«من آمن واعتمد خَلص».. ما جاء في إنجيل مرقس على لسان السيد المسيح، كان تأكيدًا منه على أهمية سر المعمودية في الكنيسة ليصبح بعدها الشخص الحاصل على هذا السر «مسيحي» وبدونه لم يكن. المعمودية وفقًا للمعتقد المسيحي، هى أحد أسرار الكنيسة المقدسة، واقتداءً بمعمودية المسيح في نهر الأردن، يتمثل طقسها في أن الآباء الكهنة يغطسون الأطفال ثلاث مرات داخل إناء ممتلئ بالماء مرددين باسم «الآب والأبن والروح القدس»، يأتي ذلك بعد تلاوة الصلوات الخاصة بالمعمودية وهى «تقديس الماء، صلاة الشكر، قانون الإيمان، صلاة تطهير الأم»، ثم الرشم بزيت الميرون (زيت زيتون تضاف له مواد أخرى، لأن شجر الزيتون يشير إلى الأبدية، فهو الشجر الوحيد التي لا يقع ورقها أبدًا طول السنة). مشهد المعمودية من فيلم يجسد حياة السيد المسيح على الأرض رغم ما ذكره قانون الإيمان المسيحي وهو «معموديّة واحدة لمغفرة الخطايا»، فالكنيسة القبطية الأرثوذوكسية كررت معموديات أشخاص كشرط الانضمام إلى الطائفة، بسبب رؤية بعض الأباء الكهنة المتوافقة مع رؤية البابا شنودة الذي طبقها داخل الكنيسة في السنوات الماضية، وهى أنه «يجوز تعميد شخص مرة أخرى طالما لم يعمد بطقس أرثوذوكسي»، وهو ما لم يكن موجودًا في الكنيسة قديمًا، وربما يحاول البابا تواضروس الثاني حاليًا تغيره. لمعرفة ما هى المعمودية للأطفال والكبار معمودية لأجل الزواج الشخص البالغ الذي يتعمد لينضم للطائفة بعد معرفة الكنيسة أسباب رغبته في ذلك والاقتناع بها، يلبس ما يسمى ب«التونية»، وهى (رداء أبيض من الكتان أو الحرير يصل من الرقبة إلى القدم)، وينطبق ذلك على الرجال أو السيدات، وتجرى عليهم طقوس المعمودية من صلاة أو تغطيس، بحسب ما يوضح القمص بولس عبد المسيح، كاهن كنيسة القديس ماري جرجس بحدائق القبة. وفقًا لمعلومات وردت من مسؤولين في عدة كنائس، فعدد كبير من الذين يقومون بالمعمودية الثانية لا يرغبون في الإفصاح عن ذلك، ويكون السبب في أغلب الوقت هو رغبتهم في الزواج أرثوذوكسيًا بناءً على الاتفاق مع الطرف الأخر. تواصلت «التحرير» مع أشخاص انضموا إلى الطائفة الأرثوذوكسية لهذا السبب، لكنهم رفضوا ذكر أسمائهم، وقال أحدهم إنه «اتفق مع أب كاهن أن يعطي له شهادة معمودية في مقابل مادي دون أن يُعمد بشكل فعلي، لأنه يرى أن في ذلك تشكيكًا في معموديته التي لا خطأ فيها»، في مقابل ذكر آخر أنه قام بالفعل نفسه لكن في حالته لم يأخذ الكاهن أموالًا لاقتناعه بأنه لا يجوز تكرار المعمودية. معمودية إحدى السيدات تحدي الموروث يرى الآب جون حنا، الباحث في معهد الدومنيكان وعلم اللاهوت، أن ما ألزم به البابا شنودة الكنائس طوال السنوات الماضية بأن يعمد مرة ثانية كل القادمين للطائفة من طوائف أخرى هو «مغالطة لاهوتية»، ويكمل قائلًا: «الكنيسة الكاثوليكية تضم أكثر من طائفة، وفي الطائفة القبطية الكاثوليكية في مصر ينفذون طقوس المعمودية مثل الكنيسة الأرثوذوكسية تمامًا، لكن الطوائف الأخرى ربما يختلف بعضها في استخدام السكب أو الرش بدل التغطيس فقط، ولكن ذلك اختلاف طقسي وليس خطأ لاهوتي يبرر أن يعيد الشخص معموديته كما قالت الكنيسة الأرثوذوكسية». لم يجد كل الرافضين لفكرة المعمودية الثانية، ويرغبون في الزواج من الطائفة الأرثوذوكسية، أباء كهنة يأخذون أموالًا ويعطون شهادات معمودية لهم أو أباء آخرين يقتنعون بوجهة نظرهم، وقتها ليس أمامهم سوى طريقة واحدة. تحكي ح.