توزيع شتلات أشجار زينة ومثمرة على مدارس شمال سيناء    إزالة 4 تعديات علي أراضي زراعية بالمنيا    البحرية البريطانية: حريق في سفينة تجارية إثر هجوم شرق عدن اليمنية    إيمري تشان ينضم إلى منتخب ألمانيا    تسليم ملعب خماسي لمركز شباب عزبة الجامع بدمياط    ماس كهربائي وراء حريق محل تجاري بمنطقة إمبابة    محمد صلاح العزب يوقع عقد كتابة مسلسل سفاح التجمع مع السبكي    121 مليون دولار حصيلة "Bad Boys 4" في 5 أيام    أسواق عسير تشهد إقبالًا كثيفًا لشراء الأضاحي    رضا عبد العال: أرفض عودة بن شرقي للزمالك    البنك المركزي يعلن تحقيق فائضًا في الأصول الأجنبية لأول مرة منذ عاميين    قرار جمهوري بتعيين الدكتور فهيم فتحي عميدًا لكلية الآثار بجامعة سوهاج    وكيل الصحة بمطروح يتابع سير العمل بمستشفى مارينا وغرفة إدارة الأزمات والطوارئ    تفاصيل مشاركة ستة أفلام في مسابقتين بمهرجان عمان السينمائي الدولي    محاولة اختطاف خطيبة مطرب المهرجانات مسلم.. والفنان يعلق " عملت إلى فيه المصيب ومشيته عشان راجل كبير "    رئيس صندوق التنمية الحضرية يتابع الموقف التنفيذي لمشروع "حدائق تلال الفسطاط"    «يوم الحج الأعظم».. 8 أدعية مستجابة كان يرددها النبي في يوم التروية لمحو الذنوب والفوز بالجنة    فطار يوم عرفات.. محشي مشكل وبط وملوخية    حملة للتبرع بالدم بمديرية أمن الأقصر    بوروسيا دورتموند يقرر فسخ التعاقد مع إيدن ترزيتش    رئيس جامعة كفر الشيخ يهنئ السيسي بعيد الأضحي المبارك    قطع الكهرباء عن عدة مناطق بطوخ الجمعة (موعد ومدة الانقطاع)    جامعة دمنهور تدخل تصنيف التايمز للجامعات الأكثر تأثيرًا في أهداف التنمية المستدامة 2024    منظمة التعاون الإسلامي تعزى الكويت في ضحايا حريق المنقف    «مستقبلي بيضيع وهبطل كورة».. رسائل نارية من مهاجم الزمالك لمجلس الإدارة    رسميًا.. موعد صلاة عيد الأضحى 2024 في جميع مدن ومحافظات مصر (بالتوقيت المحلي)    نقيب الأشراف مهنئًا بالعيد: مناسبة لاستلهام معاني الوحدة والمحبة والسلام    انفجار مولد الكهرباء.. السيطرة على حريق نشب بمركز ترجمة بمدينة نصر    النيابة أمام محكمة «الطفلة ريتاج»: «الأم انتُزّعت من قلبها الرحمة»    بيان عاجل بشأن نقص أدوية الأمراض المزمنة وألبان الأطفال الرضع    مصرع مواطن صدمته سيارة أثناء عبوره لطريق الواحات    مدير تعليم دمياط يستعرض رؤية المديرية خلال الفترة المقبلة    آداب عين شمس تعلن نتائج الفصل الدراسي الثاني    قبول دفعة جديدة من المجندين بالقوات المسلحة مرحلة أكتوبر 2024    أمل سلامة: تنسيقية شباب الأحزاب نموذج للعمل الجماعي    ضبط نجار مسلح أطلق النار على زوجته بسبب الخلافات فى الدقهلية    بالأسماء.. غيابات مؤثرة تضرب الأهلي قبل موقعة فاركو بدوري نايل    عاجل| رخص أسعار أسهم الشركات المصرية يفتح شهية المستثمرين للاستحواذ عليها    المفتى يجيب.. ما يجب على المضحي إذا ضاعت أو ماتت أضحيته قبل يوم العيد    لبيك اللهم لبيك.. الصور الأولى لمخيمات عرفات استعدادا لاستقبال الجاج    كندا تعلن عن تزويد أوكرانيا بصواريخ ومساعدات عسكرية أخرى    باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي.. ضبط تشكيل عصابى تخصص فى النصب على المواطنين    إيران: ما يحدث بغزة جريمة حرب ويجب وقف الإبادة الجماعية هناك    وزارة الصحة تستقبل سفير السودان لبحث تعزيز سبل التعاون بالقطاع الصحى بين البلدين    محمد عبد الوهاب: "يمكنني ضم زيزو للأهلي لو في وجود 100 مجلس"    حملة مرورية إستهدفت ضبط التوك توك المخالفة بمنطقة