لم يبق لكرامة النساء سوى آثار فى درب، تغيب وجوههن فى غيمة الدخان، تلك الوجوه التى تفيض بالشقاء بعدما أصبحت الإهانة والقهر والتهديد والمرارة مرادفات لحياتهن اليومية، وأمست العدالة فكرة غائبة بعد أن استشرى القمع والتوحش من رجال الشرطة، فها هى "ولاء سعد" التى صفعها أحد رجال الشرطة وطردها من عربة المترو، عندما أمسكت الباب وعطّلته بعد وجود عدد من الرجال بعربة السيدات، ومحاولة أحدهم التحرش لفظيا بإحدى الفتيات التى طالبت بصوت عال نزوله فى المحطة التالية، غير أنه تجاهل طلبها، وعلى رصيف المحطة التف حول "ولاء" رجال الشرطة، وأمطروها بوابل من الشتائم والكلمات الساخرة، قبل أن يقتادوها إلى غرفة مخصصة للأمن فى المحطة، وانتهى الأمر بغرامة مقدارها 600 جنيه، وغصّة قهر عميقة فى نفس "ولاء"، وصوت رنة الصفعة يدوّى فى أذنيها، وطعم الإهانة والذل يغمر فمها، فبدلا من معاقبة المتحرش، تمت معاقبة المنقذ. تزامن حدوث ذلك الحدث مع التعدى السافر لأحد أمناء الشرطة بمحافظة البحيرة على ممرضة داخل مستشفى "كوم حمادة" بحجة تأخرها فى المساعدة للكشف الطبى على ابنه، حدث هذا وما زالت قضية تعدى أمناء شرطة قسم المطرية على أطباء مستشفى المطرية مشتعلة.. لا ديمقراطية بدون مواطنة كاملة غير منقوصة للمرأة، ولا حياة بدون كرامة، ولا عدالة اجتماعية بدون مناهضة التمييز ضد المرأة، وإقرار المساواة بين الجنسين، والعمل بها وإصدار التشريعات والسياسات العامة لحماية حقوق النساء، وكذلك آليات تنفيذ هذه التشريعات والسياسات بطريقة عادلة ومنصفة للمرأة. ولن يتحقق ذلك بدون مشاركة منظمات المجتمع المدنى وبخاصة المنظمات النسائية فى المناقشات واستراتيجيات ومشروعات القوانين والسياسات، وذلك بشأن برامج العدالة الاجتماعية والعدالة الانتقالية، فمشاركة النساء فى الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية هى شروط أساسية للتقدم وللتطور الديمقراطى الذى بات بعيد المنال بعد صدور العديد من القوانين التى تحد من حرية التعبير، وتجرّم التظاهر والاحتجاج السلمى، واستخدام قانون الحسبة، وازدراء الأديان، لمصادرة الحق فى الاجتهاد وإعمال العقل.. إن إسهام المرأة فى العملية الديمقراطية يتطلب تغيير المنظومة الثقافية والاجتماعية المعادية لها، وفى إعادة إنتاج ثقافة بديلة مرتكزة على المساواة وعدم التمييز، والوجود الواسع فى الفضاء الثقافى والإبداعى والإعلامى، لقد تم تضمين 19 مادة للنساء فى دستور 2013 وهو ما يعد الانتصارالحقيقي لجموع النساء، تلك المواد التى جاءت بعد نضال طويل للحركة الديمقراطية المصرية، وهى المواد: (6،8،9،10،11،13،17،29،53 60،68،78،80،81،83،93،89،180،214) لذلك يقع على البرلمان المصرى مسئولية كبيرة فيما يتعلق بإصدار التشريعات والتعديلات القانونية بما يتوافق مع هذه الاستحقاقات الدستورية بجانب قوانين العدالة الانتقالية وأمن الفضاء المعلوماتى، والتظاهر والقوانين الخاصة بشئون الإعلام، وقوانين خاصة بالنقابات وغيرها. التشريعات الخاصة بالنساء: أولا تعديل قوانين قائمة * يجب تنقية قانون العقوبات من أى نصوص تمييزية، ومراجعة كل القوانين المتعلقة بالمرأة وتعديلها فى حال وجود تمييز بين الجنسين. وسوف نعطى بعض الأمثلة على هذه القوانين: * المادة 242 "مكرر" من قانون العقوبات والخاصة بتجريم ختان الإنات، فالعقوبة بها هزيلة ولا تحقق الردع العام ويجب تشديدها ورفع الحد الأدنى والأقصى للعقوبة. * تعديل قانون المواريث رقم 77 لسنة 43 الخالى من أى نصوص تعاقب على الحرمان من الميراث. * إلغاء التمييز فى نصوص التجريم والعقاب فى جريمة الزني والدعارة، حيث المرأة المتزوجة يثبت زناها فى أى مكان، أما الزوج فلا يثبت زناه إلا فى فراش الزوجية، كذلك فى جريمة الدعارة تحاكم المرأة ويتم التعامل مع الرجل المتلبس معها كشاهد رغم أنه شريك فى نفس الجرم. * تعديل المفاهيم والمصطلحات المستخدمة فى قانون 46 لسنة 2010 الخاص بالاتجار بالبشر واعتبار تزويج القاصرات نوعًا من الاتجار، لأن هذا غير معمول به فى القانون. * تعديل قانون العمل ليشمل العاملين بالزراعة وخدم المنازل، فالقانون الحالى يستثنيهم من مواده. تعديل قانون الأحوال الشخصية: إن جوهر التمييز فى قانون الأحوال الشخصية - النظام البطريركى للأسرة والمتمثل فى اعتبار الرجل رأس الأسرة القانونى الذى له الحقوق المطلقة فى تعدد الزوجات والطلاق والوصاية والولاية على الأطفال والإرث والتنقل، فما زالت المرأة