مصر فى ثورة 30 يونيو، مؤكدا أن هذا ليس دور الكنيسة، وأن أقباط مصر هم مواطنون لهم حق القرار فى مستقبل وطنهم. كان رهان أمريكا على «الإخوان» قد أعماها عن كل الحقائق التى تجرى فى مصر، ومن بينها أن كرامة المواطن وحريته لم تعد مجالا للمساومة، وأن استقلال الوطن لم يعد يقبل أن يكون القرار فى شؤون مصر لغير أبنائها، أو يكون الحكم فى يد أتباع فيأخذون التعليمات من المندوب السامى لهذه الدولة أو تلك! وليس أدلَّ على حالة العمى التى أصابت أمريكا وحلفاءها، مما جاء فى الوثيقة الهامة التى نشرتها «التحرير» أمس عن اجتماع ممثلى المخابرات وأجهزة الأمن الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية والفرنسية مع حلف الناتو فى إحدى القواعد العسكرية الأمريكية فى ألمانيا. تقول الوثيقة إن الحاضرين يسجلون «الموقف المؤسف لأقباط الولاياتالمتحدة الذين رفضوا التعاون فى أى عملية تدخُّل (ضد مصر) وأيدوا الإدارة الانتقالية الجديدة، ويضاف إلى ذلك قرار الكنائس المصرية بدعم الإدارة الانتقالية، مما قد يؤثر سلبا على حرية «حركتنا» وربما أيضا على مواقف الكنائس الأوروبية والأمريكية من خططنا المقبلة (وهى الخطط التى تستهدف زعزعة الأمن وممارسة الضغوط الاقتصادية والاستعداد لفتح جبهة جديدة فى مصر تضاف لجبهتى سوريا والعراق). ما يصفه ممثلو المخابرات الغربية والإسرائيلية بأنه «موقف مؤسف» من الأقباط فى الداخل أو فى المهجر، وسام شرف على صدورهم جميعا، وهو شهادة جديدة لموجات الثورة من 25 يناير إلى 30 يونيو و26 يوليو التى وحدت صفوف المصريين، وأعادت الاعتبار للوطنية المصرية.. هذه الحقيقة التى لم يفهمها «الإخوان» وهم يبيعون الوطن ويقسمون أبناءه، وهى الحقيقة التى لم تفهمها أمريكا، وهى ترعى حكم الإخوان الفاشى ثم وهى تتآمر الآن على شعب مصر وتقف فى صف واحد مع عصابات الإرهاب بقيادة الإخوان، ثم وهى تتلقى الصفة من أقباط مصر وهم يعلنون رفضهم الحاسم للتدخل الأجنبى، ويتمسكون بما أعنله البابا تواضروس من أنهم جزء من نسيج هذا الوطن يحتمون به وحده، ويثقون أن شعب مصر الذى توحدت صفوفه كما لم يحدث من قبل.. قادر على هزيمة الإرهاب، وقادر على القصاص من الذين يريدون حرق مصر. سوف تنتصر مصر حتمًا على الإرهاب، ولكنها لن تنسى أبدا من وقفوا بجانبها فى هذه الأيام الصعبة، ومن وقفوا يدعمون الإرهاب ويوفرون له الغطاء السياسى والدعم المالى والإعلام الذى بلغ درجة لا تصدق من الانحطاط.