العجمى    يوم عرفة.. إليك أهم العبادات وأفضل الأدعية    بسبب مبابي.. موقف فينيسيوس النهائي من الرحيل عن ريال مدريد    بيان من الجيش الأمريكي بشأن الهجوم الحوثي على السفينة توتور    «الإسكان»: تنفيذ إزالات فورية لمخالفات بناء وغلق أنشطة مخالفة بمدينة العبور    يديعوت أحرونوت: اختراق قاعدة استخباراتية إسرائيلية وسرقة وثائق سرية    «معلومات الوزراء»: 73% من مستخدمي الخدمات الحكومية الإلكترونية راضون عنها    حريق هائل في مصفاة نفط ببلدة الكوير جنوب غرب أربيل بالعراق | فيديو    بالتعاون مع المتحدة.. «قصور الثقافة»: تذكرة أفلام عيد الأضحى ب40 جنيهاً    وزيرة التخطيط تلتقي وزير العمل لبحث آليات تطبيق الحد الأدنى للأجور    البرازيل تنهي استعداداتها لكوبا 2024 بالتعادل مع أمريكا    حظك اليوم برج الأسد الخميس 13-6-2024 مهنيا وعاطفيا    هاني سعيد: المنافسة قوية في الدوري.. وبيراميدز لم يحسم اللقب بعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أزمة الثقافة: سؤال الحداثة
نشر في التحرير يوم 20 - 06 - 2013

كما فى إشكالية سؤال الهوية فإن سؤال الحداثة أيضا سؤال إشكالى بسبب أنه رهين لحظة الاستعمار. طوال السنوات التى سبقت الغزو الفرنسى لم يكن سؤال الحداثة مطروحًا بالمرة. حركة التاريخ فى مصر، التابعة للخلافة العثمانية، لم تكن بطيئة فحسب، بل تكاد تكون منعدمة. المناقشات التى أجراها المصريون قبل وصول الفرنسيين كانت عبثية لدرجة لا يمكن تخيلها. المواجهة العسكرية بين الجنود الفرنسيين والمماليك لم تكن مواجهة بين جيشين ولا عتادين، لكن بالتأكيد بين حضارتين. ما حدث هو أن المصريين اكتشفوا أنهم خارج التاريخ.
محاولة محمد على فى السنوات التالية لإعادة مصر لمسار التاريخ جوبهت بإشكالية لم تجد لها حلًا حتى الآن. إشكالية تتعلق بكون التحديث حين تم فى أوروبا تم، ولم يكن لدى الأوروبيين نموذج يسعون إليه، ومن ثم فإن الصراع الاجتماعى الثقافى الذى أفرز الحداثة والتحديث كان حرًا بدرجة كبيرة، ولم يُصادر عليه بينما التحديث فى خارج أوروبا مقدّر عليه أن يكون لديه إجابات جاهزة سابقة الصنع. بمعنى أن الفارق بين الحداثة فى أوروبا والحداثة خارجها أنها تمت فى أوروبا نتيجة صراع داخلى بين طرفى (القديم الحديث) فى ما أنها تحدث خارجها نتيجة صراعين الأول داخلى بين (القديم الحديث)، والثانى خارجى (الداخل الغرب). النقطة الأخيرة تحديدا ظلت دائمًا مسوّغ الأصوليين لمهاجمة دعاة الحداثة، لأنهم يتهمونهم دائمًا بالرغبة فى استيراد التجربة الأوروبية كتجربة جاهزة وسابقة التجهيز دون انتباه للتقاليد المحلية.
المفارقة الأكبر أن فعل التحديث الذى تبناه محمد على، كرجل دولة، والنخبة التى ظهرت بعد سنوات، بداية من رفاعة الطهطاوى، كرجل حضارة، لم يأخذ فى اعتباره أن أدواته ثقافية اجتماعية سياسية معا، وأن تأميم النظام السياسى لا يصنع حداثة بأى حال من الأحوال مهما كانت إرادة النظام السياسى قوية فى صنعها، وأن الإبقاء على البنية الثقافية التقليدية يفرغ التحديث معناه. لم يكن سهلًا إذا استحضار فعل التحديث فى بنية سياسية استبدادية، وفى بنية ثقافية تقليدية جاهدت كى تحل «الصنبور» فقهيا! لهذا السبب فإن بعض النخب الحداثية كمحمد عبده مثلا كانوا متورطين فى السياسة بدرجة كبيرة، بل إن الأخير الذى عوقب بسبب مشاركته عرابى فى تمرده خلت مذكراته من الكلام عن المشروع الحداثى الذى كان أحد رموزه بينما استغرق فى الكلام عن السياسة والنضال من أجل الدستور، وهو ما دفعنى للقول فى مقال سابق للقول بأن التنوير فى نسخته المصرية كان دستوريا!