ت: إنها «حين قررت أن تتزوج الشخص الذي أحبته بعد أن تجاوز عمرها الثلاثين، واجهت مشكلة أنه ينتمي إلى الطائفة الكاثوليكية، وهى أرثوذوكسية، فبعد أن تمت خطبتهما بصلاة أب كاثوليكي، رفضت عائلتها أن تتزوجه في الكنيسة الكاثوليكية، لأن ذلك في اعتبارهم زنا وخروج عن الدين، ويجب عليها أن تتزوج في كنيستها، لكن الطرف الأخر رفض لأنه علم أن الكنيسة الأرثوذوكسية سوف تلزمه بالمعمودية مرة أخرى، وهذا في رأيه تشكيك في مسيحيته، فسبب ذلك خلافًا كبيرًا بين العائلتين كاد أن يفسخ الخطوبة، لكن بعد ذلك قررت أن تتحدى أسرتها وتتزوج هى في الكنيسة الكاثوليكية التي لا تطلب منها المعمودية مرة أخرى، وحضر الزفاف الذي تم عام 2007، والدتها والمقربين فقط، بينما قاطعه أقاربها المتشددون في هذا الأمر». ما قبل البابا شنودة لم تكن فكرة المعمودية الثانية موجودة حين كان البابا كيرلس السادس، الذي سبق البابا شنودة، يترأس الكنيسة الأرثوذوكسية. عن هذا الوقت، يتحدث جرجس عبدالله، 86 سنة، والذي تزوج وقتها من أرثوذوكسية وهو ينتمي للطائفة الكاثوليكية، ويقول «لم أواجه مشكلة في الزواج بأرثوذوكسية وقتها، وتزوجنا كاثوليكيًا، لأنه لم يكن هناك فرق بيننا لدرجة أنني حضرت إكليل (حفل زفاف كنسي) سنة 1965 بين عائلتين كاثوليك وأرثوذوكس في ساحة وليس كنيسة، وأقام الصلاة أسقف كاثوليك وأسقف ارثوذوكس معًا». القمص بولس عبد المسيح، كاهن كنيسة ماري جرجس بحدائق القبة، أكد أن بعد وفاة البابا شنودة، وحديث البابا تواضروس عن الوحدة بين الكنائس، والتي أكدتها زيارته للبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، بدأت الكنائس الأرثوذوكسية تتغاضى عن فكرة المعمودية الثانية للكاثوليك، لكن لم يشمل هذا الأمر الكنيسة الإنجيلية. يشار إلى أن المعمودية عند الكنيسة الإنجيلية ليست لها أسرار إلزامية وهى رمزية، وأوضح القس رفعت فكري، التابع لها، أنهم يعمدون الأطفال ويأخذ تعهدات على أهاليهم أن يربوهم في مخافة ربنا، ومن يقوم بذلك قسًا، لكن يسمحون أن يكون ذلك بأى طريقة قد تكون سكب أو رش أو تغطيس حسب طلب الأهل. كتاب اللاهوت المقارن للبابا شنودة، الذي حمل مضمونه في الباب الخاص بالمعمودية وإمكانيه تكرارها «أن الكنيسة الأرثوذوكسية لا تقبل بغير إيمانها ومعتقدها»، رد عليه الأب متى المسكين، وهو أحد الشخصيات المؤثرة في الكنيسة، بقوله «إن تكرارالمعمودية فوق أنه جهل بلاهوت الخلاص، هو أيضاً تلويث لقانون الإيمان»، وبين المتبعين لهذا الفكر وذاك، أستمرت الخلافات بين الكنائس طوال السنوات الماضية، وهو ما أشار إليه البابا تواضروس في أكثر من حديث، وقال إنه يسعى أن «يستمر النقاش بين الكنائس حول الأمور الخلافية، وينتهي الأمر بوضع أسس للوحدة».