الرواية أكثر تسامحًا من الشعر.. وواجهت صعوبة فى الكتابة بلسان رجل مغامرة جديدة تخوضها الكاتبة والشاعرة سهير المصادفة فى أحدث إصداراتها الروائية «رحلة الضباع»، حيث الحديث بلسان رجل، وهى تجربة لم يقدم عليها فى العالم العربى سوى عدد محدود من الكاتبات. استطاعت المصادفة أن تسرد وتترجم ببراعة مشاعر الرجل تجاه الأنثى، لتؤكد أن الكتابة لا تنتمى لجنس معين وإنما هى رؤية كونية لقطبى الحياة الرجل والمرأة. ■ هل واجهت صعوبة فى خلق شخصيات «رحلة الضباع»، وما أهم الأفكار التى تضمنتها تلك الرحلة؟ - لا أستغرق زمنا قصيرا فى خلق شخوص الرواية وإنما أترك لها براحا زمنيا لكى تتحرك وتتطور وتظهر بصورتها النهائية، والرحلة عن الحرب والحب، موت حضارة وأسباب هذا الموت، وعمن يظن أنه يمتلك اليقين بشكل مطلق، تدور أيضا عن علاقة الرجل بالمرأة وهذا لا يؤذينى، فأنا أرى أن كتابة رواية هى كتابة قصة حب، وهذه مقولة تكاد تكون مانفستو للروائيين فى العالم كله، الرواية هى قصة حب طويلة كانت منذ الأزل وستظل هكذا. ■ خضت تجربة الكتابة بلسان الرجل، وتلك المغامرة لم يخضها فى العالم العربى سوى عدد محدود من الكاتبات.. ألم تشعرى بالقلق؟ - فى البداية لم تنتظم معى وشعرت بصعوبتها، وبررت ذلك داخل الرواية وقلت إن فلوبير صرخ وقال «أنا مدام بوفارى». حينما يقدم الرجل على الكتابة عن المرأة يكون بين الرجل والمرأة، بمعنى لا يكون امرأة مطلقا أو رجلا. رأينا هذا مع إحسان عبد القدوس وفلوبير ونزار قبانى وكل من كتبوا على لسان المرأة يصفون أحاسيسها، وهذا دليل جديد على أن الكتابة لا تنتمى لجنس ذكورى ولا يمكن تصنيفها بأنها ذكورية أو نسوية وإنما هى رؤى كونية لقطبى الحياة. ■ الرواية بها جرأة غير عادية، هل كنت تقصدين ذلك، أم أن الأحداث هى ما أملت عليك ذلك؟ - الحقيقة لا أعرف عن ماذا نكتب إذا لم نكتب عن ما لم يكتب عنه من قبل، إذا تمت الكتابة عما هو معروف لدى المجتمع فلماذا نكتب؟ القلم فى يد الروائى هو قلم تشريحى لمسالك وجماليات المجتمع، مشرط حقيقى لكى يكتب الروائى عن المسكوت عنه. نحن لا نريد من الروائى أن يكتب المتاح أو المعروف لدى المجتمع لأن هذا لن يفيد المجتمع، يقوم بهذا كتاب المقالات والمتابعون والكاميرا الفوتوغرافية، لكنه يكتب بالضرورة عن المسكوت عنه على مستوى الرؤى والظواهر الاجتماعية أو رؤيته لمستقبل العلاقات بين شخوصه، لا يعنينى أين وصلت رؤى المجتمع فى علاقة الرجل والمرأة، ولكنى أبحث عن جديد هذه العلاقة، ووجدته فى تعليمها الكتابة وعدم قمع حقوقها، ومشاركتها فى كتابة أضابير التاريخ. ■ تبدو المرأة فى رواياتك مقهورة من الرجل ولكنها فى الوقت ذاته تملك شخصية قوية وهدفا فكيف تجمع بين هذه الصفات؟ - هى كذلك دائما، من يريد أن يبتذل مفهوم المرأة أو يصفها بالجناح الأضعف فهو مخدوع، المرأة تكاد تساوى الحياة بشكل عام، المرأة مصنع الحياة. الصراع الدائم بين الرجل والمرأة سببه أن الرجل لا يفهم هذا فى بعض ثقافات الشعوب، لا يعرف أنها مصنع الحياة، ولا يفهم أنها وهى الأم والمربية والعائلة أن هذا لا يقلل من دوره إلا إذا كان يرى الحياة كما يراها عمر بن عدى، حربا وسطوا وغزوا وامتلاك يقين. ■ ذكرت فى أحد اللقاءات بأن المرأة لم تكتب بعد، فكيف هذا؟ - بإحصائية عادلة نجد أن كل الأصوات النسائية التى وصلت إلينا منذ قرن هى أصوات خجولة كتبت على استحياء، وبأسماء مستعارة، هناك نساء كتبن بأسماء رجال لأنهن كن فى الحرملك، وأعتقد أن المرأة ينبغى أن تشارك فى كتابة التاريخ، فمن أدرانا أن من قاموا بهذا من الرجال مثل الأصفهانى والجبرتى غير منحازين لتاريخ الذكورة؟ ما الذى يدرينى أنهم لم يحذفوا إنجازات المرأة الكاتبة عبر قرون، حيث لم يتبق منهن إلا الخنساء. المرأة منذ قرن بدأت تكتب بأعداد غير مسبوقة وهذا يؤهلها للمشاركة، بينما كانت مكبوتة فى الماضى، حيث كان منجزها أنها جارية تُسمِع الخلفاء والأمراء صوتها الجميل، المزين بجسد جميل، حتى هذا التراث كله لم يصل إلينا وهى تغنى وتلحن قصائدها إلا النذر القليل. ■ ولكن هل المرأة غامضة إلى هذا الحد كما ظهرت فى لهو الأبالسة ورحلة الضباع؟ - لأكثر من سبب أراها غامضة للغاية، لأنها فى مجتمع مغلق، البطل يسأل فى رحلة الضباع لماذا تكذب المرأة أحيانا، لحمايتنا أم أنها تعاملنا على أننا أبناؤها؟ لأنها كما ذكرت صانعة الحياة فلا بد لها أن تحافظ على هذه الحياة، حتى هذه اللحظة لا تزال لا تستطيع أن تقول إنها تملك كتابا أو مخطوطا خوفا من البحث عنها فى هذا المخطوط، ما زلت حتى هذا العمر ورغم أنى أتمتع بحرية كاملة وعائلة تعرف ماذا أكتب إلا أننى أكتب فى مسودات غريبة الشكل، وهذا ما اعتدت عليه منذ المرحلة الثانوية من التعليم خوفا من أن يرى والدى أو شقيقى ما أكتب، لا يستطيع أن يفك شفرة المسودة سواى. فعلت ذلك فى البداية لأنى كنت أكتب عن خجل من تختبر الكتابة وتحاول أن تمتهنها فى محطتها الأولى، أنا المترجمة الوحيدة لقهر الأنثى عبر سنوات. ■ تمارسين كتابة الرواية والشعر بالإضافة إلى الترجمة، فإلى أى مجال تنتمين؟ - الآن الرواية، لكنى ما زلت أكتب الشعر. الرواية معمار وبناء بينما الشعر لا يحتاج إلى عمل وإنما هو إلهامى أكثر، يأتى حين يأتى، الشعر قليل فالذى بقى من شعراء كبار لا يتعدى قصائد لأنه بطبعه عزيز، أحب الرواية لأنها الأكثر تسامحا من الشعر، هى تحتضن الشعر ولكنه لا يحتضن الرواية، فهو لا يقبل إلا الشعر الذى يشبهه بينما تقبل الرواية كل الفنون بما فيها العادات والتقاليد الشعبية، هى معمار هندسى يقبل كل الأجناس الأدبية ولذا أنا متورطة فى كتابتها. ■ يلعب الزمن دورا هاما فى كتابتك لماذا؟ - الجديد فى كتابتى أن الزمن كما أراه على المستوى الفلسفى دائرى، استخدمت هذا الزمن فى «ميس إيجبت» و«رحلة الضباع»، بمعنى أنه دائرة وليس منطلقا فى الفراغ إلى الأبد، الزمن ليس متسلسلا لدىّ إلى ماض وحاضر ومستقبل، وإنما هو مثل ما كتبت عن رحلة الضباع وما سبقها، زمن مثل كرة البينج بونج يمكن أن ينتقل بسلاسة وسهولة، وأنا عموما لا أخاف الزمن وإنما أقرؤه جيدا كما أفهمه، أنه رحلة متصلة بين الماضى والحاضر والمستقبل. ■ هل ترين أن سلسلة الجوائز نجحت فى تعريف القارئ المصرى بالأدب الغربى؟ - سلسلة الجوائز نجحت بالفعل لأنها الوحيدة التى كانت السوق المصرية متعطشة لها. كنا ننتظر هذه الكتب من دور نشر مثل «المدى» و«الجمل» فى معرض الكتاب، وأنا عندما فكرت فى السلسلة فكرت أن علينا أن نوفر للقارئ المصرى كتابا متفقا على أهميته فى المشهد الأدبى الأجنبى قبل العربى وأن يكون إضافة للمكتبة العربية.