ربما تعد رواية «أفراح القبة» للأديب الكبير نجيب محفوظ، أقل أعماله انتشارا وشهرة، تلك التي كتبها عام 1981، مجسدا الأوضاع بعد هزيمة 67، من خلال 4 فصول على لسان 4 شخصيات رئيسية، وهم طارق رمضان، كرم يونس، حليمة الكبش، وعباس كرم يونس، حتى جاء مسسلسل أفراح القبة هذا العام كإعادة إحياء للرواية. لم يكن النجاح من نصيب مسلسل أفراح القبة فقط، من حيث نسب المشاهدة العالية، والإشادة الكبيرة سواء من النقاد أو الجمهور، بل في تحقيق الرواية مبيعات عالية منذ عرض المسلسل، فصنفت من ضمن أكثر 20 كتاب مبيعا في مكتبات الشروق. من خلال المسرحية التي تحمل نفس اسم الرواية، أتبع نجيب محفوظ أسلوب النقد الذاتي، معتمدا على الكشف عن الأبعاد النفسية والسياسية والاجتماعية لأبطال عمله، فيظهر ذلك واضحا على هيئة مونولوج ذاتي لكل بطل، إلا أن الدراما التليفزيونية تستوجب عادة إضافة شخصيات ثانوية كعائلة "تحية" بجانب الشخصيات الرئيسية، كمحاولة لإثراء العمل، وهو ما لم يخل بمسلسل أفراح القبة، بل على العكس جاءت تلك الشخصيات في صالح الأحداث، وزادت ارتباط المشاهد بالعمل. كما أضاف المسلسل بعض الأجواء التشويقية، كما في بداية الرواية، ف"تحية" تموت نتيجة إصابتها بحمى، إلا أن عباس في المسرحية المكتوبة، جعل من نفسه هو قاتلها، ولم يظهر ذلك حتى الآن خلال أحداث المسلسل. أحداث العمل تبدأ من المسرح، وإليه تعود، فهو البطل الرئيسي هنا، سواء كان مسرح "سرحان الهلالي" الذي يتصارع الكل من أجله، أو خارجه حيث مسرح الحياة، والعلاقات المتشابكة، التي تدور كلها كإنعكاس للمجتمع ورؤيته في تلك الفترة. فمن خلال عباس كرم يونس مؤلف المسرحية، نرى عرى شخصيات العمل، وفسادهم، وصراعاتهم، وصولا إلى التفكك الأسري، الذي كان ملمح أساسي في كلا من الرواية والمسلسل، وجاء واضحا في تجسيد عباس لأبيه وأمه في أحداث مسرحيته. كما أن الحالة الدرامية الفريدة التي يقدمها المسلسل ليست مجسدة فقط في رسم الشخصيات والأحداث المحكم، وتماشيها مع روح محفوط، بجانب اختيار الممثلين الموفق، مع موسيقى هشام نزله المميزة، بل في تلك المشاهد غير التقليدية، التي أبدع المخرج محمد ياسين في خروجها بهذا الشكل المميز، من خلال كادرات مختلفة وإضاءة وديكور تنقل المشاهد إلى أجواء ذلك العصر. لم يكتفي المسلسل بذلك فبعض المشاهد علّقت في قلوب الجمهور، مذكرة إياهم بأغاني المونولجست محمود شكوكو، ك"الهاشا باشا تك"، و"حبك شمعة وقلبي فانوس"، فقد حظيا على نسبة مشاهدة عالية على موقع "يوتيوب" بعد عرض الحلقات، ليأتي المسلسل كإعادة إحياء للتراث. من اللافت للنظر أيضا في المسلسل "الدويتو" المميز بين الفنان إياد نصار، والفنانة منى ذكي، فقد قدم كلا منها دورا استثنائيا، حيث "تحية"الفتاة التي تتعامل بعفوية مع كل من حولها، طامحة إلى تحقيق أحلامها في التمثيل، و"طارق رمضان" الممثل الثانوي العاشق لتحية، والمكلوم لفراقها. قدم أيضا كلا من رانيا يوسف وسوسن بدر وصبري فواز وصابرين أدوارهم ببراعة، بجانب صبا مبارك ودينا الشربيني وجمال سليمان، ليصنف المسلسل بعد عرض أقل من نصف حلقاته كأحسن ما جادت به الدراما العربية منذ فترة كبيرة.