هذه كلمات متخيلة لم ترد وربما لن ترد على لسان الرئيس عبد الفتاح السيسى، وهى لا تعبر أيضًا تمامًا عن رأى كاتبها وقناعاته فى المطلق، واستمحى القارئ الكريم عذرًا فى هذا الخلط المركب، لكنها مجرد محاولة تخيلية متوازنة لما يمكن أن يمثل حلًا ومخرجًا من أزمة وطنية وسياسية حقيقية تمر بها مصر منذ إعلان قرار توقيع اتفاقية الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وما تلاها من ردود فعل، قبل أن تتفاقم وتتحول لما هو أكبر وأبعد ما قد نخشاه على مصير الوطن فى هذه اللحظة. (1) أيها الشعب المصرى العظيم.. تابعت على مدار الأيام الماضية بمزيد من الاهتمام والتقدير مختلف الآراء ووجهات النظر وردود الفعل وحتى التحركات السياسية والشعبية، التى جاءت بعد إعلان توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين جمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية الشقيقة.. ورغم أننى قد حاولت فى لقائى الأخير مع نخبة من قادة الرأى العام وممثلى المجتمع المصرى توضيح قناعتى وقناعة مؤسسات الدولة الرسمية بأن جزيرتى تيران وصنافير هما حق وملك للمملكة، وحرصى الشديد على أن لا توصم مصر وسلطتها وشعبها فى أى لحظة تاريخية بأنها تسعى لاستيلاء على حقوق الغير، وتأكيدى أن كل ما اطلعنا عليه من وثائق رسمية تؤكد هذا الحق وهذه الملكية، إلا أن رد الفعل الوطنى والشعبى جاء مع كل ذلك رافضًا أو متسائلا أو مندهشًا من هذه الخطوة وهذا القرار. وفى ظل ذلك الوضع الحالى، وحرصى الكامل على ما أدعو له دائمًا من وحدة الصف وضرورة الاصطفاف الوطنى والحفاظ على الجبهة الداخلية فى مواجهة ما تتعرض له مصر من محاولات من أهل الشر لهدم الدولة والتشكيك فى مؤسساتها الوطنية، فإننى ومن باب الاستجابة للرأى العام، ومنعًا للمزيد من البلبلة وقطعًا للطريق على أى تشكيك أو مزايدة أو حتى خلاف وطنى جاد ومقدر، أعلن أننى سأقوم بزيارة عاجلة للمملكة العربية السعودية طالبا من الملك سلمان بن عبد العزيز بما له من مواقف داعمة ومساندة لنا ولمصر وشعبها منذ ثورته فى 30 يونيو، لأطلب منه تأجيل الخطوات الرسمية والقانونية لاعتماد تلك الاتفاقية، إلى حين الوصول لتوافق وطنى وشعبى واسع فى مصر، مبنيًا على دراسة جادة وعلمية لكل الوثائق سواء الموجودة لدى الدولة المصرية أو التى اعتمد عليها أصحاب وجهة النظر المعارضة للاتفاقية، وتشكيل لجنة وطنية واسعة تضم ممثلين لمؤسسات الدولة المختصة وخبراء مستقلين فى مختلف المجالات من جغرافيين وقانونيين وفنيين، فضلا عن عدد من ممثلى القوى السياسية والوطنية والشباب، لإعادة بحث تلك القضية، ومراجعة الجهود التى بذلتها الدولة المصرية فى هذا الملف على مدار الشهور الماضية وما سبقها من سنوات، وأن تلتزم الدولة المصرية بما تتوصل له هذه اللجنة، وإذا جاءت النتيجة مختلفة عما سبق وتوصلنا له مع أشقائنا فى المملكة العربية السعودية، فإننا سنحترم تمامًا حقهم فى طلب اللجوء للتحكيم الدولى إذا أرادوا ذلك، وفى إطار من الاحترام الكامل والحرص على العلاقات الطيبة والاستراتيجية والواجبة والضرورية بين بلدينا وشعبينا.. وإننى أثق بأن المملكة ستتفهم ذلك الطلب وتقبله، وأؤمن بأن حرص مصر على علاقاتها مع المملكة وكذلك حرص المملكة على نفس الأمر سيكون دافعًا إيجابيًا باتجاه التوافق حول ذلك.
