فى لقاء حضره رئيس الوزراء شريف إسماعيل وعدد كبير من الوزراء على رأسهم وزراء الدفاع والداخلية فضلا طبعا عن وزير الشباب، جاء لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسى وكلمته لشباب برنامج التأهيل الرئاسى، لتكشف عن ثلاث رسائل رئيسية أراد الرئيس أن يوجهها خلال اللقاء. الرسالة الأولى من الرئيس جاءت من خلال اعتباره لحوالي 500 شاب ممن يحضرون الدورة الأولى الجارية لبرنامج التأهيل الرئاسى التى تنتهى فى نوفمبر المقبل، هم تمثيل للشباب المصرى، الذى يعبر عن هوى السلطة ورؤيتها، فهو الشباب الذى يجرى تأهيله من خلال البرنامج الحالى، لا ليتحصلوا على معلومات ولا علوم نظرية وأكاديمية ولا بعض المهارات التى تؤهلهم للأدوار القيادية المرسومة لهم، سواء فى الرئاسة أو الحكومة أو البرلمان كما سبق أن أعلن الرئيس بنفسه من قبل، بل وهو الأهم والجوهرى فى الأمر أنهم يجرى إعدادهم ليصبح لديهم فهم مطابق لرؤية السلطة ووجهة نظرها بخصوص الأوضاع فى مصر والتحديات التى تواجهها، وهو ما أشار إليه السيسى فى بداية كلمته ضمنًا عندما قال بوضوح إن فكرة برنامج التأهيل الرئاسى هى أن نرى جميعا مصر بشكل (مناسب) وأن هذا كفيل بأن يصبح فهمنا وإدراكنا للأمور بشكل يقلل الاختلافات فيما بيننا، وهو ما يعنى عمليا أن برنامج التأهيل الرئاسى كما سبق أن توقعنا وحذرنا لا يكتفى بتقديم العلم والمعلومات للشباب المنضمين إليه، وإنما يسعى لبلورة وتبنى رؤية سابقة التجهيز والإعداد تعبر عن رؤية السلطة ووجهة نظرها وأن يتشربها هؤلاء الشباب، بحيث يكونون تعبيرًا عن نفس وجهة النظر والرؤية، وبالتالى يصبحون تلقائيا ذراعا شبابية للسلطة.. خطورة الأمر هنا، لا تقتصر على هذا المنهج فى إدارة الأمر، وإنما هى تمتد لأن يعتبر الرئيس هؤلاء وحدهم أو من هم مثلهم، مع كل التقدير والاحترام لشخوصهم، هم التعبير الصحيح والوحيد عن الأجيال الشابة فى مصر، وهو ما يبدو متسقا مع حديث سابق للرئيس أيضا حول الشباب، الذين يفرق بينهم بحسب من يحب مصر ومن يسعى لتدميرها، دون أن يحدد لنا رؤيته هو لكيفية التفريق بين كليهما، خاصة فى ظل ما يجرى فى الواقع من ملاحقات أمنية وتلفيق اتهامات تودى ببعض الشباب فى النهاية إلى السجون رغم أنهم لا تهمة لهم سوى اختلافهم ومعارضتهم للسلطة الحالية! الرسالة الثانية التى حرص السيسي على تأكيدها خلال كلمته هى ما قال إنه لا يوجهها للحضور وإنما للشباب عموما من خلالهم، وهى التى تتعلق بدعوته ألا يسمح الشباب لأحد بالتدخل بينهم وبين بلدهم، وهى دعوة عجيبة وغير مفهومة فى الحقيقة، فلم يحدد الرئيس ما هو مفهوم (البلد) الذى يقصده، هل هى السلطة فى وجهة نظره، أم المجتمع، أم الدولة بمفهومها الأشمل؟ وما هى أوجه هذا التدخل التى يراها الرئيس، والتى تحمل ضمنا اتهاما ولو لم يذكر مباشرة لبعض الشباب بأنهم أداة لتدخل أطراف خارجية فى شئون بلادهم؟ السيسي أكمل في هذا الجزء بشيء أكثر عجبًا وإثارة للدهشة وهو نفيه القاطع وإنكاره الكامل لأن يكون هناك اختلافات بين الشباب المصرى، أو بينهم وبين الكبار، مشيرًا إلى أن (الكلام ده مش عندنا) وكأن مصر دونًا عن غيرها من المجتمعات لا تشهد اختلافا طبيعيا وتقليديا ومعتادا بين الأجيال وبعضها، أو كأنه يجرى لأول مرة سواء فى مصر نفسها التى شهدت مثل ذلك الاختلاف مرارًا عبر عقود تاريخها المتتالية، أو كأن مصر تختلف عن باقى المجتمعات البشرية فى العالم كله.. ثم إنه وفى هذه الحقبة تحديدا من تاريخ مصر، وبالذات بعد ثورتين قفزت فيها أحلام وطموحات الأجيال الجديدة بالذات إلى قمتها، وما صاحبها وتزامن معها من تطورات وتغيرات اجتماعية وفكرية وتكنولوجية وثقافية وغيرها، وهو كله مما أسهم فى تزايد فروق التفكير والطموح والتطلعات وغيرها وما أدى بشكل واضح لتزايد الفجوة الجيلية بين الأجيال الجديدة التى تفتح وعيها العام على ثورتي يناير ويونيو، وبين الأجيال الأكبر سنا.. وطبعًا لا يمكن هنا التعميم فى هذه الاختلافات بالمنطق الجيلي وحده، لكنها موجودة وقائمة دون شك، ومحاولة إنكارها أو القفز عليها تبدو نوعا من القفز على حقائق وظواهر مجتمعية وتاريخية، كما