نشرت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية تقريرًا اليوم الخميس، حول صورة الطفل عمران دقنيش البالغ من العمر 5 سنواتٍ، الذي عُثر عليه وسط الحطام في مدينة حلب السورية، والتي جذبت صورته انتباه العالم أجمع ليرى فيه تجسيدًا للمعاناة والآلام الموجودة في حلب وفي سوريا بشكل عام. صورة الطفل التي يبدو فيها مذهولًا والدماء تغرق وجهه، انتشرت حول العالم بشكل كبيرٍ للغاية، وتساءلت الصحيفة، ما الذي كان مُميزًا للغاية بشأن هذه الصورة لتنتشر مثل هذا الانتشار، على الرغم من أن مُصوري الحرب يلتقطون مئات الصور كل يوم للأوضاع في سوريا؟ أجرت صحيفة " الإندبندنت" حوارًا مع ثلاثة من مُصوري الحروب، الذين شهدوا على بعض الأهوال في الحرب الدائرة في سوريا، لتعرف منهم آرائهم في تلك الصورة وكيف أثّرت عليهم جميعًا، ولماذا أصبحت رمزًا بهذه السرعة. نيكول تانج المُصوّرة الأمريكية والحاصلة على عدة جوائز صحفية نيكول تانج، كانت صديقةً مُقربةً من مُصور الفيديو جيمس فولي، الذي اختطفته داعش وذبحته في 2014، ورأت العديد من جثث الأطفال "مقطوعي الرؤوس"، وعلى الرغم من ذلك فهي تقول إنّ ما يُميز هذه الصورة هو تعبيرها عن "فقدان البراءة". وتُتابع تانج، وجه الطفل الصغير هو تعبيرٌ عن الصدمة بشكلٍ كبير، ولقد رأيت مثل هذا الوجه من قبل كثيرًا، فقد قضيت بعض الوقت في مستشفيات سوريا، حيث حضر الكثير من الأطفال من مواقع انفجار القنابل، وربما قد رأوا والدهم أو والدتهم يُقتلوا أمام أعينهم. وفي العادة لا يقوم الأطفال بالبكاء في تلك المرحلة، فقد مرّوا بأحداثٍ عنيفةٍ للغاية، ولكنهم لم يتخطوها بعد فلا تصل أي عواطف إليهم. والطفل عُمران هنا صغيرٌ للغاية – يبلغ من العمر 5 سنوات – ولكنه يرى الجميع من حوله بالغين ولديهم أطفال، من الممكن أن يكون هذا طفلهم الذي حدث له هذا، فهذا باختصار تعبيرٌ عن البراءة، أو بشكل أوضح «فقدان البراءة»، فالطفل الصغير الذي كان من المفترض أن يلعب مع الآخرين بدلًا من ذلك أصبح جزءًا من أكثر الحروب عنفًا التي شهدتها البشرية، فهذا صادمٌ بالتأكيد. ولقد فقدت الأمل الآن بعد أن مرّت خمس سنوات وأنا أشاهد هذه الحرب، وهذه الصورة ليست أسوأ ما قد رأيته، فقد رأيت صورًا لأطفالٍ مقطوعة رؤوسهم، أو بأطراف مفقودة، ويجب أن تراقب وسائل الإعلام مثل هذه الصور، لأنهم لا يريدون أن يخسروا جمهورهم، وهذا أحد مُسببات الضغط لدى المُصورين أن لا تكون قادرًا على عرض صورتك بدقة. وهناك خطٌ رفيعٌ حيث يصبح الشيئ سرياليًا لدرجة أن لا أحد يريد تصديقه بعد الآن، هذه الصورة ليست بصنع المؤثرات البصرية، فالطفل مُغطى بالتراب فهذا ليس سرياليًا أبدًا، ولا يمكن لأي شخص أن يدير ظهره عن تلك المأساة. ومن الجيد أن المُصورين لديهم مُحرري صور، فيجب أن يكون هناك توازن، فعندما نكون على الأرض يكون لدينا ميلٌ لإظهار الواقعية التي نعيش فيها. لن يصبح الأمر كما كان عليه في السابق بالنسبة للطفل عمران، فحالته ومنظره يتحدثّان عن الكثيرين الذين يعيشون في سوريا الآن. كان هناك شيئًا مُميزًا بخصوص صورة الطفل إيلان كردي – الذي انتشرت صورته بعد غرقه وقذفته الأمواج إلى تركيا – أنّه بعد انتشار الصورة تطوّع العديد من الأشخاص بالذهاب إلى سوريا، حيث شعر الناس بمسؤوليتهم وأنّه يجب عليهم تقديم المساعدة، ولكن في هذا الموقف لا يستطيع أحد فعل