100 ألف إصابة سنوية بفيرس سي بسبب عدوى النفايات بالمستشفيات المصرية وكيل أول وزارة البيئة: 80% من محارق المستشفيات غير مطابقة للمواصفات البيئية أكثر من 35 ألف طن نفايات تصدر عن المنشآت الصحية في مصر سنويًا 200 محرقة نفايات موزعة على المحافظات المصرية لخدمة 15 آلف منشآة صحية قانون البيئة يُجرِّم نقل المخلفات الخطرة خارج ساحات المستشفيات لمنع تسريبها إلى سماسرة النفايات مساعد وزير الصحة: التخلص من النفايات يتم عبر الحرق والتعقيم يحمل بين يديه أكياسًا بلاستيكية حمراء بها قفازات بيضاء ملوثة بالدماء و"حقن" و"سرنجات" وأجهزة طبية تخص مرضى الغسيل الكلوي ومرضى الفيروسات الكبدية وأجهزة أخرى تخص أطفال الحضانات ومرضى القلب وعبوات ثالثة مضغوطة وفوط صحية ملوثة بالدم أو الإفرازات، ومتبقيات أمصال ولقاحات ومشارط جراحية من بقايا العمليات الجراحية التي تُجرى يوميًا في غرف الرعاية الصحية، بين حين وآخر يتابع عامل النظافة الأربعيني أحمد أمين عبد العزيز عملية جمع تلك النفايات الطبية الخطرة من كافة أقسام مستشفى "حميات المحلة"، المختلفة بصورة يومية. ينقلها وزملاؤه الثلاثين الآخرين إلى غرفة التخزين الخاصة بها، الواقعة على أطراف المستشفى والتي تتكدس بها أكوامًا من الأكياس الحمراء"الخاصة بالنفايات الطبية" التي تفوح منها الروائح العطنة بعد أمتار كثيرة. الموت المُتسلل من الإهمال قبل سبعة شهور بدأ العامل الأربعيني أحمد أمين العمل داخل عنابر المستشفى الواقعة في منطقة "الشعبية" عند مدخل مدينة المحلة الكبرى ليجمع بيديه كل ما على أرضية المستشفى من قمامة ونفايات خطرة وإبر ومحاقن وشفرات حادة وأجهزة تحاليل خاصة بالمرضى وعبوات أدوية فارغة، ومعدات طبية مستعملة، يتعامل معها بيديه بشكل مباشر دون قفازات أو عازل طبي واقٍ أو حقن وأمصال سنوية أو ملابس مجهزة بأدوات السلامة المهنية تحميه من انتقال العدوى إليه بصورة أو بأخرى، حسب توصيات منظمة الصحة العالمية. الوضع ذاته ينطبق على كافة زملائه العاملين معه بالمستشفى ممن يعملون أكثر من 12 ساعة يوميًا مقابل 700 جنيه تُعطى لهم عند نهاية كل شهر ولا تمنحهم إدارة المستشفى الأمصال الوقائية اللازمة لهم ضد الإنفلونزا الموسمية والالتهاب السحائي أو إجراء التحاليل الدورية والتطعيمات المحصنة لهم لمكافحة العدوى ووقايتهم من انتقال الأمراض إليهم طوال ساعات عملهم وترددهم على الأقسام نتيجة تعاملهم المباشر مع تلك النفايات الصلبة الخطرة. بعد شهور قليلة من عمله داخل جدران المستشفى وتعامله المباشر مع تلك النفايات، بدأت تظهر عليه أعراض مفاجئة، حيث شعر العامل الأربعيني بفقدان الشهية في الأكل والشرب، وانتفخت بطنه بصورة مقلقة دون مبررات وبدأ يشعر بوخز وألم شديد في جنبه الأيسر يتكرر معه ليل نهار مع تورم خفيف في وجهه لدرجة تفقده القدرة على الحركة كما كان يفعل من قبل إلى أن فقد القدرة على الحركة. بوجه شاحب وجسد نحيل وملامح غاضبة كان يحمل أحمد أمين صور الأشعة والتحاليل