أشهد أنني من المعجبين جدًا بأداء الفنان القدير الأستاذ أسامة عباس، وأقر بأن ظهوره في أي عمل درامي يمنحه بريقًا خاصًا، وكلنا يذكر دوره المدهش في (بوابة الحلواني) حيث تقمص شخصية إسماعيل المفتش بأسلوب يكشف عمق ثقافته ومقدرته على فهم الطبيعة النفسية للرجل، ومع ذلك تعجبت من رؤيته لحكام مصر الثلاثة: عبد الناصر والسادات ومبارك، التي أعلنها مؤخرًا في حواره مع الإعلامي عمرو الليثي، ذلك أن هذه الرؤية تفتقد الحدود الدنيا التي نتكئ عليها في الحكم على الرؤساء. قال الأستاذ أسامة إنه كان يخاف من عبد الناصر نظرًا لحالة الاعتقال العشوائي التي كانت سائدة في زمنه كما زعم، وقصّ علينا حكاية زميل له تم القبض عليه لأنه سار في جنازة مصطفى النحاس في أغسطس 1965، ورغم (خيبة) هذا التصرف من قبل النظام، إلا أنه من المحال أن تختزل تجربة عبد الناصر من خلال هذا المشهد حتى لو كنا نرفضه، ونسي الأستاذ أسامة حجم الإنجازات التي حققها نظام يوليو من أول تحقيق الاستقلال، حتى التعليم المجاني وبناء المصانع ومحاولة تحقيق عدالة اجتماعية، ولن أذكره بالنهضة المسرحية المذهلة التي انطلقت في عهد عبد الناصر وكان الأستاذ أسامة نفسه واحدًا من الذين عرفوا الطريق إلى التمثيل في ذلك العهد. المثير أن الأستاذ أسامة قال إن السادات كان (فخر حياتنا)، ولم يقل لماذا؟ ويبدو لي أن الفنان القدير لم يعلم بعد أن سياسات السادات هي التي دمرت مصر وأعادتها إلى الوراء، كما أنها خربت الجهاز النفسي لملايين المصريين، وها هي جنازة كل من عبد الناصر والسادت تكشف كيف أحب الشعب الرئيس الأول لأنه عمل لمصلحته، فسار خلف تابوته بالملايين يبكي ويتوجع، بينما كره الشعب نفسه الرئيس الثاني فهجر نعشه يذهب إلى القبر وحيدًا، لأنه لم يهتم به ولم يعمل لصالحه! أما موقف الأستاذ أسامة من مبارك ونجله، فكان منطقيًا ويتوافق مع رأي الغالبية العظمى من الناس الذين ذاقوا الأمرين في زمن مبارك، وشعروا بالإهانة عندما اقتربت دراما التوريث من الاكتمال فحدث ما حدث واندلعت ثورة يناير، فأطاحت بالرئيس ووأدت فكرة التوريث إلى الأبد. ما قاله الأستاذ أسامة عباس بشأن الرؤساء الثلاثة يطرح أمامنا سؤالا بالغ الأهمية يتمثل في الآتي: ما هي المعايير التي يجب أن نستند إليها عندما نحكم على الرئيس؟ في اعتقادي أن ثمة ثلاثة معايير يتحتم الرجوع عليها عندما نقرر أن نطلق الأحكام على تجربة أي رئيس، وهي: مدى نجاحه في تحقيق العدالة الاجتماعية، من خلال انحيازه إلى الغالبية العظمى من الشعب، والمعيار الثاني يتجلى في قدرته على الحفاظ على الاستقلال السياسي للبلد، ثم نصل إلى المعيار الثالث والمتمثل في مشروعاته التي يدشنها للنهوض بالدولة حتى تواكب تطورات العصر الحديث ومتطلباته. إذا وافقتني على هذه المعايير، فإن السادات ومبارك أخفقا تماما في ذلك، فلا استقلال ولا عدالة ولا تطور، ويا أستاذ أسامة... دعك من السياسة... فالفن أجمل وأبقى.