تحولات جذرية عديدة شهدتها وزارة الخارجية خلال الفترات الماضية، وبالتحديد فى أعقاب 30 يونيو، التى أطاحت بالإخوان وحكم الرئيس المعزول محمد مرسي، حيث فرضت تلك التغيرات على الدولة المصرية ضرورة التحرك السريع من أجل إيضاح الموقف المصري حول رفض حكم الإخوان، وإسقاطهم والتأكيد على أن ماحدث فى مصر ثورة وليست انقلاب، فضلا عن إنهاء حالة المقاطعة التى لجأت إليها بعض الدول الأجنبية ضد مصر بعد إسقاط مرسي. "التحرير" ترصد التحولات التى شهدتها وزارة الخارجية خلال السنوات الماضية، لاسيما تحت ولاية سامح شكري وزير الخارجية الحالي، وأبرز الإنجازات والإخفاقات التى حققها الوزير الحالي، ونتائج الزيارات الرسمية للدولة المصرية لبلدان الغرب. من هو السفير سامح شكري؟ التحق السفير سامح شكري بالسلك الدبلوماسي في عام 1976، حيث عمل كسفير في سفارات مصر بلندن وبوينس آيرس، والبعثة المصرية الدائمة في نيويورك. بالإضافة إلى ذلك، ورأس شكري القسم الخاص بالولاياتالمتحدة وكندا في وزارة الخارجية المصرية 1994-1995، وكان سفيرا مصر في الولاياتالمتحدة من 24 سبتمبر 2008 حتى 2012 وحاصل على ليسانس الحقوق من جامعة عين شمس وهو متزوج وله ابنان. كما عمل شكرى مندوبا لمصر في مقر الأممالمتحدةبجنيف من (2005-2008) ومديرا لمكتب وزير الخارجية أحمد أبو الغيط (2005-2004) وسفيرا لمصر في النمسا والممثل الدائم لمصر لدى المنظمات الدولية في فيينا (1999-2003). وفي مارس 2011، سُربت برقية دبلوماسية أمريكية صادرة من بعثة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدةبجنيف، سويسرا عن قلقها من صلابة السفير المصري سامح شكري ومواقفه الهجومية التي تخرج في أحيان كثيرة عن الخط السياسي للنظام المصري. وتقول البرقية الصادرة في 2 يوليو 2008، إن التحفظات على شكري تجسدت بوضوح في عمله بمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وإن الوفد المصري هو من أكثر الوفود صعوبة في التعامل، حيث يحشد الدعم لمواقف لا تؤيدها الولاياتالمتحدة. وتعطي البرقية مثالا على تصرفات شكري بسردها لمداخلته في مارس 2008 في جلسة مجلس حقوق الإنسان التي أكد خلالها أن هناك مقاومة فلسطينية تقاتل محتلا أجنبيا لأرضها وأن ما تفعله هو دفاع مشروع عن النفس، وأن تلك المداخلة كانت أثناء انخراط الحكومة المصرية في جهود السلام في الشرق الأوسط، إلا أن شكري تجاهل ذلك ولم يتطرق له في كلمته. مداخلة شكري أدهشت الدبلوماسيين الأمريكيين في جنيف، لأنها جاءت بعد أيام من تصريح وزير الخارجية المصري بأن على الفصائل الفلسطينية ضبط النفس لتجنب الإضرار بعملية السلام. وتتطرق البرقية إلى موقف الوفد المصري الرافض لإعطاء ثقل أكبر للمنظمات غير الحكومية في عمل المجلس، وتقول إن شكري عمد إلى عدم التصويت في الجلسات التي تخصص لهذا الشأن، غير أن مساعديه كانوا يعملون بنشاط على حشد الدعم لتوجه الوفد المصري. كما تشكو البرقية من فظاظة مداخلات الوفد المصري، ليس فقط بحق المنظمات غير الحكومية، بل بحق رئيسة المجلس الكندية لويز آربور. وكان الوفد المصري (بقيادة شكري) قد قاد –حسب البرقية- حملة ضد مشروع تقدمت به المنظمات غير الحكومية تربط الإسلام بانتهاك حقوق الإنسان في قضايا مثل جرائم الشرف وختان البنات (البرقية استخدمت مصطلح: تشويه الأعضاء التناسلية للإناث) وأعلن أن الإسلام "لن يتم تشويهه"، وضغط باتجاه تشريع عدم انتقاد الإسلام أو أي ديانة أخرى داخل المجلس، لأن ذلك من شأنه تأجيج مشاكل مرتبطة بحقوق الإنسان. وتخصص البرقية قسما لاستعراض شخصية السفير المصري سامح شكري وتقول إن مظهر شكري المتأنق على أحدث طراز ولباقته، لايتناسبان مع فظاظته خاصة مع الدبلوماسيين الغربيين، والضيوف الذين يأتون إلى السفارة المصرية بصحبة مسئولين أمريكيين. 