والفحوصات الطبية الخاصة به والتي طلبها منه أحد الأطباء المقربين منه بالمستشفى وفوجئ بنسبة دهون عالية على الكبد وأخبره الطبيب بإصابته بفيروس سي رغم أنه حتى الآن لم يتمكن من إجراء تحليل "بي سي آر" لفيرس سي لاختبار وجود الفيرس في الدم قبل تحديد العلاج اللازم نتيجة عدم امتلاكه 350 جنيهًا ثمن إجراء التحاليل والتي يُفضِل أن يدفعها عند بداية كل شهر لإيجار شقته الصغيرة التي يقيم بها مع زوجته وولديه الصغيرين. حال باقي العاملين بالمستشفى من عمال النظافة والممرضات لا يقل سوءًا عن عامل النظافة أحمد أمين الذي اكتشف إصابته المتأخرة بالالتهاب الكبدي الوبائي ولم تُسعفه إدارة المستشفى أو تجري له التحاليل والفحوصات اللازمة، بحسب تصريحات إدارة المستشفى وتوصيات وزارة الصحة بإجراء ذلك بشكل دوري على جموع العاملين، فضلًا عن توفير العلاج والحقن المناسبة لهم ممن يحاربون يوميًا من أجل لقمة العيش ويتحملون الإصابات والعدوى في سبيل 700 أو 800 جنيه شهريًا. الدكتور طلعت عاشور، مدير المستشفى أوضح أنهم يجرون الفحوصات الطبية اللازمة والتحاليل الدورية على جميع الممرضات وعمال النظافة لوقايتهم من انتقال العدوى، مضيفًا: “مفيش فرصة واحد في الألف إن النفايات دي تتسرب بره المستشفى لأنها بتوضع في كيس أحمر محكم الغلق ومسلسل برقم وتُسلم للعربات التابعة لإدارة النفايات الخطرة بمديرية الصحة بوزن لتسليمها إلى القائم على المحرقة المركزية بالرقم والوزن ذاته". ومن جانبها، تقول إحدى الممرضات العاملات داخل قسم الغسيل الكلوي بالمستشفى العام، إن طبيبة مختصة مقربة منها أعطتها حقنة مضادة للعدوى مرة واحدة منذ التحاقها للعمل داخل المستشفى قبل عام، وهي تنصحها بأن لا تخبر زميلاتها اللاتي لم يحصلن على تطعيم وقائي طوال مدة عملهم، وسط غضب عام في صفوف طاقم التمريض وعمال النظافة الذين لا تتوفر لهم الأمصال السنوية ضد العدوى، ممن لا يزيد بدل عملهم نظير النوبتجية عن 5 جنيهات، فضلا عن تدني بدل العدوى للأطباء الذي لا يزيد عن 18 جنيهًا رغم حكم القضاء الإداري التاريخي بزيادته إلى 1000 جنيه شهريًا إلا أنه لم يُطبق حتى الآن من قبل وزارة الصحة والسكان. 100 ألف إصابة جديدة سنوية بفيرس سي كل ذلك ساهم بصورة كبيرة في تجاوز نسبة الإصابات الجديدة بالتهاب الكبد الوبائي "فيرس سي" في مصر 100 ألف حالة سنويًا، بحسب الإحصاءات الصادرة عن مركز بحوث الدكتور مصطفى كمال بجامعة عين شمس وذلك نتيجة إهمال القائمين على الصحة في مصر للعنصر البشري وغياب نشر ثقافة الوعي الصحي بين العاملين بالمستشفيات والعيادات الطبية ونقص الممرضات التي وصلت نسبة عجز التمريض داخل المنشآت الصحية المصرية إلى 66% نتيجة ما أرجعه الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الحق في الصحة إلى هيكل الأجور والمرتبات الطارد للعمالة وتزايد أعداد الوحدات الصحية التي لا تحتوي على أجهزة تعقيم في ظل نظام طبي منها ساهم في نهاية الأمر إلى اعتبار 90% من الممرضات المصريات