فى علم التسويق الكثير من الأفكار والمفاهيم التى تصلح ليس فقط فى الحياة الاقتصادية والاستهلاكية، من أجل الترويج لسلعة أو خدمة معينة ولكنها تصلح أيضًا للحياة السياسية من أجل الترويج عن أفكار سياسية ورؤى سواء كانت خاصه بالأفراد أو حتى الدول والأنظمة. فى البداية، ما هو علم أو فن التسويق؟ هو مجموعة من العمليات أو الأنشطة التي تعمل على أكتشاف رغبات العملاء وتطوير مجموعة من المنتجات أو الخدمات التي تشبع رغباتهم وتحقق للمؤسسة الربحية خلال فترة مناسبة. إذًا، ماذا تسوق الحكومة والدولة المصرية الآن؟ هل تعمل الحكومة والأجهزة على اكتشاف رغبات المواطنين وتعمل على تطوير المنتجات العامة والخدمات المختلفة من أجل إشباع رغبات المواطنين؟ هل يا ترى سألت الحكومة المواطنين عن رغباتهم؟ وإن سألت، هل نتوقع مثلًا أن الرغبات ستكون متمثلة فى بناء عاصمة جديدة أو فى بناء قناة بحرية جديدة أو فى الاستغناء عن جزر مصرية (من قبل حتى ولادة "آل سعود" مؤسس الدولة الصديقة والشقيقة)، أو فى القبض على بعض المعارضين من الشباب بطرق غير قانونية مثل النظام القديم، وكأننا فى مسرحية هزلية اسمها الثورة فى الخمس أعوام السابقة! على سبيل المثال، ماذا إن سألنا الفلاحين عن رغباتهم؟ هل نتوقع أنهم فى حاجة إلى المليون ونصف فدان؟ أم من الأولى أن نعمل على حل مشاكلهم الحالية ومن بعد نفكر فى المشاريع العملاقة التى ستؤتى ثمارها فى المستقبل! أيها السادة، طلبات المواطنين تتمثل دائمًا فى منتجات وخدمات مثل الغذاء الجيد وفى التعليم والصحة وفى ضبط الأسعار من أجل الحد من التضخم. فلتكفوا عن التسويق عن أنفسكم باسم الشعب، فامنعوا أنفسكم من الحديث عن رغباتكم الشخصية من أجل تخليد ذكراكم، ولتعملوا من أجل المواطن البسيط الذى دائمًا ما تتحدثون عنه كونه الأولوية الأولى لكم ولكنه فى الحقيقة ليس على خريطة "معاليكم" على الإطلاق! على صعيد آخر من مبادئ التسويق، أنه أذا أردت أن تسوق إلى سلعة أو خدمة فيجب تحديد السوق التى ترغب أن تبيع فيه ما تسوقه ويجب أن تحدد الفئة التى تخاطبها. يعنى مثلًا، إن أردت أن تبيع طعام يجب تحديد السوق أو الزبون التى ترغب أن تبيع له. فمن الطبيعى والمنطقي، إن مخاطبة زبون أكل الطعام الصينى أو اليابانى تختلف عن مخاطبة زبون الفول والكشرى. فى الماضى، كان يتم التسويق لمصر كونها الرابط بين الشرق والغرب وأن من يتحكم بها يتحكم فى الخط الملاحى بين الدول الأوربية (المُستعمرون) والأفريقية والأسيوية (المستعمرين). وأيضًا، كان يتم التسويق كونها المنتج الأول للقطن "طويل التيلة". يعنى، كان يتم التسويق لمصر من خلال موقعها الجغرافى ومن خلال منتجاتها الزراعية الجيدة. ثم فى فترة أخرى، كان يتم التسويق لمصر على أساس كونها رائدة وقائدة بعد أن ساعدت مصر الكثير من دول العالم الثالث من أجل نيل حرياتهم والاستقلال. وأيضًا، ساعدث مصر الكثير من الدول العربية فى الماضى من خلال أرسال المدرسين والدكاترة والمهندسين والفنيين ذو الخبرة من أجل تعليم وتطوير الكثير من الدول. أذًا، كان التسويق لمصر يتم من خلال دورها السياسي ومواقفها المختلفة لصالح العالم الثالث وضد المستعمر الغربي. إذًا، عن أى سوق وعن أى فئة تتحدث الحكومة المصرية الآن وتريد أن تسوق عن نفسها؟ هل تريد أن تسوق عن نفسها كبلد به حريات ومنفتح على الآخر أم بلد ذو طابع أمنى قمعى قوى؟ هذا مجرد سؤال بسيط ولكنه كاشف عن الكثير. إن أردنا التقدم السياسي والاقتصادى والسياحى، فيجب أن تتحدث بشفافية وأن تسوق لنفسك من خلال الحرية. أم إن كنت تريد الاستقرار المزيف من أجل الحفاظ على بعض الفاسدين داخل النظام، فلتكمل مشوارك لأنك على طريق الفاشلين (فما فعلته فى قضية الشاب الإيطالى وما فعلته بعد القبض على الكثير من الشباب خير دليل على تفوقك فى أسواق الفاشلين). فى الماضى القريب، سوقوا لنا أننا حنبقى "نور عنيهم" وسوقوا لنا إن مصر "أم الدنيا وحتبقى أد الدنيا"، أما الآن إن تحدثنا يقولون لنا أحنا مسمحناش لحد فيكم يتكلم!