يسألنى الكثيرون هذه الأيام فى لقاءات متعددة الأغراض داخل مصر وخارجها عن موضوع وحيد دون غيره وهو: هل انتهت الديمقراطية الوليدة فى مصر بعزل الرئيس مرسى الذى يحب مؤيدوه أن يسبقوا سيرته بأنه أول رئيس مدنى منتخَب فى التاريخ المصرى؟ وهل تحرُّك الجيش فى الأسابيع القليلة الماضية يمثل انقلابا عسكريا على الشرعية سيطيح بآمال المصريين فى أن تنتقل دولتهم العريقة قريبا إلى مصافّ الدول الديمقراطية المحترمة؟ وهذا السؤال الجوهرى يعبر عن هواجس عميقة لدى الجميع مصريًّا وعربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا حول مستقبل تطور الأحداث فى مصرنا المحروسة فى المستقبل المنظور. والفارق الوحيد هنا أنه بينما تنطلق أسئلة المصريين من أرضية القلق على الأمن والاستقرار فى شوارعهم وميادينهم رغبة فى استعادة حياتهم اليومية الطبيعية وانتعاش اقتصادهم وسعيهم وراء الرزق فى ظل مصالحة وطنية تعيد المجتمع المصرى إلى ما كان عليه من تسامح وقبول بالآخر فإن أسئلة الخارج القلقة والمتشككة على مستوى دوائره المتعددة تنطلق من أرضية «أن ما يحدث فى مصر لا تقتصر آثاره على مصر» بل تمتد إلى عالمها العربى وإلى منطقة الشرق الأوسط بأسرها وتؤثر على توازن القوى فى هذا الإقليم المرشح أبدا للاشتعال على أرضيات دينية أو طائفية أو عرقية أو أيديولوجية وهلمّ جرّا، وكما يقول إخواننا اللبناييون «الحبل على الجرار» والأحداث اليومية فى مختلف بلدان المنطقة هى شاهد يومىّ على ذلك دون جدال، إضافة إلى أن الكثير من اللاعبين الأساسيين فى منطقة الشرق الأوسط ابتداءً من إيران ومرورا بإسرائيل ووصولا إلى تركيا لهم مصالحهم وأجنداتهم السياسية الخاصة التى تتأثر إيجابا وسلبا بتطور الأحداث على الساحة المصرية، ويظهر هذا الاهتمام البالغ بمصر فى التصريحات شبه اليومية من قبل الأطراف المذكورة تعليقا على كل شاردة وواردة فى الأخبار المصرية.. أما ما نطلق عليه «الغرب» فمواقفة تتراوح بين الرفض والقبول، بين التفهم والتأييد المستتر، وبين الوعيد والتهديد، ولا شك فى حقيقة أن العلاقات مع الولاياتالمتحدة تشهد توترا متصاعدا فى لهجات الخطاب السياسى الأمريكى التى تتهم الجيش المصرى بالتدخل فى الحياة السياسية والردود المصرية الغاضبة والمستهجنة لهذه الاتهامات، مؤكدة أن ما حدث هو رغبة شعبية عارمة، كل دور الجيش فيها هو حماية مطالب الجماهير، ويخشى الكثير من المراقبين أن استمرار مثل هذه البيانات الحادة المتبادَلة قد ينعكس سريعا فى سياسات على الأرض تكون لها آثار سلبية على العلاقة الاستراتيجية بين الدولتين، وهنا يجب الأخذ فى الاعتبار أن ما يثيره بعض الدوائر الأمريكية من محورية قضية «الرئيس المنتخب» وخطأ عزله تتغاضى عن حقيقة أن هذا الرئيس قد كاد يقضى على الدولة المصرية ذاتها ناهيك بتجاهل معارضيه والاستهانة بمطالبهم الشرعية من خلال تحصين قراراته بالإعلان الدستورى المشبوه فى نوفمبر 2012 مانحا نفسه سلطات «شبه إلهية» لم ينتخبه 51% من المصريين من أجل الاستحواذ عليها واحتكار السلطة وتجاهل المؤسسات، وقد أثبتت التجربة المصرية المريرة خلال العامين السابقين بما لا يدع مجالا للشك أن اختصار العملية الديمقراطية فى صندوق الانتخابات قد ينتج عنه، كما حدث، أنظمة عاجزة عن الإدارة وتحقيق التوقعات كما أنها قد تصبح غير ليبرالية أو استيعابية كما شهدنا على الساحة المصرية، وربما كان من الأجدر بالإدارة الأمريكية بدلا من الضغط الشديد على القاهرة لإجراء انتخابات سريعة اليوم قبل غدٍ كعلامة وحيدة على السير فى طريق الديمقراطية، أن تحثّ القيادة المصرية على الالتزام بمعايير واضحة للحكم الرشيد وإنهاء العنف والاستقطاب السياسى وتحقيق المصالحة الوطنية إلى جانب العمل على استعادة الوظائف الرئيسية للدولة ومؤسساتها وتبنّى خطة قصيرة الأمد لإنعاش الاقتصاد المصرى المتداعى، ناهيك بمواجهة الإرهابيين خصوصا فى سيناء. هذه هى المهام التى يجب أن تحتل قائمة أولويات الحكومة المصرية الحالية ورئيس الجمهورية المؤقت، والتى يجب أن تدعم الولاياتالمتحدة تحقيقها لأن ذلك هو ما سيحقق الاستقرار لمصر ومحيطها العربى، ففى فى هذه اللحظة الخطيرة من الثورة المصرية فإن الأداء الناجح لحكومتها سيكون عاملا أكثر أهمية فى تحديد شرعيتها واستمراريتها من كونها منتخبة أم لا، ولا يعنى ذلك بطبيعة الحال أن الانتخابات القائمة على الصندوق غير مرحَّب بها بل العكس صحيح، ولكن الديمقراطية يجب أن تعتمد إلى جانب «الصندوق» على الضوابط الدستورية والقواعد الديمقراطية الشفافة التى تلتزم بها جميع الأطراف الفاعلة فى العملية السياسية وفى هذه الحالة فالديمقراطية قادمة لا محالة فى موعدها والشعب المصرى يفتح لها الذراعين دون قيد ولا شرط.