غير معترف بهن دوليًا. محارق النفايات بالمستشفيات.. التعايش مع الموت على أطراف المستشفى توجد بناية مكشوفة بجوار غرف المخلفات الطبية الخطرة لا تزيد مساحتها عن ثلاثة أمتار في خمسة أمتار وتحوي مدخنة ومعدات وفرن حراري لحرق النفايات الطبية الخطرة تحت درجة حرارة عالية تبلغ 1000 درجة مئوية. وتقع في وسط الكتلة السكنية وتتصاعد منها ألسنة اللهيب وتنبعث منها روائح الدخان الكثيفة حين حرقها، مما أصاب الأطفال بالتهابات الرئة وازدادت نسب الإصابة بالحساسية وأمراض الصدر بين الأهالي بحسب التقارير الطبية الصادرة عن مديرية الصحة بالغربية. الأمر الذي دفع الأهالي المجاورين للمستشفى، للانتفاضة ضد إدارة المستشفى وتقديم التلغرافات والبلاغات والشكاوى العديدة إلى مؤسسة الرئاسة والنائب العام ووزارتي الصحة والبيئة، لإيقاف محرقة النفايات داخل الحيز السكني لانبعاث روائح الغازات الخانقة والسامة منها وتهديدها صحة المواطنين، ونقلها إلى مجمع محارق طنطا المركزي. على بعد خطوات من "حميات المحلة" توجد مستشفى الكبد الجديدة الملحق بها عند مدخل البوابة الرئيسية محرقة حديثة مزودة بالأجهزة الخاصة بالمعالجة والحرق والمدخنة التي رفضت وزارة البيئة تشغيلها لمخالفتها المواصفات القياسية المطلوبة لتحقيق السلامة المهنية ونظرًا للمخاطر الصحية والبيئية التي تنجم عن تشغيلها دون مراعاة الضوابط والاشتراطات الخاصة بالمحارق وحدود انبعاثاتها المسموح بها، فضلًا عن المعالجة الكيميائية للغازات المتصاعدة والتي تغطي سماء المدينة. عربة النفايات التابعة لوزارة الصحة والسكان لم تحضر إلى المستشفى لحمل نفايات مرضى الغسيل الكلوي والفيروسات الكبدية لثلاثة أيام متتالية، الأمر الذي أدى إلى تراكم تلك الأكياس الحمراء بين جنبات المستشفى وتكاثرها داخل غرفة جانبية بباب وشباك خارجي مُطل على الشارع الرئيسي وصارت تؤذي الأهالي القاطنين بالجوار برائحتها العطنة الكريهة بمخلفات تلك النفايات الطبية الملوثة. وحذر مختصون في شئون البيئة والصحة من خطورة تلك المخلفات على صحة الإنسان والبيئة أثناء عمليات إنتاجها أو جمعها أو تداولها أو تخزينها أو نقلها للتخلص منها، بالإضافة إلى مخاطرها الجسيمة التي تصاحبها حتى بعد التخلص منها عبر طرق تقليدية ومحارق مفتوحة تعرضها للرياح والحيوانات والحشرات والذباب الذي يجد ملاذًا آمنًا في هذه الأماكن التي تعد من أكبر ناقلات الأمراض الوبائية. أحد أهم شروط الموافقة على إقامة محرقة نفايات طبية، بحسب عطوة حسين، رئيس الإدارة المركزية للصناعة والطاقة بوزارة البيئة أن لا تكون في داخل مستشفى أو منطقة سكنية وأن يتم جمع النفايات الطبية الخطرة في حاويات وصناديق مخصصة لهذا الغرض لمعالجتها كيميائيًا وأن يُجرى التعقيم والحرق لكل نوع من النفايات بدرجة حرق معينة وأن يُجمع ناتج الاحتراق "الرماد" في حاويات أخرى مخصصة لذلك حتى لا يتم تسريبها من قبل سماسرة النفايات، ويتم التخلص منها في المدافن الصحية الآمنة المخصصة لذلك، نظرًا