(2) شعب مصر العظيم.. إننى إذ أعلن هذا القرار ، فإنه لا يعكس تغييرًا فى القناعة ووجهة النظر التى تبنيتها وتبنتها الدولة المصرية وموقفها الرسمى، بقدر ما يعكس إيمانًا بوطنية وإخلاص ووعى قطاع واسع ممن عارضوا تلك الاتفاقية، ويعكس كذلك رغبة فى أن لا تثير تلك القضية شقاقًا وطنيًا أو تؤدى إلى شكوك غير دقيقة فى وطنية مؤسسات الدولة، والحرص على أن يصبح منهج الحوار هو المنهج الذى يحكمنا فى مختلف القضايا الوطنية والخلافات السياسية. لقد تابعت يوم الجمعة الماضى الموافق 15 أبريل مظاهرات لآلاف من المصريين، بينهم قطاع غالب من شباب مصرى صغير السن، وهو ما أثار داخلى يقينًا فى مدى نبل وأصالة هذا الشعب، الذى رغم كل ما يتعرض له من محاولات تخريب للوعى وطمس للهوية الوطنية، ورغم أيضًا الكثير من دواعى الإحباط والنفور من قطاعات شابة خلال الأعوام الماضية، ومع وجود أخطاء ومظالم نعترف بها ونسعى لبحث سبل تجاوزها وضمانات عدم تكرارها، إلا أن هؤلاء خرجوا للتعبير عن رأيهم المتمسك بما يعتقدون أنه أرضهم الوطنية وجزء من تاريخ بلادهم وجغرافيتها ومستقبلها، وهو فى ذاته ورغم أى اختلاف فى وجهات النظر شعور وطنى نبيل ومخلص لا يمكن معه التشكيك فى وطنية ولا وعى هؤلاء وغيرهم، وكل ما أطلبه وأدعو له أن نتوقف فى بناء نظريات التخوين عند كل خلاف فى الرأى، ولأن السلطة فى أى دولة هى المسئول الأول عن مسار ومجرى الأمور فيها، فإننى من جانبى أعلن من الآن السعى لمحاسبة كل من ينتمى لمؤسسات الدولة الرسمية ممن قد يروجون لهذه الطريقة من تخوين لأى معارض أو مختلف فى الرأى، كما أدعو مجلس الوزراء للنقاش حول مشروع قانون يقدم لمجلس النواب يبحث كيفية تحويل ذلك إلى تشريع يضبط مسألة أصول وقواعد الحوار الوطنى الديمقراطى ويوقف اللجوء إلى التخوين وهو المرادف للتكفير فى عهد خرج المصريين ضد من حكمونا فيه ومن ظنوا أنهم يحتكرون الدين، وأؤكد أنه كما رفضنا احتكار أى طرف للفهم الصحيح للدين والتعبير عنه، فإننا كذلك نرفض أى احتكار للوطن والدفاع عنه. كما أدعو وسائل الإعلام ونقابة الصحفيين والمؤسسات والمنظمات المهتمة بالعمل فى المجال الإعلامى للاجتماع وبحث سبل التوقف عن هذا المنهج فى بعض الإعلام وطرح اقتراحاتهم ورؤيتهم بما فى ذلك تجديد دعوتنا لما نصت عليه خارطة الطريق فى 3 يوليو من ضرورة التوافق على ميثاق شرف إعلامى ملزم.
(3) أيها الشعب النبيل.. بقدر ما استقبلت رسائل وطنية تعبر عن غيرة المصريين وشبابهم على أرض الوطن، بقدر ما وصلتنى أيضًا رسائل تتعلق بضرورة التطور الديمقراطى الجاد فى مصر، ورغم أننى أؤمن بأنها عملية طويلة تحتاج إلى سنوات وتكتسب بالممارسة المتدرجة، إلا أننى أيضًا أتفهم تمامًا الإحساس بوجود قدر من تراجع الحريات بعد 30 يونيو، وكنت أتصور أن هذا هو الطريق لحماية الدولة من الانهيار، وأراهن على قدرة القوى السياسية والأحزاب والتنظيمات الشعبية على تنظيم نفسها وتفعيل دورها لضمان تشكل قوى منظمة حية متفاعلة مع واقع مجتمعها وتحديات وطنها، وتتمكن من استيعاب الطاقات الشابة باتجاه البناء فى كل المجالات وطرح الرؤى نحو هذا الهدف.. لكننى الآن ومع ما جرى من تفاعلات، وما استمعت إليه من آراء أدرك أنه علينا اتخاذ خطوت جادة باتجاه المشاركة الديمقراطية الواسعة لكل الأطراف المؤمنة بالدستور الذى أقره الشعب والملتزمة بالأهداف الوطنية الكبرى التى عبر عنها الشعب فى 25 يناير و30 يونيو. لقد آن أوان التوقف عن تفريق صفنا وتشتيت شملنا والسماح لأى أطراف بتفتيت وحدتنا، وأدرك تمامًا أن هذا مسئولية مشتركة الأولوية فيها لممارسات الحكم ومؤسسات الدولة، وهو ما سأحرص تمامًا على فتح حوار وطنى واسع حوله، يستجيب للآراء الجادة والعملية المطروحة فى كل الملفات، بدءًا من الشراكة الوطنية والمجتمعية الواسعة فى القرارات الهامة، ومرورًا بالإصلاح الجاد لمؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة بما فيها الجهاز الإدارى، ووصولا إلى ضمان أوسع مشاركة من الشباب بطاقاته الجبارة وأفكاره المبدعة وتصوراته الجديدة لكيفية النهوض بهذا الوطن والحفاظ على هذه الدولة وتماسك هذا المجتمع.
