أبى الرئيس محمد مرسى إلا أن يشارك فى الفرح المزيف، ويكون فى مقدمة مستقبلى جنودنا الغلابة العائدين من سيناء بعد اختطاف وإهانة مؤلمة لكل مصرى على يد إخوة لهم فى نفس الوطن والدين، ظنا أن خطبة من خطب المساجد الحماسية التى تعلم إلقاءها فى جماعة الإخوان على مدى عقود من شأنها شحذ الهمم، واستنهاض الأمة، وإزالة الغمة، وتجاوز ما فات، والنظر لما هو آت، ولنعيش جميعا فى تبات ونبات، هيهات، هيهات! بعد خبر الإفراج المفرح فى الصباح الباكر عن الجنود الذين شاء حظهم العاثر أن يمضوا خدمة الوطن الإلزامية الشاقة فى سيناء، وأن لا يقتصر الأمر على اقتلاعهم من مدنهم وقراهم لثلاث سنوات كاملة فقط لأنهم لم يكملوا تعليمهم وكأن هذا كان خيارهم، كانت الأنباء التى وردت عبر التليفزيون الرسمى الخاضع لسيطرة الأخ صلاح عبد المقصود تشير إلى أن أن الفريق أول عبد الفتاح السيسى وصحبه من كبار قادة الجيش ووزارة الداخلية سيكونون فى مقدمة مستقبلى العائدين من واقعة الاختطاف، والذين عثر عليهم مصادفة فى وسط طريق مهجور رجل بدوى طيب تولى مهمة تسليمهم إلى أقرب كمين، وفقا لما قاله فى مقابلة تليفزيونية. ولكن لم تكد تمضى دقائق حتى أذاع نفس التليفزيون سريعا أن الرئيس سيكون فى مقدمة المستقبلين، وأن دور وزير الدفاع سيقتصر على السير بجوار قائده الأعلى من دون أن ينبت ولو بكلمة واحدة للترحيب بالجنود وذلك لأن معازيم الفرح سيقتصرون على الرئيس الهمام فقط. وليته ما ذهب خجلا وتقديرا لما سببه وجماعته وبديعه من كوراث منذ أن تولى منصبه. ولكنه زاد الطين بلة. فعندما يبدأ الرئيس بالتأكيد أن «سيناء آمنة وستبقى آمنة» وأن المصريين يجب أن يطمئنوا أن لديهم جنودا «من ورائهم، ومن خلفهم» (زيادة تأكيد)، ودعونا ننسى الماضى وننظر إلى المستقبل الباهر أمامنا، فنحن بالفعل أمام تكرار لسيناريو قديم وممل اعتدناه فى أعقاب كل أزمة تواجهنا فى سيناء منذ زمن المخلوع. ولكن الوضع الآن أكثر خطورة بكثير، وهناك تقارير غربية، غالبا تروج وتضخم فيها إسرائيل، بأن سيناء أضحت مشروع أفغانستان جديدة، ويتدرب فيها حاليا «مجاهدون» من كل أنحاء العالم قبل التوجه إلى سوريا للمشاركة فى الحرب الدائرة هناك، طبعا بجانب الجماعات المتشددة التى ترى فى ما يجرى هناك معركة بين المسلمين السنة والعلويين الشيعة، ومنهم «آكل القلوب» الذى رأى أن بقر بطن جندى سورى والتهام قلبه جهاد فى سبيل الله من شأنه إرهاب عدو الله! كما تؤكد التقارير المحلية أن سيناء أصبحت مخزنا كبيرا للسلاح المهرب من ليبيا والسودان، ويكفينا فى هذا الصدد ما نقرأه يوميا عن أسلحة تتم مصادرتها وتضم للمرة الأولى، صورايخ، ومدافع وهاون، ودروعا، وأنواعا تتجاوز بكثير الأسلحة الصغيرة كالبنادق