في الوقت الذي تجرى فيه عسكرة البحر الأبيض المتوسط من قبل الولاياتالمتحدةوروسيا وحلف الناتو، وتتسع المنافسة بين هذه الأطراف، إضافة إلى الأطراف المطلة أصلًا على هذا البحر، انتقل الصراع بحدة إلى البحر الأسود الذي يمثل الخاصرة البحرية الجنوبية لروسيا من جهة، ويمثل أيضًا مساحة نفوذ بحرية لثلاث من دول أعضاء في حلف الناتو وهي رومانياوتركيا وبلغاريا، إضافة إلى أوكرانيا التي تشكل موضع خلاف حاد ين روسيا والغرب. في هذا الصدد تحديدًا، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن الوجود الدائم لحلف الناتو في البحر الأسود سيهز الاستقرار وسيلحق ضررا بأمن المنطقة. وحذرت موسكو من أنه في حال اتخاذ خطوات معينة بشأن تشكيل تكتل دائم لحلف الناتو في البحر الأسود، فإن ذلك لن يساعد على تحسين العلاقات بين الطرفين. وقال مدير قسم التعاون الأوروبي التابع للخارجية الروسية أندريه كيلين إنه "في حال اتخاذ قرار حول إنشاء تشكيل دائم للناتو في منطقة البحر الأسود فإن ذلك لن يحسن علاقات روسيا بالحلف". غير أن كيلين استدرك، مشيرًا إلى أن هناك حرية كاملة للملاحة في البحر الأسود الذي لا يعتبر مجالًا بحريًّا للناتو. وأوضح الدبلوماسي الروسي أن "ذلك سيكون ظاهرة جديدة تمامًا بالنسبة للبحر الأسود الذي سيؤدى بالطبع إلى حدوث خلل خطير في التوازن وإلحاق ضرر بالأمن. وحتى الآن لم يكن هناك مثل هذا التشكيل، وكانت سفن حربية لدول من خارج المنطقة، خاصة الولاياتالمتحدة، تدخل حوض البحر من حين لآخر". وأكدت السلطات الروسية أنها ستتخذ خطوات للرد على ازدياد عدد السفن الحربية التابعة للناتو في البحر الأسود والتي يقول الحلف إنها تشارك في مناوراته البحرية هناك. وردا على تحركات الناتو في البحر الأسود، قد تقوم روسيا بتنظيم مناوراتها البحرية مع استخدام القوات الجوية والبرية ليكون ذلك بمثابة الرد على وجود سفن الناتو في البحر الأسود، وقد تشارك في المناورات دول صديقة لروسيا فى إطار منظمة معاهدة الأمن الجماعى. وإذا كان عضو لجنة الدفاع بمجلس الدوما الروسي أندريه كراسوف قد أكد أن وزارة الدفاع الروسية ستبذل كل الجهود لضمان أمن البلاد في منطقة البحر الأسود، أوضح ممثل روسيا الدائم لدى حلف شمال الأطلسي ألكسندر جروشكو أن روسيا تبذل ما بوسعها لمنع تحوّل البحر الأسود إلى "بحيرة تابعة للناتو"، مشيرًا إلى أن الناتو يفهم جيدًا أن البحر الأسود لن يصير بحيرة خاصة به، وأننا سنتخذ الإجراءات الكفيلة بإبطال مفعول التهديدات المحتملة ومحاولات الضغط على روسيا على المحور الجنوبي. وكانت المدمرة الأمريكية "Porter" دخلت إلى البحر الأسود في ٦ يونيو الحالي لدعم الأمن خلال مناوراتAtlantic Resolve، ومن المقرر ستزور خلال وجودها في البحر الأسود موانئ عدة دول من أعضاء الحلف التي تطل على هذا البحر، وهي تركيا وبلغاريا ورومانيا التي كانت قد طالبت في أبريل الماضي بتوسيع التواجد للحلف في البحر الأسود في إطار استراتيجية أوسع لردع روسيا. وقال نائب الأمين العام للناتو (سفير الولاياتالمتحدة الأسبق في روسيا) ألكسندر فيرشبو إن بعض الحلفاء المطلين على البحر الأسود يجرون مناقشات عن تكامل أكثر لقواتهم وعملياتهم البحرية، ذاكرًا الدول الثلاث، مؤكدًا أن الحلف بحاجة إلى النظر في وجود عسكري أكثر استمرارًا في المنطقة. مندوب روسيا الدائم لدى حلف الناتو ألكسندر جروشكو لخص الموقف الروسي بشأن عسكرة البحر الأسود بقوله "سنتابع باهتمام النشاط العسكري للناتو في هذه المنطقة، بما في ذلك الانضمام المحتمل لأوكرانيا وغيرها من الدول إليه، ومن الواضح أن ذلك لن يبقى دون رد فعل من قبلنا، وذلك بهدف ضمان الأمن على الحدود الجنوبية لروسيا". من جهة أخرى، يجري الناتو مناورات ضخمة في بحر البلطيق، بل واتخذ وزراء دفاع الحلف قرارات جديدة حول تعزيز وجود الحلف في دول البلطيق وبولندا، وذلك بنشر ٤ كتائب بالتناوب للحلف في كل من إستونيا وبولندا ولاتفيا وليتوانيا. الأمر الذي دفع جروشكو إلى التصريح بأن "الناتو بهذه الإجراءات الذي اتخذها يؤكد على نهجه الثابت. فهم في الحلف يفهمون أن هذه الإجراءات لا يمكن أن تبقى من دون رد من جانبنا، لأنها تمس بشكل مباشر مصالحنا الأمنية الشرعية، ويدركون أيضًا أنه بالنسبة إلينا من الناحية العسكرية، لا يوجد أي فرق بين التناوب الدائم أو النشر الدائم للقوات، الأمر الذي تحظره الوثيقة الأساسية بين الناتو وروسيا". واعتبر جروشكو نشر ٤ كتائب أطلسية في ٤ دول من دول الحلف تقع على حدود روسيا، إجراءات تعمل على تدهور وضع الأمن الإقليمي، وستحول وسط وشرق أوروبا إلى ساحة مواجهة عسكرية. وحذَّر من أن "ذلك لا يلبي المصالح الأساسية لدول شرق أوروبا بالذات، وعاجلا أم آجلا سيفهمون بأنه بإعلان أنفسهم دولاً واقعة على خط النار سيكون عليهم تذوق ثمار صفتهم كدول مواجهة".