في 12 فبراير عام 1949 أغتيل حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في شارع الملكة نازلى "رمسيس حاليا"، أثناء خروجه من مقر جمعية الشبان المسلمين، على يد مجهولين أطلقا عليه 7 رصاصات، حيث نقل إلى مستشفى القصر العيني لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة هناك.. ثارت العديد من الشائعات حول مقتله، وأصبح السؤال الكبير على مدار نحو 60 عاما هو: من قتل حسن البنا..؟ تبنت الإخوان منذ ذلك التاريخ رواية تتهم الملك فاروق والحكومة باغتياله في أعقاب اغتيال النظام الخاص بالجماعة "الجناح العسكري" للنقراشي باشا رئيس الوزراء، في حين رأت بعض الآراء أن الملك فاروق برئ من تلك الحادثة وأن النظام الخاص هو المتورط فيها نتيجة الخلافات الشديدة التى نشبت بين البنا وعبد الرحمن السندي رئيس النظام والتي أعقبها بيان البنا "ليسوا إخوانًا وليسوا مسلمين".. صلاح شادي في مذكرات صلاح شادي القيادي السابق في النظام الخاص لجماعة الإخوان المسلمين والتي كانت بعنوان "صفحات من التاريخ.. حصاد العمر"، عام 1987، يقول في صفحة 106 عن هذا الحادث: في يوم 12 فبراير 1949 تلقى الإمام حسن البنا استدعاء مجهولا الى المركز العام لجمعيات الشبان المسلمين قبيل غروب شمس هذا اليوم، وبينما كان يهم بركوب السيارة الأجرة التي كان يستقلها مع صهره عبد الكريم منصور، أطفئت أنوار شارع الملكة نازلي الذي كان يقع فيه بناء الجمعية، وأطلق عليه المخبر أحمد حسين جاد الرصاص، وصعد المرشد على سلالم دار الشبان بالرغم من إصابته، وطلبة عربة الإسعاف بنفسه تليفونيا، وحملته العربة إلى القصر العيني حيث لاقى ربه بسبب النزيف الذي لحقه من إصابته. ويواصل صلاح شادي روايته في نفس الصفحة لقد أراد إبراهيم عبدالهادي رئيس الوزراء أن يقدم رأس حسن البنا هدية للملك فاروق في العيد السنوي لجلوسه المشؤوم على عرش مصر وهو يوم 12 فبراير 1949· محمد نجيب كشف القيادى الإخواني محمد نجيب عضو التنظيم الخاص، وأقدم المتبقين من الرعيل الأول للإخوان أن البنا كان على علاقة جيدة جدا بالملك فاروق، لدرجة أنه يوم زواجه سنة 1937 قامت الجوالة الإخوانية، بأوامر من البنا، وهتفت للملك وبعدها توطدت العلاقات بينهما. وأضاف في تصريحات سابقة ل "العربية نت": أن الإخوان كانوا أيضا على علاقة جيدة برئيس الوزراء ورئيس الديوان الملكي علي ماهر، وحدثت بينهم بالفعل عدة لقاءات ومقابلات ولكنها غير مشهورة، ولم تشر إليها الكتابات الخاصة بالإخوان أو غيرهم. وتابع بأن الملك كان وقتها يقابل أعضاء الإخوان بشكل طبيعي، وكان متعاطفا جدا معهم. وعندما سئل عن تناقض ذلك مع كتابات الإخوان حول علاقتهم بالملك فاروق، ويعتبرونه المتهم الرئيسي في عملية الاغتيال، قال نجيب: "هذا رأيي في الملك فاروق ولدي ما يدعمه، وأعتذر لقيادات الإخوان؛ لأنني أعرف جيدا أنهم لا يتفقون معي فيه، بل وربما يثير هذا الرأي مشاكل داخل الجماعة". وعن رأيه في سر طمس علاقة الإخوان بالملك فاروق في كتاباتهم قال نجيب: "لأن الإخوان اتهموا فاروق بأنه وراء قتل البنا، فكيف يتكلمون عنه في كتاباتهم بعد ذلك. الحقيقة المؤكدة أن الملك فاروق بريء من هذا الاتهام، وبريء من دم البنا، ولم يشارك أو يسعى في قتله، وهذا لا يعرفه إلا عدد قليل جدا من قيادات الإخوان، مات معظمهم ولم يتبق منهم إلا القليلون". أحمد عادل كمال في روايته عن اغتيال البنا، يقول أحمد عادل كمال القيادي في النظام الخاص في مذكراته بعنوان "النقط فوق الحروف"، إنه كانت هناك اجتماعات تتم بين المرشد وبين الحكومة في دار جمعية الشبان المسلمين بشارع الملكة نزلي عن طريق وسطاء لحل الخلافات بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، ويقول إن هذه الاتصالات كانت تتم مع الوزير مصطفى مرعي في لجنة ضمت صالح حرب باشا وزكي علي باشا ومصطفى أمين، ولكن مصطفى مرعي رفض الاستمرار في الوساطة على أثر حادث المحكمة، وهو الحادث الذي قام فيه أعضاء الجهاز العسكري السري للإخوان المسلمين بمحاولة نسف محكمة استئناف القاهرة في 13 يناير 1949. ثم يتابع كمال: "لم يكل الأستاذ.. فعاود الاتصال عن طريق رجل آخر اسمه محمد الناغي، كان يمت الى إبراهيم عبد الهادي رئيس الوزراء بصلة قرابة، وكان لقاؤهم يتم في دار جمعية الشبان المسلمين بشارع الملكة نازلي"، ثم يقول في الصفحة 299: "وخرج الأستاذ من دار الجمعية وبصحبته صهره الأستاذ عبد الكريم منصور المحامي، فكان المرور مقطوعا بهذا الجزء من الشارع الذي هو أكبر وأطول شوارع القاهرة، وكذلك كانت الإضاءة مقطوعة والظلام يخيم على المكان.. كانوا قد استدعوا سيارة أجرة ركبها الأستاذ البنا والأستاذ عبد الكريم، وقبل أن تتحرك تقدم منها شخصان مسلحان بالمسدسات، وراح أحدهما يطلق النار على الأستاذ داخل السيارة فأصابه برصاصات، وفتح الأستاذ البنا باب السيارة ونزل منها وأمسك ذلك المجرم بيده، فتقدم زميله المجرم الثاني لنجدته وأطلق النار على الأستاذ وانسحب بزميله، فعبرا الشارع إلى الجانب الآخر حيث ركبا سيارة كانت تنتظرهما وبها سائقها، فانطلقت بهما". ويتحدث أحمد عادل كمال عن مرشد للبوليس السياسي في جمعية الشبان المسلمين يدعى محمد الليثي، ويقول: "تمكن محمد الليثي وقد اجتاز شطر الشارع المخصص للترام أن يرى السيارة وأن يلتقط رقمها، واستطاع مراسل جريدة المصري أن يحصل على هذا الرقم من فم الليثي، وسارع به إلى جريدته التي بادرت بنشره صباح اليوم التالي، وصودرت الجريدة وأحرقت جميع نسخها، فقد كان الرقم هو رقم سيارة الأميرالاي محمود عبد المجيد، وكان الأميرالاي العميد محمود عبد المجيد هو وكيل وزارة الداخلية للأمن الجنائي". المفكر اليساري الدكتور رياض محرم في تحليله لعملية الاغتيال يقول المفكر اليساري الدكتور رياض محرم: "فيما يبدو أن احتمال مسئولية عبد الله السندي والنظام الخاص في جماعة الإخوان عن قتل حسن البنا هو الأقرب للحقيقة، ومما يرجّح هذا الاحتمال هو تطور الصراع داخل جسم الإخوان بين الجناح العسكرى "النظام الخاص" والجناح المدينى الذى إنحاز له حسن البنا بعد ان بدأ السندى ومجموعته فى التحليق بعيدا بعمليات متواترة منفردة، فمن قتل القاضى الخازندار وإغتيال سليم زكى والنقراشى ومحاولة نسف المحكمة وكان ذلك إستمرارا لسلسلة طويلة من التفجيرات والقتل سبقتها ما حدا بحسن البنا أن يقول أنه لو عاد به الزمن لما كان قد أنشأ هذا التنظيم العسكرى الدموى "لوكان قد استدبر من عمره ما استبدر"، فى هذا المناخ المحتقن والموبوء بدأت حرب الشائعات بين الطرفين فمن شائعة حول استياء أعضاء الجماعة من تصرف حسن البنا فى أموال الجماعة وكأنها أمواله الخاصة لدرجة أنه أنشأ شركة خاصة برأسمال 20 ألف جنية وعين سائقه الخاص عبد العزيز حسن مديراً لها ، وشائعة أخرى تتهم البنا بالتلاعب المالى والاستيلاء على بعض الأموال التى تم جمعها على سبيل الاكتتاب من الشعب لمساعدة فلسطين، وشائعة تتهم البنا بالتستر على فضائح أخلاقية ارتكبها صهره عبد الحكيم عابدين مع بعض زوجات وبنات أعضاء من الجماعة، وتدخل البنا شخصيا لعدم توقيع عقوبة عليه بالفصل". ويضيف محرم: "فى ظروف محنة الإخوان بعد وأثناء قرار الحل بدأ السندى يفرض سيطرته وأسلوبه الدموى على حركة الجماعة وردود أفعالها، وتم تهميش دور المرشد وانقلب السحر على الساحر، مع كامل إدراكنا أن البنا لم يكن بريئا تماما مما حدث، فهو من أنشأ هذا التنظيم الخاص وجعله تحت إمرته مباشرة، وكان يختار له أخلص وأقوى الأعضاء ليقسموا يمين الطاعة والولاء فى الغرفة المظلمة على المصحف والمسدس، وهو الذى رعى العمليات القذرة لهذا التنظيم ضد اليهود المصريين لدفعهم للهجرة إلى إسرائيل، على أن ما يرجح ضلوع التنظيم فى عملية الإغتيال أنه لم يتسرب بعد الحادث وقوع تحقيق داخلى فى الأمر كما جرت العادة، كما أن الإخوان لم يقوموا بأى محاولة للانتقام من الجناة الذين تحدثوا عنهم فى كتبهم ومذكراتهم بالرغم من عملياتهم اللاحقة لعملية اغتيال البنا ومنها عملية اغتيال المهندس سيد فايز الذى رأس النظام الخاص بعد إعتقال السندى وذلك بواسطة طرد من حلوى المولد يحتوى على مادة شديدة الانفجار فى يوم ذكرى المولد النبوى الشريف وذلك بإقرار قياداتهم".