(4) وإلى شباب مصر الحر.. لقد بذلتم النفيس والغالى وضحى منكم الكثير من أجل تحرير هذا الوطن من قيود الاستبداد والتبعية، وكنتم طليعة للشعب المصرى العظيم فى ثورتى يناير ويونيو، كما عانيتم مثل باقى المصريين من سياسات الإفقار والظلم الاجتماعى.. وإننى أقدر أى اختلافات فى الرأى، وأؤمن تمامًا بأنكم بناة الوطن ورافعة المستقبل وضمانته، لذا فإننى أدعوكم لصفحة جديدة نفتحها معا، نعمل فيها عقولنا ونتشارك فيها بالرؤى والتصورات حول أفضل السبل لبناء هذا الوطن الذى هو ملك لنا جميعا وللشعب المصرى كله. إننى أقدر وأتفهم غضب قطاعات من الشباب، وأعذر بعض الشطط والتجاوز أحيانًا، وأدرك أن له أسبابه السياسية والمجتمعية المتعددة، ولا أنكر أن من بينها ممارسات خاطئة للسلطة السياسية وبعض مؤسسات وأجهزة الدولة.. وهو ما يدعونى لأقترح عليكم تنظيم مجموعة مؤتمرات ولقاءات عاجلة تقدمون فيها ما ترونه من آليات عمل ومقترحات، فى كل الملفات والمجالات، وأن نعمل معًا وبشراكة جادة فى تحمل مسئولية تنفيذ ما نتوصل إليه ونتفق عليه، بعد الاستماع لآرائكم، وعرض ما لدى الدولة من حقائق ومعلومات عليكم، لتقدير حجم ما نواجهه من تحديات ومشكلات ومخاطر، بحيث تكون المقترحات والبدائل عملية وقابلة للتحقيق.
(5) وإلى مؤسسات الدولة المصرية.. أثق تمام الثقة فى وطنيتكم وإخلاصكم، ودأبكم وجهدكم المقدر، ولا أقبل أى تشكيك ولا مزايدة على أى مؤسسة مصرية وطنية محترمة.. وإن كان هذا لا يعنى أن كثيرًا من مؤسساتنا تحتاج إلى إصلاح جاد وعاجل، وهو ما يجب أن تطرح تصورات له من جانب مسئولى هذه المؤسسات ذاتها والعاملين فيها باعتبارهم أكثر خبرة ودراية بالكثير من تفاصيلها، وأثق أن لديكم الكثير مما يمكن طرحه وتنفيذه فى هذا المجال. إن ما طرحته فى كلمتى لا يعنى بأى حال التقليل أو التهميش من دوركم، إنما هو فى الحقيقة استجابة لآراء متنوعة ووطنية وجادة بضرورة الشراكة الوطنية الواسعة، التى لا تنكر حق المؤسسات المنتخبة فى ممارسة صلاحياتها الدستورية والشرعية، إنما تعنى أن تمارس تلك الصلاحيات فى إطار من المشاركة الوطنية والمجتمعية الواسعة، التى توفر للقرارات الهامة والتوجهات الأساسية التى نعمل على تنفيذها ضمانة أوسع توافق حولها، بما يوفر أجواءً إيجابية يتم فيها العمل فى مختلف المجالات، ويعزز تكاتف المجتمع وتلاحمه وراء مؤسسات دولته. إن هذا التوجه الجديد الذى ندعو له، هو فى حقيقته المنهج الحقيقى الذى يمكن من الاستجابة لكل التحديات التى تواجهنا، وللمؤامرات الخارجية التى تستهدفنا، وللأطراف الداخلية التى تشكك فى انتمائنا وإخلاصنا، ولن ننجح فى ذلك، إلا ببناء أوسع توافق وطنى ومجتمعى على السياسات والإجراءات والخطوات التى نتخذها للحفاظ على هذا الوطن والنهوض به. أملى ورهانى أن تمكننا هذه الدعوة التى أطلقها اليوم من أن يتوحد المصريون جميعًا معًا على ما بينهم من اختلافات طبيعية ومشروعة، على مشروع وطنى واضح ومتبلور لبناء دولة وطنية ديمقراطية حديثة تواكب العصر وتواجه التحديات وتؤمن المسار للمستقبل. تحيا مصر.. ويحيا شعبها.. بالحرية والعدل.