7 وزراء للخارجية منذ 1991 حتى 2016 تقلد منصب وزير الخارجية السفير عمرو موسى منذ 20 مايو 1991 حتى 15 مايو 2001، ثم تولى أحمد ماهر المنصب منذ 15 مايو 2001 حتى يوليو 2004، ثم تولى السفير اأحمد أبو الغيط المنصب منذ يوليو 2004 حتى مارس 2011، قبل أن يذهب لتقلد منصب أمانه الجامعة العربية فى 2016، وتولى خلفا للسفير أبو الغيط السفير نبيل العربي منذ 7 مارس حتى 15 مايو 2011، ثم تولى السفيرمحمد العرابي منذ 6 يونيو حتى 16 يوليو 2011، ثم تولى السفير محمد كامل منذ 18 يوليو حتى 16 يوليو 2013، فيما تولى السفير نبيل فهمي المنصب منذ 16 يوليو 2013 حتى 8 يونيو 2014، بينما تولى السفير سامح شكري المنصب رسميا منذ 17 يونيو 2014 حتى الآن. سياسة الوزير اعتمد السفير سامح شكري وزير الخارجية الحالي، فى حركته الدبلوماسية على 3 أمور رئيسية، الأول تطهير الوزارة من التابعين لجماعة الإخوان، الذين تم تمكينهم فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسي قبل الإطاحه به، والأمر الثاني الإطاحة بمن تخلوا عن الدفاع عن مصر خارجيًا فى معركتها مع الغرب كما ينبغى بعد 30 يونيو، والأمر الثالث تغيير صورة ثورة 30 يونيو أمام مختلف دول الغرب، والأمر الرابع اإخراج مصر من عزلتها بعد الإطاحة بالإخوان، والأمر الخامس تأمين مصر بصفقات سلاح قوية تضمن لها مناقسة باقى الدول فى الإقليم. بحسب تصريحات وزير الخارجية السفير سامح شكري بعد حلفه اليمين الدستورية، فإن أهم تكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسي له وللحكومة الجديدة، فيما يخص السياسة الخارجية، كانت الاستمرار والعمل على تدعيم العلاقات المتوازنة مع كافة دول العالم، والسعي من أجل تحقيق المصالح الوطنية المصرية، وتجاوز التحديات العديدة التي تواجهنا من خلال التعاون مع شركائنا. إنجازات يرى بعض الدبلوماسيين، أن وزارة الخارجية خلال فترة تولى السفير سامح شكري مهام عمله، شهدت بعض النجاحات والإخفاقات فى العمل الدبلوماسي، فعلى صعيد الإنجازات نجحت الخارجية المصرية فى إخراج مصر من نطاق الحليف لقوة واحدة، تجاه المزيد من العلاقات الخارجية المتوازنة والمتنوعة، فبلغ التقارب الاستراتيجى مع روسيا مراحل متقدمة، كما عكست الزيارات المتبادلة بين الرئيس عبد الفتاح السيسي والقادة الأفارقة تحولا مشهودا في العلاقات المصرية الإفريقية بعد ما يقرب من 30 عاما على فتورها، حيث جاءت زيارة الرئيس السيسي إلى كل من الخرطوم وإثيوبيا في مارس الماضي، خطوة لبحث سبل توطيد العلاقات الثنائية بمزيد من التعاون المشترك. كما استطاعت الدبلوماسية فى تأمين صفقات عسكرية مهمة كان من بينها صفقة الطائرات الفرنسية الرافال، والمدمرة الفرنسية ميسترال، والغواصات الألمانية، أما العلاقات مع الولاياتالمتحدة فقد شهدت هى أيضا تطورا إيجابيا ملموسا مع إطلاق الحوار الاستراتيجى واستئناف المساعدات العسكرية لمصر. دخلت مصر وشركاؤها الآسيويون في علاقات جديدة تمثلت في التعاون الاقتصادي على أساس المنفعة المتبادلة، وتحويل ذلك التعاون من علاقة بين الحكومات فقط إلى علاقة تستوعب قوى المجتمع