لما لها من تأثيرات خطيرة على الصحة والبيئة تؤدي حينًا إلى الإصابة بالسرطان ونشر الفيروسات في الهواء. وأكد عطوة في تصريحات خاصة ل"التحرير" أن 80% من المحارق الموجودة بالمستشفيات الحكومية غير مطابقة للمواصفات القياسية البيئية، مضيفًا أن أي منشآة صحية لا يُمنح لها الترخيص إلا بعد الحصول على ترخيص منشآت طبية بمعنى تعاقدها مع إحدى شركات نقل النفايات وتجميعها وحرقها بعد التنسيق مع وزارة الصحة وإدارة العلاج الحر. نقل النفايات خارج المستشفيات محظور قانونًا في مصر أكثر من 200 محرقة ومجمعات محارق بمختلف المحافظات المصرية تتلقى النفايات الطبية من المستشفيات المركزية ووحداتها الصحية، وقانون البيئة رقم 4 لسنة 94 وتعديلاته عام 2009 ينص حق المواطن المصري في التمتع بوجود بيئة نظيفة وضرورة التخلص من تلك النفايات الطبية الخطرة بالمحارق أو في وحدات التعقيم داخل المستشفيات ويُجرِم نقلها خارج أسوار المنشآت الصحية ومن يخالف ذلك يعرض نفسه للمسائلة القانونية. وتتراوح عقوبة مخالفة الاشتراطات والمواصفات البيئية والصحية وتسريب تلك المخلفات الخطرة بين السجن خمس سنوات والغرامة المالية التي تتجاوز 40 ألف جنيه. وحول معدل النفايات الطبية التي تنتج عن مرضى الغسيل الكلوي وحدهم يقول الدكتور عمرو قنديل، مساعد وزير الصحة لشئون الطب الوقائي إن هناك نحو 46 طن مخلفات طبية صادرة عن مرضى الكلى بصورة شهرية، بمعدل كيلو و800 جرام لكل سرير يوميًا و12 كيلو جرام لكل مريض. وعن إجمالي النفايات الخطرة الصادرة عن المنشآت الطبية التابعة للقطاعين الحكومي والخاص أوضح قنديل أنها تزيد عن 35 ألف طن سنويًا تحتاج إلى نحو 500 محرقة نفايات طبية مطابقة للمواصفات القياسية والبيئية بدلا من 200 محرقة حالية. وطالب مساعد وزير الصحة للطب الوقائي كافة مديري المستشفيات بإعطاء الممرضات وعمال النظافة الأمصال الوقائية اللازمة لعدم نقل العدوى من المرضى إليهم عبر الحقن والسرنجات والشفرات الحادة الملوثة، مضيفًا أن هناك طريقتين للقضاء على تلك النفايات الطبية، أولها الحرق داخل محارق معدة لذلك وترميدها والطريقة الثانية تتلخص في التعقيم والتقطيع إلى وحدات للتخلص من الخصائص الخطرة. 40 % من العاملين بالمستشفيات يصابون بفيرس سي و5 % بالإيدز وطبقًا لأرقام وتقديرات منظمة الصحة العالمية، فإن خطورة تلك النفايات تكمن في تسببها في إصابة العاملين بالمستشفيات والمراكز الطبية التي لا تراعي الاشتراطات الصحية اللازمة بواقع 32% من الإصابات بفيروس B و40% بفيروس C و5% بالإيدز حول العالم. وتقول المنظمة إنه كل عام يتم إعطاء نحو 16 مليار حقنة لا يجري التخلص منها بالطرق الصحية السليمة بعد استخدامها ومصر وحدها لديها 5200 وحدة صحية و570 عيادة متنقلة و517 مستشفى عاما ومركزيا و1000 سيارة إسعاف ينتج عنهم جميعًا كميات هائلة من المخلفات الخطرة التي تصيب العاملين بالأوبئة من جراء التعامل المباشر معها داخل المنشآت الصحية دون وسائل حماية وسلامة مهنية.