كتب - أحمد مطاوع لا أحد يختلف على أهمية مشروع "بنك المعرفة"، الذى أطلقه الرئيس عبد الفتاح السيسيى، خلال الاحتفال بعيد الشباب، يوم السبت الماضى، بدار الأوبرا المصرية، ليكون أكبر مكتبة رقمية فى العالم، تفتح الآفاق أمام العقل المصرى للحصول على أكبر قدر من المعلومات، والتخديم على الباحثين بالحصول على الدراسات العلمية والأبحاث، إلا إنه وبالنظر إلى جدوى هذا المشروع العلمى المهم الذى "يستهدف بناء العقل المصرى"، بشكل عام والشباب بشكل خاص، أنه سيقتصر بشكل أكبر على فئات محددة ومحدودة كالباحثين والصحفيين، وبعض الشباب المثقف المتطلع إلى المعرفة، وحتى هؤلاء سيجدون عائقًا ربما سيكون بمثابة الصدمة - سنكشفه خلال السطور التالية-. ورغم القيمة العظيمة المفترضة من هذا المشروع، والتى ساقها الرئيس عبد الفتاح السيسى، كمشروع كبير ومثمر أعلن عنه خلال حدث أراد أن يوجه من خلاله عدة رسائل لأكثر من 60% من قوام الشعب المصرى، وهم الشباب تحت 30 سنة، إلا أننا نجد أن هذه القيمة تبدو وكأنها مهدرة نوعًا ما، من خلال حقائق تبدو وكأنها غابت عن رؤية القائمين على هذا المشروع المهم والمرتبط بصورة أساسية بالتكنولوجيا والإنترنت، نستعرضها فى هذا التقرير: الحقيقة الأولى: البطالة وتمرد الشباب المشروع موجه بشكل أكبر للشباب، الذى أصبح يملأ المقاهى، وربما يلجأ إلى تصرفات يرى البعض أنها تنطلى تحت طائلة "التفاهة" والتى هى فى الأساس أحد الأشكال السلبية للتعبير عن "التمرد" لتلك الطاقات المكبوتة، والتى يغلب على روحها اليأس وفقدان الأمل فى تحقيق الذات وبناء المستقبل، فى ظل صعوبة الحصول على فرصة عمل كريمة، وبالتالى يجدون أنفسهم أسرى لصراع نفسى رهيب مابين رغبة التعلم والتطوير وعائد ذلك، متجسد فى شبح سؤال يلاحقه ويرافقه وهو "ما الفائدة؟!". وتشير تقديرات الدولة فيما يخص التشغيل والبطالة، إلى أن البطالة تتركز فى الأعمار الأولى من سن العمل، حيث أن 61% من المتعطلين أعمارهم أقل من 25 سنة، بدءًا من 15 عامًا حتى 24 عامًا، وترتفع النسبة لتصل إلى 91% من المتعطلين وصولاً لسن 29 عامًا، ما يعنى أن الغالبية العظمى من المتعطلين من الشباب حديثو التخرج، ويبحثون عن العمل لسنوات عديدة بعد التخرج ولا يجدونه، بحسب تقرير أعدته شعبة الخدمات الصحية والسكان بالمجلس القومى للخدمات والتنمية الاجتماعية التابعة للمجالس القومية المتخصصة عام 2014. الحقيقة الثانية: الفقر تعانى البلاد من أوضاع اقتصادية واجتماعية قاسية، فوفقًا لتقرير صادر عن الجهاز المركزى للإحصاء، بلغت نسبة المصريين تحت خط الفقر 26.3%، لتصل نسبة محدودى الدخل إلى رقم أكبر من ذلك بكثير، فى ظل المعاناة والغلاء المستشرى الذى يواجهه المواطن حاليًا على كافة المستويات، فالحديث هنا تقديرًا عن أكثر من 50% من المواطنين لا يستطيعون امتلاك أجهزة حاسب آلى كى يتمكنوا من الاستفادة من هذه الخدمة. الحقيقة الثالثة: خطورة العقول المشوهة تعانى منظومة التعليم فى مصر من ضعف شديد يكاد يصل إلى حد الانهيار، بمناهجها التى لا تطور الشخصية والعقل المصرى، باعتمادها على الحفظ و"الدش" وجعل الطالب "أسير شهادة" يعلقها على حائط غرفته فى النهاية أو من باب الوجاهة الاجتماعية، وتحتل مصر المركز 139 وقبل الأخير على مستوى العالم من حيث جودة التعليم، وفقا لتقرير التنافسية العالمية (GCI) لعام 2015، والذي يصدر سنويًا عن المنتدى الاقتصادي العالمي من إجمالي 140 دولة على مستوى العالم. وبافتراض أن نتاج هذه العملية التعليمية المحتضرة، سيتعامل مع هذا البنك الواسع من المعرفة، وبافتراض انسحابها الحر على كافة فروع المعرف والثقافات من حيث التخزين، فتلقائيًا قد ينتج هذا وبنسبة كبيرة معرفة مشوهة أيضًا، مصحوبة بسوء فهم للمعلومات وتعامل خاطئ فى التطبيق، وربما انتقاء للجوانب السلبية منها، الأمر الذى سيشكل خطرًا كبيرًا على المجتمع والمستقبل. الحقيقة الرابعة: الثقافة «عدو» السلطة المعرفة أحد دعائم الثقافة والوعى، وتساهم فى رفع درجات التطلع والطموح بما يتخطى الآفاق التقليدية، وهو ما يضعنا أمام حالة متناقدة يعيشها الشباب المصرى حاليًا، خصوصًا المثقف منه وصاحب الرأى أو الحالم بالتغيير من خلال