لا أعلم لمَ كل هذه الاحتفالات والتهانى والأمنيات بمناسبة انقضاء عام واستقبال عام جديد! وهل هناك من داعٍ أو سبب يستوجب الحديث عن أيام أو شهور أو أعوام مضت وأخرى قادمة؟! كلها أيام بعضها مثل بعض، ومن يقل غير هذا، فليحمد الله على هذه النعمة التى جعلته يرى فرقًا بين الأيام! من فضلك لا تفهم ما ادعيته من تشابه الأيام من كونها أعراض اكتئاب أو دعوة للتشاؤم، ولكنها فعلاً الحقيقة التى يجب أن تعلمها وأن تتحقق منها بنفسك. منذ عدة أعوام، قرأت مسرحية "المهزلة الأرضية" ليوسف إدريس، الصادرة عن مطبوعات مكتبة مصر، وتيقنت بعدها بأن حقيقة تشابه الأيام للأسف لا يعلمها إلا القليل وأن من يدعونها من الجائز جدا أن يتهموهم بالجنون. فلنقرأ معًا المشهد الآتى من المسرحية الذى استطاع أن يشرح الكثير عن ماضينا وحاضرنا وأيضًا عن مستقبلنا! المشهد بين الدكتور النفسانى ومحمد الثالث المدعى الجنون على الرغم من حصوله على درجة الدكتوراه.
الدكتور: النهارده إيه يا دكتور محمد الثالث؟ محمد الثالث: أهى ديه اللى ما اعرفهاش.. أنا عمرى ماعرفت النهارده إيه غير من النتيجة.. الدكتور: إذا كان إمبارح السبت.. يبقى النهارده إيه يا سيد محمد الثالث؟ محمد الثالث: مش للدرجة دى يا دكتور.. أنا عيان صحيح إنما مش قوى كده.. الدكتور: معلهش دا روتين كده.. قلنا إذا كان إمبارح السبت يبقى النهارده إيه؟ محمد الثالث: السبت. الدكتور: هيه (بنرفزة).. طب وبكره؟ محمد الثالث: السبت برضه. الدكتور: أنا باسألك جد.. إمبارح كان السبت يبقى النهارده إيه؟ محمد الثالث: وأنا باجاوبك يا دكتور.. أنا رأيى كده.. الرأى العلمى حتى.. الأصل فى الزمن مش إنه مقياس للتغير.. البعد الرابع بتاع أينشتاين.. طول مامافيش تغير يبقى مافيش زمن.. فتقدر تقوللى سيادتك إيه اللى اتغير فى الدنيا من إمبارح للنهارده؟ الدكتور: على الأقل إنت هو اللى اتغير.. إمبارح كنت عاقل.. النهارده محل شك. محمد الثالث: يبقى زمنى أنا هو اللى اتغير.. إنما زمن الواقع ماجرلوش حاجة.. يبقى النهارده السبت برضه. الدكتور: أمال الحد ييجى إمتى؟ محمد الثالث: لما نحس بأن الحياة اتحركت بينا خطوة. لما نشوف إن الظلم النهارده أقل من ظلم إمبارح، وعدالة النهارده أكتر من عدالة إمبارح.. لما نحس إننا طلعنا درجة أو عقلنا همسة أو اترقينا سنتي، ييجى الحد. الدكتور: لا برافو فلسفة مش بطالة. بس نفسى أعرف حكايتك إيه؟ محمد الثالث: أنا مستنى الحد! هذا هو المشهد الذى مازال عالقًا فى ذهنى منذ أعوام ولم أستطع التحرر منه! بالفعل العام الحالى هو 2015 والعام القادم برضه 2015، الشىء الوحيد الذى يتغير هو عمر الإنسان، يمر مسرعًا مثل القطار ولا نعلم من أين بدأ ومتى ينتهى! كما قال الشاعر سيد حجاب فى أغنية تتر مسلسل ليالى الحلمية، ماتسرسبيش يا سنينا من بين إيدينا، وما تنتهيش.. داحنا يا دوب ابتدينا! أما بالنسبة للمدعين بأننا نتقدم ونتطور وأن الزمن يمر بسبب مشوار التنمية الذى بدأناه، فلم ولن أجد ردًّا أبلغ مما حلم به الأستاذ نجيب محفوظ فى كتابه "الأحلام الأخيرة" الصادر حديثًا عن دار الشروق. فقد حلم الأستاذ نجيب محفوظ بالآتى (حلم 294): رأيتنى واقفًا أمام مفتش الضرائب فأقدم له بيانًا بأعمال السنة ويتفحصها بوجهه الصارم ويسجل الضرائب المطلوبة، وأذهب إلى كهف الأموال الواردة وهو مكون من موظفين وخزائن، وقدمت الضرائب المطلوبة لأحد الموظفين فراح يعدها، ولاحظت أن موضع أصابعه مخالب فاقشعر بدني فقال: نحن نعلم أننا غير محبوبين ولكننا نجمع الأموال لتنفقها الدولة على التنمية، فسألت: وأين هى التنمية؟ فأشار إلى باب فذهبت إليه ودخلته فاستقبلنى رجال أشداء وطرحوني أرضًا وانهالوا عليَّ ضربًا بالعصي. ما أجملك وما أروعك يا أستاذ نجيب، فعلاً خير الكلام ما قل ودل! إن تحدث البعض عن التنمية، فنعم هناك تنمية ولكنها تنمية الرجال الأشداء الممسكين بأيديهم العصى للخارجين عن القطيع! عمومًا، كل سنة وأنتم طيبين بمناسبة 2016، وهذا المقال الغرض منه إبلاغ الرجال الأشداء عن الأستاذ نجيب محفوظ والدكتور يوسف إدريس بسبب ما ادعياه فى كتبهما مما قد يزعزع الأمن العام ومما يقتضى التحقيق معهما، ولَّا أقولك إحبسوهم علطول!