أن تصوير الأمر باعتبار أن كل اختلاف هو بالضرورة يفرق ويضعف، هو نوع من الاستمرار فى التعبير عن رؤية للرئيس يثبت يوما بعد الآخر عدم صحتها، بل وفشل التعامل على أساسها. الرسالة الثالثة والأكثر إجرائية ومن هنا تأتي أهميتها، هى إعلان الرئيس عن لقائه مع شباب مصر خلال شهر سبتمبر المقبل فى شرم الشيخ، فى مؤتمر ختامى يستعرض توصيات الحوار الذى تديره منذ شهور وزارة الشباب مع قطاعات من الشباب، دون أن نعرف ما المعايير أو الأسس التى تم اختيارها على أساسها، ودون التفات إلى أن كثيرًا من الشباب وبالذات من المنتمين لأحزاب وقوى سياسية فضلا عن غيرهم ممن شاركوا فى بعض الجلسات الأولى لهذا الحوار سرعان ما انقطعوا عنها بسبب ما بدا فيها من غياب لكثير من القضايا الحيوية وكونه حوارا شكليا بأكثر منه يعبر عن نيات جادة ومضمون حقيقي ليصبح حوارا وطنيا جامعا يشمل شباب مصر وممثلين عنهم دون تفرقة أو تمييز وبالمراعاة لتعدده وتنوعه وتبايناته، وليس كما يظن الرئيس أنه لا اختلافات بينه، كما أن جانبا مهما من مشكلات هذا الحوار الجارى يبدو فى كونه يركز ويكثف أهدافه وأغراضه فى قضية انتخابات المحليات المقبلة، التى يفترض دستوريا أن يمثل الشباب نسبة ربع مقاعدها على الأقل، وهى رغم أهميتها فإنها لا يمكن أن تكون وحدها النقطة الرئيسية والأساسية على جدول أعمال حوار أعم وأشمل.. وفى ظل هذا كله، فإن إشارة السيسي في كلمته لاعتباره أن لقاءه المرتقب مع شباب مصر فى سبتمبر المقبل سيكون تتويجا لحوار جاد وحقيقي وطويل عبر شهور، وأنه يمثل نقلة فى علاقة السلطة بالشباب، يبدو للأسف رهانا خاطئا، فلا شباب مصر بتنوعهم وتعددهم فعليا ممثلون بشكل جاد خلال هذا الحوار، ولا قضاياهم المتعددة والمختلفة مطروحة بشكل حقيقي، وهما شرطان كفيلان وحدهما بأن نتوقع أن مؤتمر شرم الشيخ الذي يراه الرئيس تتويجا لعام الشباب، لن يكون سوى تعبير صادق ومتسق تماما مع منهج السلطة الأعم والأشمل فى التعامل مع الشباب خلال هذا العام، الذى ربما يكون الأسوأ لكثير من قطاعاتهم على تنوعها سياسيا واجتماعيا، رغم كل المظاهر التى تحاول السلطة من خلالها أن تخلق ظهيرا شبابيا لها، يمثل لها حلا لأزمتها الواضحة مع الأجيال الجديدة، بحيث يتشرب تصوراتها ورؤيتها من خلال برنامج التأهيل الرئاسى، فتتولى عناصره المواقع القيادية فى الرئاسة والحكومة والبرلمان، فيجرى استدعاؤها للحوارات الشكلية ولتؤدى دور الظهير الشبابى للسلطة عند الاحتياج، وأخيرًا تقسم جيل الشباب نفسه كما تقسم المجتمع كله إلى شباب من أهل الخير وغيرهم من أهل الشر، دون معيار واحد حقيقي سوى مدى الولاء والطاعة والتأييد للسلطة، بينما المعارضون والمختلفون يكون مكانهم السجون، أو الاستسلام للإحباط، أو الهجرة خارج البلاد، أو حتى تطرف بعضهم! ما يجرى للأسف الشديد، فى ملف الشباب تحديدا، يبدو من خلاله مجددا، بوضوح وجلاء أن أحدًا لم يستفد من تجربة محاولة تصدير جمال مبارك فى عهد حكم أبيه باعتباره تمثيلا للأجيال الجديدة والشابة، فجاء الرد فى ميادين مصر وشوارعها فى ثورة يناير التى كان قلبها الحى والنابض قطاعاتُ الشباب الذين حاولوا ادعاء أن الوريث هو المعبر عنها، ومع ذلك فلا تزال محاولات تقديم الشباب من خلال أطر معلبة وسابقة التجهيز قائمة ومتواصلة، واستخدام ذلك دلالة على شعارات تمكين الشباب التى لا يبدو أن السلطة لديها تصور حقيقى لها ولا نية جادة للاقتراب منها. وربما، فى مواجهة ذلك كله، تحتاج الأجيال الشابة وبالذات قطاعاتها المسيسة، إلى مبادرة مختلفة فى مواجهة هذه المحاولات المعلبة، قد يكون أول خطوة باتجاهها هو تنظيم مؤتمر مواز فى سبتمبر المقبل، يشارك فيه ممثلون عن قطاعات متنوعة سياسيا واجتماعيا وجغرافيا ومهنيا وعمريا من الأجيال الجديدة، ويطرح أجندة حوار وعمل شاملة وجادة ولو كخطوة أولى، لا تقتصر فقط على ما هو سياسى على أهميته، بل تمتد لمحاولة بلورة قيادة جماعية شابة جديدة، لا كبديل عما تطرحه الرئاسة، بل كاحتياج حقيقى لملء فراغ حقيقى فى الساحة الوطنية والمجتمعية.. وربما تكون تلك مجرد مقدمة وبداية لمهام أخرى أكثر إلحاحا واحتياجا.