صورة تشييع جنازة أحد الشهداء، وصورة أخرى للآية الكريمة من سورة الفجر "يا أيتها النفس المطمئنة..."، كانت تلك آخر ما قام به الشهيد النقيب محمد الزملوط من تغيرات على حسابه الخاص على موقع التواصل الاجتماعى "الفيسبوك" بعد أن فقد أحد أصدقائه الضباط فى حادث إرهابى فى مدينة العريش. لم يكن يعلم الضابط الشهيد أنه بعد شهور سوف يلحق بصديقه الشهيد وبرفقته صديق عمره الشهيد الملازم أول "محمد السعيد"، وسوف تبقى تلك الصور باقية على حسابه الخاص نعيًا لصديقه وله ورفيق عمره فى آن واحد. فى العام 2009 التحق محمد الزملوط بكلية الصيدلة، وقام بالانتظام بالدراسة بها شهرًا قبل أن يتحول مسار حياته، ويتحول إلى كلية الشرطة بعد أن علم أن اسمه قد أعلن فى أسماء المقبولين فى تلك السنة، فترك الصيدلة، وتحول لكلية الشرطة ليصبح "النقيب محمد الزملوط". فى ذلك العام كان رفيق عمره "محمد السعيد" ينهى أوراق اعتماده فى كلية الفنية العسكرية ليتخرج بعدها بسنوات ليصبح ضابط قوات مسلحة. تخرج الضابطان الصديقان رفقاء العمر فى مرحلة حرجة للغاية انتشر فيها الإرهاب فى محافظة شمال سيناء، التى كانت مسقط رأس الأول وإقامة الثانى، لكن بقيت هى المحافظة التى حملت ذكرياتهما وملاعب صباهما. أكد مقربون من النقيب الشهيد، أنه رفض بشكل تام ترك الخدمة فى شمال سيناء، والتوجه إلى أى محافظة أخرى، خاصة أن والده محمود الزملوط لواء شرطة على المعاش، وكان من السهل نقله خارج شمال سيناء، لكن الضابط الشهيد رفض راضيًا بقضاء الله وقدره، على الرغم من علمه أن اسمه مرصود لدى الجماعات الإرهابية فى سيناء. أما الشهيد محمد السعيد، فبعد أن تخرج فى كلية الفنية العسكرية، وانتقل للعمل والإقامة خارج شمال سيناء، ورغم التحذيرات له بعدم القدوم لشمال سيناء لخطورة الوضع الأمنى بها، لكنه كان يختلق "الحجج والأسباب" للقدوم لمدينة العريش لرؤية أصدقاء عمره خاصة الشهيد النقيب الزملوط. وعن الحياة الخاصة بالشهيد الزملوط، ذكر مقربون منه ومن أسرته، أنه شاب خجول جدًا وعلى أخلاق عالية، وكان مواظبًا على الصلاة، وصفه أحد أصدقائه "إنك لما تقعد معاه وإنت ماتعرفوش ماتحسش إنه ظابط نهائيًا من قمة تواضعه". أما والده اللواء محمود الزملوط، فبعد أن ترك الخدمة فى جهاز الشرطة تولى مسؤولية إحدى الجمعيات الخيرية، التى تقدم الدعم للمحتاجين والفقراء فى شمال سيناء. ترك الشهيد الزملوط الذى صاحب ال25 ربيعًا، أسرة صغيرة مكونة من زوجة وطفل صغير يدعى "عمر". فى عام 2015، نشر الشهيد نعيًا مقتضبًا على حسابة على الفيسوك لصديقة الشهيد "بشهى" أحد الضباط، الذين استشهدوا خلال انفجار مدرعة على الطريق الدائرى جنوبالعريش، ملقيًا اللوم على قيادات الأمن التى تعلم أن هناك خطرًا على قوات الأمن فى السير على الطريق الدائرى لوجود عبوات ناسفة، لكنها تصر على ذلك لإقامة كمائن على الطريق، الذى يعتبر الأخطر فى شمال سيناء. وبعد استشهاد الضابطين نشر أحد أصدقاء الشهيد "محمد السعيد" محادثة بينهما حاول أن يحذر فيها الشهيد من القدوم لمدينة العريش قائلًا "والله أنا خايف عليك"، ليجيبه الشهيد "العمر واحد والرب واحد ولا الله إلا الله". يذكر، أن مسلحين يستقلون سيارة ملاكى قاموا بقطع الطريق على سيارة كان يستقلها النقيب "محمد الزملوط" والملازم أول "محمد السعيد" وقاموا بفتح النيران عليهما من أسلحتهم الآلية، ما أسفر عن استشهادهما على الفور، بعد أن لفظا أنفاسهما الأخيرة فى ذات الوقت، ليتحولا من أصدقاء العمر فى الحياة إلى رفقاء فى الشهادة.