التقى وزيرا خارجية روسياوالولاياتالمتحدة في جنيف لبحث الأزمة السورية، وشارك جزئيا في المباحثات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا. لقاء وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف مع نظيره الأمريكي جون كيري، بحد ذاته، يمثل شكلا من أشكال التقارب رغم كل الخلافات القائمة بين موسكووواشنطن بشأن الأزمة السورية عموما، وحول العديد من التفاصيل المتعلقة بتوسيع التنسيق العسكري، وإدخال المساعدات الإنسانية إلى المناطق السورية وتوزيعها، والتعامل مع قوى المعارضة المختلفة وتصنيفها، وعلاقة فصائل المعارضة بالجماعات والتنظيمات الإرهابية، والعلاقة مع الأكراد، ومستقبل الأسد، والأدوار الإيرانية والسعودية في الأزمة السورية. خلافات كثيرة وعميقة، ولا ينكرها أي طرف من الأطراف، وبالذات الأطراف الكبرى مثل روسياوالولاياتالمتحدة. وبالتالي، فمجرد اللقاءات بحد ذاتها، خطوة مهمة بعيدا عن القطيعة والمقاطعة وفقدان قنوات الاتصال الذي يمكنه أن يسفر عن كوارث في غياب التنسيق والحد الأدنى من التفاهم. الخبراء العسكريون الروس والأمريكيون التقوا قبيل لقاء وزيري البلدين. وبحثوا تهدئة الوضع في حلب ومحيطها، وربما الحسكة أيضا التي تشهد عمليات كر وفر ومفاوضات بشأن خروج هذه القوى والتيارت أو دخول تلك الجماعات والتنظيمات، وتوزيع المساعدات الإنسانية مثل عشرات من المناطق السورية الأخرى التي قد تواجه كوارث إنسانية ومجاعات وأمراض بفعل الحرب والحصار وغياب المقومات الأساسية للحياة. ناهيك عن عمليات التهجير والنزوح واللجوء والقتل العشوائي. من الصعب مناقشة أو بحث أي عمليات إنسانية في سوريا، أو حتى أي تنسيق عسكري في أدنى درجاته ومستوياته من دون بحث التنسيق في مكافحة الإرهاب وإيجاد نقاط تقاطع، أو في أسوأ الأحوال نقاط تماس. ولكن مع الأسف، وعلى الرغم من أهمية مثل هذه اللقاءات، إلا أن الكثير من التقارير والمراقبين يصفونها ب "حوار الطرشان"، حيث يفسر كل جانب ما يتم التوصل إليه بالشكل الذي يرضيه ويلبي مصالحه فقط، ويمنحه الأوراق اللازمة ولو نظريا لمغازلة حلفائه وإجراء مناورات سياسية وإعلامية مختلفة لإقناع الرأي العام بموقفه. وفي نهاية المطاف، يتم التقدم نظريا وخلف الأبواب المغلقة وفي وسائل الإعلام، ولكن الأمور لا تتحرك على الأرض، وربما تشهد تراجعا في مناطق كثيرة. في الحقيقة، كيري ذهب إلى جنيف بعد زيارته إلى الرياض ولقائه بالقيادة السعودية، وبالعديد من ممثلي دول الخليج. وقبلها بيوم واحد فقط كان نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن يزور أنقرة ويلتقي بالقيادة التركية. ما يعني أن كيري وصل إلى سويسرا مدعوما ومسلحا برأي إقليمي مهم، وخاصة بعد أن قامت القوات التركية باجتياح شمال سوريا بالاشتراك مع قوات الجيش السوري الحر، وأكد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان "حقه" في اجتياح شمال سوريا، ودخول معارك مع قوى متعددة، يرى أنها تشكل خطرا على تركيا. المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا لا يزال حائرا، وهناك ما يتم اتخاذه من وراء ظهره، وهناك أيضا العديد من الخطوات والإجراءات التي يرى بعض الأطراف أنه غير معني بها. وبالتالي، يتم تهميشه، مثلما يتم تهميش دور الأممالمتحدة ومجلس الأمن في اللأزمة السورية. إذ يحاول بعض الأطراف اتخاذ خطوات جديدة، وسيناريوهات تتناسب مع موازين القوى بعد اجتياح إردوغان لشمال سوريا. وربما شدة الخلافات في الرؤى بين موسكووواشنطن، هي التي دفعت دي ميستورا إلى اللقاء بالوزيرين الروسي والأمريكي كل على حدة. وبصرف النظر عن المعلن، فالحوار متعثر للغاية. وربما يكون الاجتياح التركي هو أحد الأسباب، إضافة إلى تمسك واشنطن بعدد من الأوراق الخلافية، وإصرار روسيا أيضا على بقاء بشار الأسد في السلطة. قبيل لقاء لافروف وكيري في جنيف، نفت واشنطن وجود أي تنسيق عسكري مع موسكو في سوريا. وصرح الناطق الرسمي باسم البنتاجون بيتر كوك بأن تحقيق خطط تنسيق لجهود الولاياتالمتحدةوروسيا بشأن سوريا يتطلب تسوية قضايا كثيرة. وقال "لم نحقق بعد خطط التنسيق المحتمل للجهود. يجب تسوية عدد من القضايا الهامة قبل القيام بالخطوات التي ناقشها وزيرا الخارجية الأمريكي جون كيري والروسي سيرجي لافروف، في الشهر الماضي في موسكو. إننا لم نصل إلى ذلك بعد". وإمعانا في تأكيد موقف واشنطن، حمّل كوك موسكو ودمشق من جديد المسؤولية عن قصف المناطق السكنية في سوريا، مؤكدا على أن "ذلك يغذي النزاع ولا علاقة له بضرب المتطرفين.. وأن الأعمال الأخيرة "للنظام السوري وروسيا" تزيد من صعوبة هذه العملية. وطالب كوك روسيا بقائمة مهمة من المطالب، مشيرا إلى أنه "بمشاركتها في هذه الحرب، وضعت روسيا على عاتقها مسؤولية كبيرة عن مستقبل سوريا. يتعين عليها، ومنذ زمن طويل، الدفاع عن السكان المدنيين وضمان وصول المساعدات الإنسانية وخلق ظروف للانتقال السياسي للسلطة". وأوضح أن "الولاياتالمتحدة تجري نقاشات مع روسيا بشأن هذه القضايا، لكننا لن نشارك في نقاشات لا تؤدي إلى نتيجة محددة".