أي شيء، وهذا يُضاعف من قوّة هذه الصورة. تنتشر مثل هذه الصور على الإنترنت كثيرًا، ويشعر الجميع بأنّ هذا شيء فظيع ومُحزن، ولكن يستمرون في أعمالهم وحياتهم الطبيعية، فلا يوجد شيء آخر بإمكانك فعله. بولنت كيلك يعمل المُصور الحائز على جوائز صحفية بولنت كيلك، كمدير تصوير لصالح وكالة AFP الفرنسية في تركيا، وقبل ذلك نفّذ العديد من مهمات التصوير الخارجية في سوريا وأوكرانيا. يقول كيلك، كانت صورة هذا الطفل الجالس في عربة الإسعاف صعبة للغاية حتى عليّ أنا شخصيًا، وقد صوّرت العديد من الأطفال الذين قُتلوا في الحروب، ولكن تلك الصورة أثّرت فيّ كثيرًا. ويُتابع، لقد شاهدت مقطع الفيديو أيضًا، حيث كان الطفل الصغير يتلمّس وجهه وينظر إلى يديه، فهو حتى لا يعرف ما الذي أصابه، هذه الصورة رسالة كبيرة إلى العالم، ولكن هل تعتقد أنّ مثل تلك الصورة سوف تُوقف الحرب في سوريا. فتحت أوروبا أبوابها العام الماضي أمام السوريين، ولكن ما زالت الحرب مُستمرة حتى الآن، وأنا أهدف بصوري التي صوّرتها إلى التأثير على الحُكّام الذين بدأوا مثل هذه الحرب. أنا لا أعتقد أن هذا من الممكن أن يحدث، ولكن إذا حدث ذلك وأثّرت تلك الصور على الحُكّام فربما يكون هناك سبيلًا لوقف تلك الحرب، حينها سوف تكون تلك الصورة قد أدّت مفعولها. إيما بيلز إيما بيلز هي مُصورة بريطانية تعمل بنظام القطعة، مقيمة في جنوبتركيا على الحدود السورية، وقامت بتغطية الصراع السوري منذ 2012 وتُسافر غالبًا داخل الأراضي السورية لتقوم بتغطية الصراعات من الأرض. تقول إيما، أحيانًا ما لا يُكتب أو يُقال هو ما يجعل للصورة رجع صدى عند الناس جميعًا، فالفراغ الذي تتركه لديهم هو ما يجعلهم يستطيعوا التخيُّل والتعاطف مع تلك الصورة من وجهة نظرهم فبالنسبة للآباء، يُقارن الآباء بين هذا الطفل وبين أطفالهم. فتصرفاته التي ظهرت في مقطع الفيديو نستطيع أن نتعرف عليها، حيث يبدو من الفيديو أنّه مُشوّش قليلًا وفي صدمة واضحة، وحتى حركاته عندما مسح الدماء من على يديه، ويحجب شعره المنسدل على وجهه عينيه، فيما يغطي التي شيرت الخاص به الدماء والتراب. لا يجب على أي طفل أن يكون وحيدًا، خائفًا، مُضطرب، أو مُصاب هكذا، وأي صورة تُوضح معاناة الشعب السوري هي صورة مُفيدة، ولكنها ليست مسابقة في المعاناة. المشكلة الآن أنّ كل شخص يعبر عن قلقه لفترة قليلة ثم لا يحدث شيء بعد ذلك، ولقد رأينا مثل هذا من قبل. تستطيع الصورة أن تُظهر لنا الكثير، ولكن المعاناة التي تواجدت في سوريا لعدة سنوات الآن لا تستطيع تصويرها بصورة واحدة أو مُجرد مقطع فيديو، فأنت لا تستطيع وصف الجوع بكلمة واحدة، لا تستطيع وصف شناعة فقدان عائلتك بأكملها، أو أن تترك منزلك الذي عشت به سنواتٍ كاملة من أجل أن تعيش في خيمة صغيرة. صورة الطفل الصغير لا تصف بدقة الشعور بالعجز، أو بالخوف عندما تسمع صوت الطائرات تدور فوق رأسك أو صوت الانفجارات التي تنتج عن البراميل المتفجرة التي ترميها تلك الطائرات على الأرض حولك. لا تستطيع الصورة أن تصف بدقة الضغط الذي تعيش فيه كل يوم، والخراب الذي دمّر صحتك العقلية والجسدية. حجم وعمق المعاناة في سوريا لا تستطيع أن تتخيله وأنت تقف هناك بنفسك وتراه بعينيك، ولهذا بالتأكيد لا يُمكنك أن تتخيله عن طريق وسائل الإعلام، وإذا كان هذا ممكنًا فمن المؤكد أنّه كان سيتمّ عمل شيء لإنهاء الحرب الآن.