الاقتصادي ككل وفي مقدمتها رجال الأعمال. وشهد عام 2015، أيضا تنشيطا ملحوظا للعلاقات المصرية الإفريقية، فكانت الزيارات العديدة التى قام بها كبار المسئولين فى الدولة وعدد من الوزراء على رأسهم وزير الخارجية سامح شكرى إلى العديد من الدول الإفريقية، وشهد العام أيضا إطلاق مبادرة التكتلات الثلاثة لدول الكوميسا من مدينة شرم الشيخ. وعلى عكس الهيمنة الأمريكة على علاقات مصر الاستراتيجية والاعتماد عليها خلال فترات الحكم السابقة، أبرزت التوجهات المصرية الخارجية توازنا ملحوظا حيث شهدت تحولا نحو دول أوروبا، خاصة روسيا وقبرص واليونان وإسبانيا. فضلا عن إعادة هيكلة الوزارة داخليًا فيما يتعلق بتعيين مساعدين جدد فى مجالات مهمة بالنسبة لمصر، يأتى القطاع الأوروبى من أهمها حيث هناك رغبة لتحسين العلاقات المصرية الأوربية، وكذلك المجالان العربى والأفريقى الذى يعد أولوية لسياسة مصر الخارجية منذ 30 يونيو، وهو ما ظهر فى الحركة الدبلوماسية التى اعتمدها الرئيس عبد الفتاح السيسي فى 21 يونيو 2015، حيث شهدت تغييرًا كبيرًا فى هيكل الوزارة، حيث تم ترشيح 6 من مساعدين الوزير كسفراء لمصر بعدد من العواصم، وعلى الرغم من أن العلاقات الدبلوماسية المصرية الإسرائيلية كانت مقطوعة منذ قررت مصر سحب سفيرها فى تل أبيب فبراير 2012 اعتراضًا على الضربة الإسرائيلية لقطاع غزة إلا أن الحركة الدبلوماسية اشتملت تعيين سفير جديد لمصر فى تل أبيب، وهو السفير حازم خيرت خلفًا للسفير عاطف سالم. ويرى المراقبون، أن السياسة الخارجية المصرية نجحت فى إنهاء حالة العزلة الدولية ضد القاهرة، وذلك مع عقد مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادى فى مارس الماضي. وظهر دور مصر فى دعم حوار الأشقاء الليبيين بما يخدم تشكيل حكومة وحدة وطنية تحافظ على بناء الدولة الليبية، كما شهدت القضية السورية أيضا انخراطا ونشاطا مصريا ملحوظا برعايتها لمؤتمرات القاهرة للمعارضة السورية وموقف مصر الداعى لضرورة الحفاظ على الدولة السورية، ومكوناتها ومقدرتها كاملة خلال جهود التسوية، وكانت مصر شريكا حاضرا ومؤثرا فى المؤتمرات الدولية حول الأزمة السورية، كان آخرها فيينا1 و2 وهما اللذان وضعا خارطة طريق نحو التسوية، وفى خضم انشغال العالم بهذه القضايا، أطلقت مصر صفارات الإنذار إزاء ما شهدته القدسالمحتلة ومقدساتها الاسلامية من انتهاكات، كما برز التعاون المصري السعودي في مشاركة مصر في عاصفة الحزم التي قادتها المملكة للحفاظ على أمنها القومي فضلا عن الأمن العربي. إخفاقات على الرغم من النجاحات التى حققتها الدبلوماسية المصرية لإعادة التوازن الإقليمي والدولي لمصر خارجيا، إلا انها شهدت أيضا بعض الإخفاقات على الصعيد الدولي يكمن أبرزها فى قضية سد النهضة التى يري الكثير من الدبلوماسيين فشل مصر فى تلك القضية على المستوى الدبلوماسي فى ظل نجاح أثيوبيا فى كسب المزيد من الوقت وإطالة المفاوضات حول القضية لعرقلة كسب مصر أشواطا فى تلك القضية. وحاول وزير الخارجية تبرير عدم فشل مصر فى مفاوضات سد النهضة، خلال تصريحاته بالمؤتمر الصحفي الذى عقد فى 10 ديسمبر 2015 بالخرطوم، فور وصوله برفقه دكتور حسام مغازي وزير الموارد المائية والري لحضور الاجتماع السداسي لوزراء الخارجية والمياه في مصر والسودان وإثيوبيا، مؤكدا أننا "قطعنا شوطا كبيرا في بناء الثقة مع الأشقاء في إثيوبيا ولا صحة مطلقا لما يتردد عن عدم تحقق نتائج إيجابية في مفاوضات سد