بمناسبة شهر يناير الكريم، أردت أن أهنئ الأخوة الأقباط بأعياد الميلاد، وأعتذر عن عدم حضورى إلى الكنيسة، لكن هذا لن يمنعنى من الإدلاء بعدة اعترافات. الاعتراف الأول بعد أن كنت مقتنعَا ومتيمًا بها بسبب اللقاءات الأولى وآمال الحب أو أوهامه كما يفضل البعض من الرجال تسميته، أصبحت بالنسبة لى ليست أكثر من ذكرى حزينة ودليل على سذاجتى وغبائى! عندما يأتى ذكرها الآن بعد افترقنا من خمسة أعوام، أشعر بحزن شديد بسبب تذكرى كم كنت رومانسيًا ساذجًا، واعتقدت يومًا بأن ما أحلم به من الممكن تحقيقه على أرض الواقع! قال ميلان كونديرا فى إحدى رواياته إن علاقات الحب مثل الإمبراطوريات، ما إن يختفى المبدأ الذى بنيت على أساسه حتى تختفى معه أيضًا. وهذا هو ما حدث بالضبط، فقد نسيتها تمامًا بعد أن اختفى السبب الرئيسى فى علاقة الحب بيننا وهو الأمل! قال الكاتب الدنماركى بيتر هوج فى إحدى رواياته إن الوقوع فى النهم الذى نطلق عليه اسم "الحب" أمر مبالغ فيه جدًا. فالحقيقة أن 45% من الوقوع فى الحب هو شعور بالخوف من أن لا نحظى بالقبول، و45% أخرى تشبث جنونى بالأمل فى أن يتبدد هذا الخوف فى هذه المرة، وليس أكثر من 10% منه يتكون من وعى غامض باحتمال تحقيق الحب! لم أكن يومًا شخصًا منعزلًا، فلم أستسغ العيش داخل فقاعة متقوقعًا حول ذاتى! أحاول بكل جهد أن أعى ما يحدث فى الواقع من خلال محاولاتى المستمرة للبحث عن أجابات للأسئلة التى تدور بداخلى، التى لا تنتهى! وهذا يعود علىّ دائمًا بموجات من الاكتئاب الشديد الذى أحاربه بكل قوتى حتى لا يصيبنى اليأس! المشكلة ليست فى التفلسف والبحث عن الحقيقية وليست فى الواقع الشديد التعقيد، لكن فى الأشخاص التى نتعامل معهم كل يوم ويريدون منا الحياة معهم داخل فقاعتهم وقناعتهم الشخصية! آسف، لن أعيش فى العزلة متمنيًا الرجوع إلى الماضى! ومن باب أن من شيم الرجال الاعتراف بالخطا، وأن العناد والتكبر من الغباء والجهل. أريد أن أعترف بعدم حماسى لما حدث فى 25 يناير 2011، وأنها كانت فورة أو نزوة عابرة لا ترتقى إلى ثورة أو علاقة حب حقيقية! الاعتراف الثانى قال الكاتب الكبير ميلان كونديرا إن الأنظمة المجرمة لم ينشئها أناس مجرمون، إنما أناس متحمسون ومُقتنعون بأنهم وجدوا الطريق الوحيد الذى يؤدى إلى الجنة. فأخذوا يدافعون ببسالة عن هذا الطريق، ومن أجل هذا قاموا بإعدام الكثيرين. ثم، فيما بعد، أصبح جليًا وواضحًا أكثر من نور النهار، أن الجنة ليست موجودة، وأن المتحمسين كانوا إذًا مجرد سفاحين! أريد أن أعترف للجميع ومن بينهم الأخوة والأحباء رجال الأمن والدولة عن اعتراضى على الفقرة السابقة، وعن اعتزامى عدم القراءة لميلان كونديرا مجددًا، لأن كلامه ووجهة نظره يسرعون من رحيل الفرد منا إلى المجهول! الاعتراف الثالث أعترف بتعجبى عندما تحدث إلى أحد أصدقائى شاكيًا وغاضبًا من قلة الذوق العام وتدنى المستوى الفنى للمسؤولين. فحاول إقناعى بعد أن أرسل لى عدة صور عن التماثيل التى يضعونها فى الميادين وعند مداخل المدن والقرى، لكننى لم أوافقه وقلت له "جميلة جدًا وسو كيوت"! وبعد هذا حاول أن يقنعنى بأن الكثير من رجال الدولة فقراء من ناحية الإبداع والتجديد، وأعطى لى كثيرًا من الأمثلة من خلال تصميمات وديكورات الكثير من الأندية والفنادق التابعة لأحد أجهزة الدولة، وأن كثيرًا من قاعات الأفراح لا تتغير أسماؤهم من بين حورس أو كليوباترا أو تيوليب! فاعترضت عليه بشدة هذه المرة وقل له أنت اللى "بيئة" وأرجوك لا تكلمنى مجددًا! الاعتراف الرابع قال عبد الرحمن الكواكبى "الأمة التى لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد لا تستحق الحرية". أعترف بخطئى عندما اقتنعت لفترة طويلة بهذه المقولة كما هى بدون تعديل. فقد أصبحت الآن مقتنعًا تمامًا بأن "الأمة التى لا يشعر كلها أو أكثرها بآلام الاستبداد بسبب الجوع والفقر، لا تستحق الحرية". والسبب بسيط فى تعديل قناعتى بعد أن رأيت ما جاء به الجوع والفقر من أعضاء برلمانيين سواء بعد 25 يناير أو 30 يونيو! فى الختام، أردت إرسال نصيحة إلى شعب مصر، ما حدث فى 25 يناير ليس أكثر من احتفال كبير وعظيم بعيد الشرطة فُهم خطأ من السلطات الأمنية واعتبروه مؤامرة! وإن تحدث أمامكم أحد مرضى الحنين للماضى عن ميدان التحرير، قل له الحقيقة بأن ميدان التحرير أصبح ميدان الخازوق وعلى جميع أفراد الشعب المصرى الذهاب إليه على الأقل مرة فى العام لمشاهدة الخازوق ولنيل البركة!