وربما بسبب فشل هذا النضال الدستورى، خصوصًا بعد وقوع مصر تحت الاحتلال الإنجليزى، عاشت مصر أزمة كبيرة لأن التحديث قوبل بعقبة تأميم النظام السياسى نفسه «الملكى الخديو التبعية للإنجليز»، وقوبل بالثقافة الدينية التقليدية المؤسسة للتأميم السياسى، ومن ثم فقد صنعت أسرة محمد على تحديثا، ولم تصنع حداثة. وهو ما استمر حتى بعد ثورة يوليو فرغم خطواتها فى البداية نحو التحديث بشكل أسرع مستبعدة القوى الدينية تقليدية ربما لأن شرعيتها أتت من الشعب الذى دعم الانقلاب العسكرى، ورغم أن النظام السياسى بدا وكأنه فى مواجهة مع النظام الثقافى فإن استمرار الاستبداد السياسى أفقد مشروع الحداثة جوهره، بل إن النهضة الثقافية التى حدثت فى الخمسينيات والستينيات كانت نتيجة لتراكمات جهد فاعلى لحداثة أكثر مما كانت نتيجة للثورة نفسها. صحيح أن الأخيرة وفّرت «الرعاية» للحداثة ولأبناء الحداثة، لكن الصحيح أيضا أنها وضعت لهذه الرعاية شروطًا لم يكن تجاوزها ممكنا أبدا. كانت ثمة صفقة غير معلنة بين السلطة وبين فاعلى الحداثة فحواها أن لا يتجاوز فاعلو الحداثة حدود الثقافة ليصلوا إلى تخوم السياسة وإلا جرى ما لا يحمد عقباه، ومن ثم مالت الكفة نحو الثقافة، وكف النضال الدستورى تمامًا على عكس تاريخ مصر مع الحداثة.
ومع هذا فقد انهارت الحداثة فى عصر ناصر سريعًا بعد النكسة، بل إن النكسة نفسها كشفت عن عدم تمكن الحداثة من الجماهير فارتد المصريون بسهولة إلى الثقافة التقليدية الدينية لتعليق النكسة على «غضب الله»! ثم استجابوا سريعًا لرغبة السادات فى استبعاد الحداثة تمامًا وإعادة «أخلاق القرية» بالتحالف مع تيار الإسلام السياسى المعادى للحداثة فى سبيل شرعنة حكمه بعيدا عن الناصرية والاشتراكية، وفى الوقت الذى وظف صحفه لمهاجمة توفيق الحكيم ونجيب محفوظ صار الشعراوى ومصطفى محمود وغيرهما أيقونات العصر. ومع هذا فقد ظل النظام السياسى يدّعى توجهه الحداثى، فتم اختلاق ما عرف بالمنابر، وتم صياغة دستور 1971. ثم جاء مبارك ليتيح تشكيل الأحزاب، وليصنع ديكورًا ديمقراطيا غير محكم الصنع بينما أطلق جهاز أمنه الحرية الكاملة للوهابية التى ظلت تحرّم الخروج على الحاكم حتى قيام ثورة يناير. وطوال عصرى السادات مبارك ظل فاعلو الحداثة مطاردين من قوى الثقافة التقليدية المدعومة من النظام، بينما ظلت مناهضة النظام السياسى بلا جدوى طالما أن النظام الثقافى المؤسس له، والمشرعن له محميا للغاية.
لهذا يمكننى القول وبثقة شديدة إن إشكالية سؤال الحداثة لم تُحل إلا بعد ثورة يناير وتحديدا حين صار النظام سياسيا (جماعة الإخوان) وثقافيا (الرجعية الوهابية) ملتحما فى مواجهة القوى التقدمية الراغبة فى إسقاط النظام السياسى والثقافى التقليديين، ولهذا فإن نجاح الثورة مرهون بوصول هذا الاستقطاب إلى مداه الأقصى، وهو ما يمكن أن يعبر عنه يوم 30 يونيو المقبل، لأنها سوف تكون المرة الأولى فى تاريخ الحداثة فى مصر التى سيكون إسقاط النظام السياسى فيها ملازمًا لإسقاط النظام الثقافى الداعم له، أى التى سوف يكون فيها النضال الدستورى مصحوبًا بنضال ضد الثقافة التقليدية بعد أن سقطت أقنعة المشروع الإسلامى المزعوم.
والله والوطن من وراء القصد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.