مرّ نحو شهرين على القرار الوزاري الخاص بزيادة أسعار الأدوية الصادر في 16 مايو الماضي من أجل توفير نواقص الأدوية للمواطن البسيط، بحسب ما ذكر مجلس الوزراء والتي زادت أسعارها خلال الفترة الماضية بصورة كبيرة، في الوقت ذاته دخلت أدوية أخرى جديدة قائمة النواقص القديمة المختفية دون أدنى سبب، نتيجة حالة التضارب والعشوائية التي صاحبت القرار الوزاري وعدم تنفيذ القرار رقم 499 لسنة 2012 بشأن فرض التسعيرة الجبرية . تداعيات كبيرة صاحبت قرار مجلس الوزراء رقم 32 لسنة 2016 الصادر قبل شهرين من الآن بتحريك اسعار الأدوية بواقع جنيهان زيادة كحد أدنى على الأدوية رخيصة الثمن وبعد استغلال شركات الأدوية للقرار الوزاري تم وضع حد أقصى للزيادة بواقع 6 جنيهات على العبوة . 1700 نواقص أدوية يأتي ذلك في ظل ما تشهده البلاد من ظروف اقتصادية صعبة وحالة التضارب الشديدة التي صاحبت القرار الوزاري حتى الآن وصلت نواقص الأدوية اليوم إلى نحو 1700 صنف دواء مختفية من الصيدليات ومخازن الأدوية. البداية كانت قبل شهرين حين أعلن وزير الصحة والسكان الدكتور أحمد عماد الدين زيادة أسعار الأدوية التي يقل سعرها عن 30 جنيهًا إلى 20% من أجل توفير نواقص الأدوية التي تتعدى 4 آلاف صنف دواء من اجمالي 14 ألف دواء وهو ما لم يحدث حتى الآن، بل فوجئنا بدخول أصناف أخرى جديدة كانت متوفرة في الصيدليات إلى قوائم نواقص الأدوية بصورة غريبة دون ابداء أسباب منطقية لذلك. المحامي الحقوقي محمود فؤاد، مدير المركز المصري للحق في الدواء ذكر أن الحكومة المصرية سقطت في اختبار "تسعيرة الدواء" وهذه أول مرة تحدث في تاريخ مصر أن نجد أزمة كبيرة في نواقص الأدوية الحيوية في السوق المحلي . الزيادة تلتهم 70% من الأصناف الدوائية ومن جهته أوضح الدكتور أحمد السواح، رئيس مجلس إدارة جمعية الحق في الدواء أن القرار الوزاري الصادر بدون دراسة واضحة غير مفهوم حتى حدثت الزيادة بشكل عشوائي على ما يقرب من 70% من الدواء في مصر دون داع وارتفعت أسعار أدوية أخرى دون دخولها في قوائم الزيادة وتم التلاعب في أسعار الوحدات من قبل شركات توزيع الأدوية، خاصة أن القرار الوزاري لم يحدد ما إذا كانت الزيادة على سعر الشريط أو العلبة الكاملة، وهو ما استغلته بعض الشركات عبر هذه الزيادة لتطبقها على جميع الأدوية . وانعكس ذلك على المواطن المصري بصورة كبيرة حتى فقد الثقة في الحكومة المصرية التي لم تتمكن من وضع القائمة النهائية بالأسعار الجديدة بعد الزيادة بعد مرور نحو شهرين على صدور القرار الوزاري ولم تظهر النواقص في السوق حتى اليوم، بل ظهرت نواقص أخرى جديدة وما زالت تدرس ذلك حتى الآن . أرباح بالملايين لشركات الأدوية في ذلك التوقيت تدخلت الحكومة المصرية بإجراء تعديلات على القرار الوزاري الأول بوضع حد أقصى 6 جنيهات على سعر العبوة مع ضرورة الإلتزام بالتسعيرة الجديدة التي تجري الزيادة من خلالها على العبوة، وليس الشريط كما استغلته بعض شركات الأدوية وأصحاب سلاسل الصيدليات الكبرى لتحقيق مكاسب وأرباح خيالية بالملايين في غضون أيام قليلة . وأضاف السواح في تصريحات خاصة ل"التحرير" أنه كان لابد من عمل دراسة وافية تحدد للمواطن آليات رفع الأسعار والنواقص التي يتم توفيرها والأدوية الأخرى المختفية من الصيدليات والمخازن وشركات الأدوية للقضاء على الأزمة المفتعلة على حد قوله . فيما ذكر الدكتور كريم كرم، المتحدث الرسمي بإسم الشركة المصرية للأدوية أن الزيادة الجديدة لأسعار الأدوية كانت عشوائية وتسببت في فوضى كبيرة عقب صدوره وأثرت بشكل كبير على المواطن المصري الذي يبحث عن الدواء ولم يجده في الصيدليات، برغم زيادة أسعاره بأمر الوزارة والتي جاءت من أجل انقاذ شركات القطاع العام التي أوشكت على الإفلاس اليوم . وأعلن كرم أن الشركة المصرية للأدوية لم تستفيد من القرار الوزاري السابق سوى ب 18% فقط، حيث كانت الأسعار ترتفع في اليوم أكثر من 5 مرات بصورة متضاربة وتم تقسيم الأصناف الدوائية إلى أساسية، وهذه تمت زيادتها من 20 إلى 25% وأصناف أخرى غير أساسية والتي