النهضة أو افتراض الفشل"، مضيفا أن مصر بلد مؤسسات وأن ملف سد النهضة به جوانب سياسية وفنية وأمنية واستراتيجية تتعاون فيها جميع الجهات المعنية كل في تخصصه ويكمل بعضنا بعضا. وظهر التحدي الأكبر أمام الدبلوماسية المصرية فى إعادة العلاقات لطبيعتها مع موسكو، إزاء حادث سقوط الطائرة الروسية بسيناء، وهو ما استلزم معه اتخاذ الجانب الروسي العديد من الإجراءات التى رأها البعض عقابية ضد مصر، وحتى اللحظة الراهنة لاتزال التحقيقات المشتركة بين الجانبين قائمة ولم تنته، فى الوقت الذى لم تنجح فيه الدبلوماسية المصرية فى إنهاء تلك الأزمة التى خلفت بعض المشكلات الدبلوماسية بين الجانبين. ليس هذا فحسب بل دخلت وزارة الخارجية فى فلك أزمة جديدة مع إيطاليا تلك المرة، بعد مقتل الطالب الإيطالي جوليو ريجيني، والذى تسبب الغموض حول وفاته والتسريبات التى تشير إلى مقتله نتيجة التعذيب على أيدى أفراد الأمن، فى توتر العلاقات نسبيا بين مصر وإيطاليا وهو ما دفع الرئيس عبد الفتاح السيسي نفسه للتدخل بإرسال رسائل مباشرة للجانب الإيطالي بأنه سيتم كشف نتائج التحقيقات فى تلك القضية بشفافية تامة ومطلقة. اللافت للنظر، أن البرلمان الأوروبي أصدر بيان مؤخرا ندد فيه بتعرض الطالب الإيطالي ريجيني للتعذيب والقتل في ظروف متشابكة، مجددا مطلبه بوقف المساعدات المقدمة إلى مصر حتى يتم حماية الأوروبيين من مصير ريجيني واتخاذ خطوات جادة تجاه انتهاكات حقوق الإنسان في مصر، مؤكدا أن ما تعرض له الطالب الإيطالي يأتي في إطار حالات مشابهة وليست واقعة فردية، الأمر الذي دفع وزارة الخارجية المصرية إلى إصدار بيان رافض لما تناوله بيان البرلمان الأوروبي، مؤكدا أن ذلك "استباق لمجريات التحقيق في القضية التي لازال العمل فيها جاريا بين السلطات المصرية والإيطالية". سقطات الوزير وفى واقعة غريبة تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية، قام السفير سامح شكري وزير الخارجية خلال كلمته في البيان الختامي وذلك بعد الإجتماع السداسي بخصوص سد النهضة الأثيوبي بالعاصمة السودانية الخرطوم فى 12 ديسمبر 2015، بالإطاحة بميكروفون قناة الجزيرة. بدأت الواقعة، مع دخول السفير سامح شكري وزير الخارجية المصرى، القاعة الرئيسية للإعلان عن نتائج المفاوضات السداسية، وفوجىء بوضع ميكرفون عليه لوجو قناة الجزيرة، أمام المقعد المخصص للوفد المصرى، رغم وجود كافة "الميكرفونات" الخاصة بكل القنوات الفضائية السودانية المحلية والعالمية، أمام المقعد المخصص للوفد السودانى، باعتباره رئيس الجلسة، والمفوض بالحديث لإعلان نتائج المفاوضات. وخاطب شكري أعضاء الوفد وحسام مغازي وزير الري والموارد المائية، الذي كان واقفًا قبل أن يجلس علي المقعد المخصص له قائلًا: «شيلوا الميكروفون ده من قدامي»، ثم قام بإلقائه أسفل طاولة الاجتماعات ما أدى إلى تحطمه. وعلق أحد أعضاء الوفد المصرى المشارك قائلًا: "تصرف الوزير كان ضرورى، لأن وجود الميكرفون، كان اقحام من المراسل، لخصوصية مقعد الوزير الذى لم يكن مخول بالحديث، وقد يكون وراؤه هدف كالاستماع للتعليقات أو الاحاديث الجانبية الخاصة بالوفد المصرى المشارك فى الاجتماعات. وفي سقطه أخرى، قال شكري خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيرته المكسيكية، بعد حادث قتل السياح المكسيكيين في سيوة، عبارة end of text "نهاية الكلام"، وهو ما قوبل بسيل من التعليقات الساخرة على وسائل التواصل الاجتماعي.