والمسدسات. فى أعقاب التفجيرات التى كانت تشهدها سيناء فى طابا ودهب ونويبع وشرم الشيخ وسقط فيها العشرات من الأبرياء قتلى وجرحى، كان يتم جمع المشايخ والقبائل السيناوية فى مؤتمرات ضخمة يغنون وينشدون «يا حبيبتى يا مصر» ويرفعون صور مبارك. ووسط الطبل والزمر، كانت مباحث أمن الدولة تهدم المنازل وتعتقل الآلاف، منهم نساء ورجالا، وتعذبهم فى المعتقلات، وتحيلهم إلى محاكم تسجنهم لأعوام طويلة. وهذه حقائق لا بد أن نضعها فى عين الاعتبار لو حاولنا ولو قليلا العثور على أى تفسير لهذا الحجم من الكراهية الذى عكسه شريط الفيديو الذى صوره الخاطفون للجنود المرعوبين، معصوبى العيون، والذين انتهى بهم الأمر بالولولة «الحقنا يا ريس.. الحقنى يا با.. الحقينى ياما». والآن يطلب منا مرسى نفس الشىء: أن نطبل ونزمر ونشارك فى الفرح ونغنى «سيناء رجعت حرة لينا، ببركتك يا مرسى فينا»، وننسى ونتجاهل كل هذه المشاهد المؤلمة القاسية، وأن نتجاهل أن هناك أربعة جنود وضباط مختفين منذ أكثر من عامين، تتهم واحدة من زوجاتهم علنا وزارة الداخلية بأنها تمارس عليها ضغوطا لكى تكف عن إثارة قضيتهم. كما يجب أن نتفاءل، وننظر إلى نصف الكوب الممتلئ، وفقا لنصائح رئيسنا المؤمن، ونتصرف وكأنه لم يتم نحر 16 شابا، جنديا وضابطا، فى مجزرة بينما طعام الإفطار فى أفواههم، وما زال وزير دفاعنا يقول إننا لا نعرف من قتلهم، بل ويحاول الوزير السيسى التمهيد بأن الأمر قد يستغرق سنوات، مذكرا إيانا كيف أن حادثة لوكيربى الشهيرة استغرق الأمر عشر سنوات حتى قامت أمريكا بتوجيه الاتهام إلى اثنين من الليبيين. الفرح كان فقط بنجاة الجنود الأبرياء البالغين من العمر عشرين عاما، وتجنيبهم شخصيا خطر القتل الذى كان شبه مؤكد لو قامت عملية عسكرية لتحريرهم، وكذلك تجنيب سكان أبرياء من سيناء خطر التعرض لخسائر فادحة فى أى معركة كانت ستنشب لو تأخر إطلاق سراح الجنود. أما عدا ذلك فلا فرح ولا احتفال، بل ناقوس خطر كبير جدا ينضم إلى كل الحقائق الأخرى المفزعة التى تشهدها سيناء، وسط غياب الأمن فى كل أرجاء الوطن. لم يهتم الرئيس بالوطن أو سيناء أو الأمن الاقتصاد أو تلبية مطالب الثورة من عيش وحرية وعدالة اجتماعية، بل كان همه وصحبه التمكين بعد سنوات طويلة من الاضطهاد فى السجون، وإطلاق مشروع الإخوان لبناء الخلافة، وحصار المحكمة الدستورية، وكتابة دستور متخلف يخدم مصالحهم فقط، وخنق القضاة، وإعداد قوانين للاعتداء على السلطة القضائية وحق التظاهر ولقمع الجمعيات الأهلية لدرجة اعتبارها منظمات تابعة للحكومة يحق لها مصادرة أموالها ومراقبة أنشطتها. أصر الرئيس وصحبه أن التمكين أولا، ثم الإصلاح لاحقا. وكانت النتيجة إهانتنا جميعا كمصريين فى سيناء، وكل يوم.. تمرد.