المشاركة السياسية أو الاجتماعية الفاعلة، والتى ربما تقوده إلى ظلمة السجن فى ظل أزمة كبيرة تواجه الحريات فى مصر، خاصة وأن المعرفة دائمًا ما تقوده وبشكل تلقائى إلى بحص وتحليل الأوضاع التى تحيطه وما بها من أوجه قصور وتدنى سواء على المستويات السياسية أو الاجتماعية أو الاقتصادية، وأثار ذلك على المجتمع وقيمه، فالمثقف دائمًا تدفعه مبادئه لمواجهة المشكلات والتصدى لها، وهو ما عاهده شباب مصر شباب مصر على مدار عقود سبقت انكسار حاجز الخوف فى ثورة يناير المجيدة، وما أعقبها من سنوات عجاف. ومن هذا المنطلق ولد التناقد والريبة لدى الشباب وخصوصا المنتمى منهم لثورة يناير، إذ يرون أن السلطة تعاديهم ويستدلوا على ذلك بتقارير المجلس القومى لحقوق الإنسان والمنظمات الحقوقية التى تشير إلى وجود ما يقرب من 60 ألف داخل السجون من معتقلى الرأى، فى الوقت الذى تأتى تأكيدات الرئيس فى أكثر من مناسبة على إيمانه بدور الشباب. الحقيقة الخامسة: العادات تقتل العلم الصورة المغلوطة المورثة والمصدرة دائمًا للمجتمع الغارق فى بلوعات الجهل والدجل والشعوذة، عن المثقفين والباحثين خطورتهم على الدين والمجتمع، وملاحقتهم دومًا سواء قضائيًا أو إعلاميًا بتهم التكفير وإفساد وتدمير المجتمع بدعوى بث أفكار مسمومة، وأحيانًا يواجهون تهم الخيانة إذا كانت لهم آراء مخالفة للنظام، فهذه الصورة المغلوطة والراسخة عن المثقفين فى أذهان المجتمع الغارق فى الخرافة، والذى يحتاج إلى تضافر من الدولة بكافة مؤسساتها وأجهزتها ووسائل الإعلام والفنون من خلال حملات مكثفة لتغييرها، وإلا ستصبح هذه المعرفة معرضة لأن تكون مهدرة وتواجهة صعوبات فى التطبيق. الحقيقة السادسة: ريادة الإباحة والرفاهية تحتل مصر مكانة متقدمة، فى ترتيب الدول الأكثر بحثًا على المواقع الإباحية حول العالم، وعن أكثر ما بحث عنه المصريين فى 2015 عبر الإنترنت تصدر المهرجان الشعبى "مفيش صاحب بيتصاحب" القائمة، وتلاها برنامج "رامز واكل الجو"، ثم أغنية "أنت معلم"، ونتائج أخرى ترتبط كلها بالأغانى والفنانين والترفيه. الحقيقة السابعة: ثورة الإنترنت تردى البنية التحتية لخدمة الإنترنت والمبالغة في أسعار الخدمة واختلافها عن الأسعار في باقى دول العالم، كانت أسباب إندلاع ما سمى "ثورة الانترنت" كاحتجاج شبابي موسع في مصر، إذ بدأ شباب الإنترنت الاحتجاج على بطئ سرعة الإنترنت وارتفاع أسعاره مقارنة بباقي دول العالم، مطالبين بإنترنت بأسعار عادلة. ويقدر عدد مستخدمى الإنترنت وفق مؤشرات وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنحو 29.1 مليون مستخدم خلال ديسمبر الماضى. الصدمة والفنكوش العائق الصادم الذى ربما سيواجه جموع الباحثين والمثقفين المهمومين بجمع المعارف والأبحاث، والذى سيجعل هذا المشروع كله مجرد وهم لا طائل منه يكاد يشبه "الفنكوش"، هو أن "بنك المعرفة" أكبر مكتبة رقمية منتظرة ما هو إلا نافذة تقود المواطن لتصفح "الموسوعة البريطانية" -باللغة الإنجليزية، فضلاً عن خلوها من المعلومات حتى هذه اللحظة - إن لم يكن كل ذلك "مؤقت" فى إطار اعمال الإعدادات والتجهيز-.. للمزيد اقرأ: بنك المعرفة.. افتتاح «الفنكوش» في عيد الشباب يضعنا العرض السابق أمام سؤال مركب هام ومهم للغاية هو "كيف نبدأ ومن أين؟"، تعقبه عدة أسئلة حول مبدأ "النظام العشوائية" وبالقياس عليه المشروعات التى تتبناها الدولة تحت مظلة الرئيس عبد الفتاح السيسى، والإعلان المفاجئ عنها، مما يجعلها تبدو لنا وكأنها مشروعات عشوائية منفردة، تعيد فى الأذهان عملية "ترقيع الثياب"، التى عانينا منها على مدار عقود من حكومات متبدلة الأوجه، بغرض ملء سجل الإنجازات، والتى فى الغالب تكون لحظية فى فترات الأزمات لحفظ ماء الوجه دون العمل فى إطار خطة متكاملة معلنة.، تضم مجموعة مترابطة من الأهداف يجمعها هدف اكبر، حتى لا تتحول المشروعات إلى مجرد نبت شيطانى ينمو فى صحراء جرداء ربما يضر أكثر مما يفيد، وعلى هذا الأساس حتى يؤتى بنك المعرفة ثماره لا بد وأن يكون فى إطارة خطة متكاملة تشمل كل الحقائق السابقة وتعالج مشكلاتها، وإلا كان بلا جدوى فعليه فى هذه المرحلة التى تحتاج فيها مصر كلها ما ينفعها من أجل بناء دولة مدنية حديثة.