تسعد.. مثل قديم ولكنه كثيرًا ما يثبت صحته.. ربما تلاحظ فى بلد ما أن سكانه يكثرون من الابتسام والضحك، وتتساءل مثلى هل هؤلاء الناس سعداء حقا؟ من أسعد شعوب الأرض؟ وهل يدركون أنهم سعداء؟ وما وصفة السعادة فى بلادهم؟ إذا كنت حزينًا وظهر حزنك للآخرين فقد يحاول بعضهم مساعدتك على الأقل بإبداء مشاعر التعاطف نحوك، بعدها ربما تشعر بغيابهم بعض الشىء، وهذا ما يحدث فى بعض البلاد، هم يحبون السعداء، يلتفون حولهم، وتلك عادة فى كثير من الناس، يخفون آلامهم كى لا ينفر منهم الآخرون فلا يجدون إلا الوحدة سلوى لهم. أعرف بعض الناس إذا سألتهم عن أحوالهم فى يوم يجيبون بأنهم فى أفضل حال، وأنهم سعداء جدًّا، ويبدؤون فى قص أخبارهم السارة، وأجدنى أتساءل ألا يخشون الحسد؟ فى الواقع هم يخشون الشفقة أو الوحدة أكثر من خشيتهم للحسد.. هم أشخاص طبيعيون مثلنا يحزنون ويفرحون ولكنهم يوسعون مجالس وأوقات الفرح ويتحاكون عنها ،ويدفنون أحزانهم ، يحاولون التأقلم على الحياة، تجدهم يرفعون شعار: الحياة قصيرة. أسعد بلاد الأرض هى السويد وفقًا لتقريرعام 2016، قيل إنه ربما لأنها تشتمل على بعض مما يتميز به جميع جيرانها، فلديها المدن الحديثة المميزة، والجبال والبحار والجزرمما يخلق جوًّا من البهجة لسكانها. كان ذلك وفقًا لتقرير سنوى تجريه هيئة للتنمية تابعة للأمم المتحدة، ويهدفون منه تحفيز حكومات العالم على إسعاد مواطنيها، يعتمدون فى وضع تقريرهم السنوى على قياس تطلعات الحياة للشعوب، ومقدار الدخل الفردى، والعلاقات الاجتماعية، ومستوى الفساد فى الدولة، وسكانها. أذكر أندرو، لفت نظرى أنه كان دائمًا سعيدًا، كان يقوم بأعمال دهانات الحوائط وأعمال النجارة والسباكة فى البيت الذى نقطنه فى أيرلندا.. كلما احتجناه فى شىء كان يأتى سريعًا لأداء العمل المطلوب بمهارة فائقة وسرعة، وكنت أسمعه يغنى دائمًا وهو يعمل، وعندما تحدثه تجده بشوش الوجه متأدبًا فى الحديث.. فى أحد أوقات احتفالات العام الجديد اتصلنا به وأردنا أن نقدم له هدية كعادة الشعوب الغربية، وكنا لا نعرف عنوانه، فحضر إلى البيت ليأخذ هديته منا، وقبل أن يأخذها قدم لنا هديته علبة شيكولاتة جميلة. غاب أندرو ولم نعرف أخباره، وعندما سألت عليه إحدى الجارات التى كانت تتعامل معه، قالت إنه مرض بمرض خطير، لا يرد على هاتفه ولا نعرف عنوانه. حزنت من أن أجله ودعوت له وتأملت فى هذه الحياة الغريبة التى إذا تغلب عليها المرء بالرضا والسعادة غلبته بمنغصاتها المفاجئة. يقول كاتبنا مصطفى محمود إن السعادة لا يمكن أن تكون فقط فى المال أو القوة أو السلطة، وإنما بما نفعله بهذه الأشياء.. ويرى أنيس منصور أن السعادة تنتقل بالعدوى بين الناس ويوصى القارئ بألا ينتظر العدوى، وأن يكون حاملاً للميكروب.. ويقول فولتير الكاتب العالمى إن السعيد هو الذى يستمتع بالعالم، والأكثر سعادة منه هو الذى يهرب منه ولا يعيره أهمية. هناك قصص كثيرة منها قميص الرجل السعيد ، فيحكى أن سلطانًا تعيسًا كان يبحث عن السعادة فدلوه على رجل فقير سعيد دائمًا، فأمر بإحضار ردائه الممزق ولبسه ولم يشعر بسعادة وعرف منه أن السعادة فى طيبة القلب والرضا بما قسم له الله فى الحياة. أرى أن السعادة فى راحة الضمير وصفاء النفس، أن تسعد الآخرين بأى شىء ولو قليل، أن تسامح وتغسل القلب من الهموم بالتقرب إلى الله والدعاء، كما قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- قل آمنت بالله ثم استقم.