تعانى من هذه المحددات الاجتماعية والثقافية والقانونية التى تمثل قيودًا على ممارسة حقوقها. القوانين الجديدة التى يجب أن يشرعها البرلمان: قانون لتجريم العنف ضد النساء: على الرغم من أن الدولة أعطت اهتماما خاصا لقضية العنف ضد النساء وبخاصة بعد الانتهاكات التى حدثت فى الميادين والشوارع العامة بعد ثورة 25 يناير فقامت بإطلاق وحدة متابعة جرائم العنف ضد المرأة فى مايو 2013، وإنشاء إدارات لمتابعة العنف ضد المرأة بمديريات الأمن وإنشاء وزارة العدل فى 2014 أربعة مكاتب داخل المحاكم لمساندة المرأة المعنفة. وتقديم الدعم القانونى والنفسى لها، ومبادرة وزارة التضامن الاجتماعى بتطوير وتحسين بيوت استضافة المرأة المعنّفة لتتسع فى المحافظات المختلفة، وإطلاق المجلس القومى للاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء عام 2015، ومدتها خمس سنوات بالتنسيق مع الوزارات المختلفة إلا أنه لا يوجد قانون خاص بمناهضة العنف ضد النساء، وعلى البرلمان أن يشرّع هذا القانون باعتباره استحقاقا دستوريا فى المادة (11). كما يجب إصدار قانون جديد ضد الجرائم الجنسية والاعتداء الجنسى والاغتصاب، لأن المواد الحالية فى قانون العقوبات غير كافية. ويجب أن يتضمن القانون وضع سياسات ضد التحرش الجنسى وجرائم العنف الجنسى بجميع المؤسسات والوزارات والكيانات الحكومية، وكذلك وضع آليات لمعاقبة مرتكبى هذه الجرائم. وطبقًا للمادة (11) أيضا يجب إصدار قانون يضمن حق النساء فى تولى المناصب القضائية، وخاصة فى مجلس الدولة والنيابة العامة والمحاكم الجنائية. مفوضية مكافحة التمييز: من أولويات الأجندة التشريعية أن يتم إنشاء مفوضية لمكافحة التمييز التى نص عليها الدستور فى المادة "53". وعلى الدولة تخصيص موارد كافية للمفوضية، وضمان استقلاليتها. وكذلك كفالة وجود عمليات مساءلة تُخضع السلطات العامة عن طريقها فيما يتعلق بالالتزامات الوطنية بشأن المساواة وعدم التمييز بين الجنسين. تعديل قانون الانتخابات إصدارقانون الانتخابات الموحد وضمان فرصة متساوية وعادلة للنساء فيه، وتشكيل المفوضية المستقلة للانتخابات. قانون العدالة الانتقالية يجب إصدار قانون العدالة الانتقالية وقانون يضمن حماية الشهود والمبلغين. وتشكيل لجان تتقصى الحقائق. وفقًا للمادة (135) من الدستور، على أن تشارك فى هذه اللجان النساء بنسبة مساوية لعدد الرجال. حماية حقوق الطفل: طبقًا للمادة (80) من الدستور، يجب حماية المكتسبات التى حققتها هذه المادة وإلزام الحكومة بتفعيل نصوص قانون الطفل وتعديل لائحته التنفيذية بما يفسر جوانب الحماية القانونية المنصوص عليها فى القانون. المعاهدات الدولية: يجب إصدار قانون يعتبر المعاهدات الدولية كمرجعية أساسية لضمان حقوق الإنسان وحقوق المرأة طبقًا للمادة "93". والتى تقول بالنص: "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقًا للأوضاع المقررة". وهذا يتطلب أن تقوم مصر برفع التحفظات على اتفاقية السيداو والتوقيع على البروتوكول الاختيارى لها. البرلمان والموازنات المستجيبة للنوع الاجتماعى: هى أداة لتحقيق العدالة بين الجنسين عن طريق تحليل تتابع وتقييم الإنفاق والعائد الحكومى ومدى استجابتها لاحتياج النوع، دون أن يعنى ذلك تقديم برامج منفصلة ومستقلة تركز على المرأة وحدها، كما أن الموازنات المستجيبة تهتم فى وضع قضايا النوع فى مركز العمليات الحكومية والإدارة المالية، لذلك يجب أن يكون من أبرز مقومات المراقبة التى يمارسها البرلمان الحرص على أن تلبى الموازنة حاجات الرجل والمرأة بالتساوى وأن تدعم الموازنة أكثر مجموعات المجتمع تهميشًا وأن يتم تحليل الموازنة والسياسات بهدف تقييم أثرها على النساء والرجال. المادة (18) من الدستور تنص على تخصيص سنة من الإنفاق الحكومى للصحة لا تقل عن 3% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، والمادة (19) تنص على تخصيص سنة من الإنفاق الحكومى للتعلم لا تقل عن 4% من الناتج الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وبالتالى يجب أن تراعى هذه النسب الموازنة المستجيبة للنوع الاجتماعى. فى الأخير لا يصحّ ولا يليق أن تكون الحركة الديمقراطية الوطنية المصرية، عملت على إنجاز تلك القوانين وصياغتها، من أجل أن يتم إهانة النساء فى الطرقات والمركبات العامة بهذا الشكل اللا قانونى واللا أخلاقى، يجب تفعيل كل هذه القوانين، من أجل الحفاظ على ما تبقى من كرامة النساء والمصريين عمومًا.