الثقافة هي واجهة المجتمع، ومعبرة عن عاداته وتقاليده وموروثاته، وفي ظل ما تواجه مصر من موجة تطرف تغزو عقول بعض الشباب، إلى ظاهرة الانحلال الأخلاقي، وقضايا اختصم فيها حرية الرأي والتعبير، يتبادر إلى الأزهان دور وزارة الثقافة، وعلى رأسها الكاتب حلمي النمنم. خلال الفترة الماضية، لاحقت الأحكام القضائية غير الدستورية عددًا غير مسبوق من المبدعين دفعة واحدة، مثل الباحث إسلام بحيري، والكاتبة فاطمة ناعوت، والزميل الصحفي والروائي أحمد ناجي، والكاتب هشام جعفر، المحبوس احتياطيا دون محاكمة، والباحث إسماعيل الإ سكندراني . في المقابل، اكتفى "النمنم" بالتضامن وحضور مؤتمرات التنديد بالحكم القضائي على ناجي، ثم عاد ليدين كتاباته؛ باعتبار أن الدفاع عنها دفاعا عن الانحلال فى حوار مع جريدة الأهرام. شهد عهد النمنم عددًا غير مسبوق أيضا من المداهمات للمراكز الثقافية، مطلع يناير الماضي، فتم إغلاق مسرح روابط ومركز تاون هاوس بالشمع الأحمر، وقبلها مركز الصورة المعاصرة ودار ميريت من قبل مباحث المصنفات الفنية؛ بحجة وجود مخالفات إدارية فى هذه الأماكن، ولم يُبد الوزير استياءً من عدم مراعاة طبيعة الدور الثقافى الذى تؤديه هذه الأماكن. وكان من المتوقع أن يستغل الوزير هذا الموقف فى طرح تشريعات – موجودة على مكتبه - تُعدّل وضع المؤسسات الثقافية ومناقشة القضية أمام البرلمان، والذى كانت أولى جلساته قد بدأت فى الانعقاد. لعبة المناصب من الإخفاقات، تأخر تعديل قانون المجلس الأعلى للثقافة، ما تسبب بشكل مباشر فى تشكيل مشوه للمجلس. كما استخدم النمنم طريقة، وصفت ب"غير اللائقة" في تبديل وإقالة القيادات الثقافية، فبدأ بقرار نقل الأمين العام ل"الأعلى للثقافة" إلى الهيئة العامة لقصور الثقافة، ثم إقالته من قصور الثقافة بعد ذلك. حالة المجلس هي نموذج مصغر لعمل الوزير منذ توليه منصبه، فالتغيير عادة ما يكون بمنطق الركلة (شلطوت) لأعلى، والقضايا تظل معلقة رغم إدانة الوزير نفسه لها، ولا نعلم كيف ستحل. فعلى نفس النهج أيضًا، تعامل الوزير مع المهندس محمد أبو سعدة، رئيس صندوق التنمية الثقافية، الذى بقى في منصبه رغم التغييرات العديدة التي شهدتها الوزارة منذ ثورة 25 يناير، وبالرغم مما أثير حوله، ثم قرر النمنم ترقيته لمنصب رئيس صندوق القومى للتنسيق الحضارى. القصة ذاتها حدثت مع قطاع الفنون التشكيلية، والرئيس الحالى لهيئة قصور الثقافة، دكتور سيد خطاب، الذى أقيل فى عهد جابر عصفور، وأعاده النمنم. إرث ضائع يتباهى "النمنم" بافتتاح عدد كبير من قصور الثقافة والمتاحف المغلقة، وقال إنه يسعى للعدالة الثقافية، لكن عن أي عدالة ثقافية نتحدث، إن كانت هذه القلوع الثقافية الرخامية خاوية، دون نشاط ثقافى ثرى يحييها. صحيح أنه فى كل أسبوع تقريبا تُقيم الهيئة العامة للكتاب معرضا للكتاب بمحافظة الجديدة وعلى هامشه فعاليات ثقافية محدودة، لكن ربما لن نستطيع أن نقييم هذه الأنشطة إلا إذا اقتفينا الأثر التى خلفته أحلام الثورة، فنحن على الطريق العكسى تماما من البصمة التى تركتها فينا، وكانت قد أورثتنا زخما ثقافيا لا ينتهى فى الشارع، لم يحتاج مبدعيه لصرف هذه المليارات لتطوير وبناء صروح ضخمة. فكيف استثمرت الوزارة المعنية هذا الزخم. معرض القاهرة الدولى للكتاب كان واحدا من المحطات الهامة التى يمكن من خلالها تقييم عمل "الثقافة" كلها، صحيح أن تنظيم المعرض استمر فى الحفاظ على شكل عام جيد، بل استقطب طوابير من الزائرين، لكن ماذا قدم المعرض لهؤلاء الزائرين، كان سؤالنا فى هذا التحقيق . التزم المعرض بشكل جيد، لكنه استمر بطابعه المحلي، ولم ينجح في استقطاب مفكري العالم العربى والقامات الدولية للمشاركة، ربما هذا العنصر لم تعره إدارة المعرض انتباهًا، ما أدى إلى انحسار الأثر الثقافي له. في حوار سابق له، ذكر "النمنم" أنه عقد بروتوكولات تعاون مع اتحاد الإذاعة والتلفزيون، وإنه قال لأحد مسئولي الاتحاد إنه "خادمه"، وسيمده بالمادة الثقافية لعرضها، مستندا فى ذلك إلى أن الأثر الثقافى صار للصورة والفنون المسموعة والمرئية، ونسى الوزير أن "ماسبيرو" نفسه فقد أثره. لم يتذكر "النمنم" أن وزارة الثقافة نفسها قد بددت أصولا وموارد ضخمة، فيما عرف بقضية خصخصة قصور السنيما، وأن الدولة لازالت تملك أصولا وقاعات عرض انتهت مدة تأجيرها للقطاع الخاص، ولم تحرك ساكنًا لاستعادتها واستثمارها.