أعلنت الإدارة المركزية لشئون الصيدلة أنها تدخل ضمن الزيادة الجديدة . الشركات الإستثمارية.. المستفيد الأكبر تحديد هامش ربح الصيدلي كان له تداعيات أخرى بسبب القرار الوزاري الصادر وهو ما أدخل جموع الصيادلة في طريق ما وصفوه ب"القرار العشوائي" الصادر في الأساس من أجل حماية وانقاذ شركات الدواء الحكومية من شبح الإفلاس. وهو ما أكده الدكتور ياسر خاطر، عضو مجلس نقابة الصيادلة الذي أوضح أن القرار الوزاري السابق كانت شركات توزيع الدواء التابعة لقطاع الأعمال في أمس الحاجة إليه من أجل انقاذ صناعة الدواء المصري ومن ثم فإن قرار تحريك أسعار الأدوية كان هدفه الرئيسي الحفاظ على استمراية شركات قطاع الأعمال الخاسرة قبل افلاسها واحتكار شركات الدواء الأجنبية لسوق الدواء في مصر . وأوضح خاطر أن هناك فارقًا كبيرًا بين تحريك سعر الدواء وبين ضبط الأسعار، خاصة أن حجم استفادة شركات قطاع الأعمال لم يتجاوز 15% فقط منذ صدور القرار الوزاري وهذا يكذب ما قالته وزارة الصحة والسكان قبل شهرين في الوقت الذي حققت فيه شركات توزيع الدواء الإستثمارية نحو 85% من الأرباح التي تخرج خارج البلاد وحققت أرباحا بالملايين عبر "جرة قلم". وتسائل خاطر حول انعكاس ذلك القرار على توفير نواقص الأدوية وهل انعكست تلك الزيادة الجديدة على الإستثمارات في الدواء المصري، قائلا: للأسف احنا معندناش صناعة دواء حقيقية في مصر، احنا عندنا صناعة تغليف وتعبئة وبيع دواء". وأوضح خاطر أن الوزارة قبل اعلان قرار الزيادة الجديد لم تراع القواعد الدولية المعمول بها في مثل هذه الحالات بداية من تكلفة المادة الخام والتصنيع ومرورا بتحديد هامش ربح الصيدلي والشركة ووصولا إلى مراعاة متغيرات السوق وسعر الدولار، خاصة أن ثمة أدوية ناقصة كثيرة زادت بصورة طفيفة وأدوية أخرى كانت تستحق نزول أسعارها تم دخولها في الزيادة الجديدة. كارثة دخول المكملات الغذائية في الزيادة الجديدة كارثة أخرى أشار إليها عضو مجلس نقابة الصيادلة في تصريحات خاصة ل"التحرير"تخص المكملات الغذائية التي فوجئ الجميع قبل شهرين بدخولها ضمن التسعيرة الجديدة، رغم أنها تحقق أرباحا باهظة ومع ذلك تم اضافتها للقائمة الجديدة بالزيادة، فضلا عن عدم تنفيذ القرار الوزاري الأخر رقم 499 لسنة 2012 والذي حدد آلية زيادة الأأسعار وسحب الأدوية. "الإكسباير".. عرض متكرر هناك أزمة أخرى لا تقل أهمية عن كارثة المكملات الغذائية التي لم يلتفت إليها القرار الوزاري عبر "التسعيرة الجديدة" وهي أزمة أدوية ب 800 مليون جنيه منتهية الصلاحية "اكسباير" المكدسة بالمخازن والصيدليات والشركات ولم يتم سحبها حتى الآن من قبل الإدارة المركزية لشئون الصيدلة، ومن ثم تكون عرضة لإعادة تدويرها في السوق المحلي، بما يؤثر على سمعة الدواء المصري ويجعل أسعار تصديره في "النازل" في ظل غياب قرارات الإدارة المركزية لشئون الصيدلة التي لم تلتفت إلى خطورة تلك المرتجعات على الصحة العامة في مصر ووضع حد ل"الإكسباير" المنتهي الصلاحية . في النهاية لم يتبق هناك غير شهر واحد فقط على المهلة الأخيرة التي حددها الدكتور أحمد عماد الدين، وزير الصحة والسكان أمام شركات الأدوية والصيدليات من أجل توفير نواقص الأدوية أمام المواطن البسيط وإن لم يحدث ذلك سوف تتراجع "الصحة" عن القرار الوزاري الخاص بزيادة أسعار الأدوية رخيصة الثمن بصورة نهائية . البرلمان يواجه الوزير ب"عشوائية التسعيرة" وعلى صعيد برلماني أكد الدكتور أيمن أبو العلا، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب أنه سوف يتقدم بطلب إحاطة عاجل خلال الأسبوع المقبل إلى وزير الصحة، حول أزمتي "المحاليل الطبية" و"تسعيرة الدواء" التي ضربت السوق المحلي خلال الأسابيع الماضية، مشيرًا إلى أنه سيواجه الوزير بالأزمة خلال اجتماع اللجنة يوم الأحد المقبل بحضور وزير الصحة . وأوضح أبو العلا أن الأزمة في النهاية تأتي على رأس المواطن البسيط "الغلبان"، متهمًا شركات توزيع الأدوية بالسعي لربح يصل ل1000% في أيام قليلة نتيجة عشوائية القرار وسوء دراسته قبل صدوره .