أصل الحكاية | رحلة العائلة المقدسة ومحطات الأنبياء في مصر    البابا تواضروس يشهد احتفالية «أم الدنيا» في عيد دخول السيد المسيح أرض مصر    رونالدينيو وبيل في ويمبلي لمتابعة نهائي دوري أبطال أوروبا.. صور    "تمهيدًا لرحيل عبدالمنعم".. الأهلي على أعتاب ضم مدافع قطري    "القليوبية" يفوز على دمياط بهدفين ويتأهل لدور الثمانية بدورى مراكز الشباب    أسامة كمال بعد كذب التصريحات الأمريكية: "الدبلوماسية بقت عنجهية ولا يدفع الضريبة إلا العزل الفلسطينيين"    مصر وقطر وأمريكا يدعون حماس وإسرائيل لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار    أحمد حلمي من شوارع هولندا يدعم القضية الفلسطينية    زعيم المعارضة الإسرائيلية: حكومة الحرب الأسوأ والأكثر فسادا    راديو إنرجي يكرم سيد أسامة عن دور «ميكا» في مسلسل خالد نور وولده نور خالد    مجلس حكماء المسلمين: بر الوالدين من أحب الأعمال وأكثرها تقربا إلى الله    حسين فهمي: أنا من الجيل اللي عاش عشان يحضر اليوبيل الذهبي لجمعية الفيلم    أسامة كمال: مصر دولة وشعبا وإعلاما لديها موقف موحد إزاء القضية الفلسطينية    مصر تشاركُ في فعالياتِ مؤتمرِ العملِ الدوليِ بجنيف    رئيس مجموعة «هلب القابضة» ل مال وأعمال- الشروق: ضخ 140 مليون دولار استثمارات لإنشاء مصنع للأدوية    انتهاء مهلة استخراج بطاقات الإعفاء من الإقامة للأجانب 30 يونيو    لأول مرة.. جامعة بنها بالتصنيف الروسي (RUR) لعام 2024    احتفالات مستمرة.. البابا تواضروس والمتحدة يحتفلون بذكرى دخول العائلة المقدسة أرض مصر    "الصحة العالمية": الأوضاع في غزة تزداد سوءًا كل يوم    للعام الثالث على التوالي.. انطلاق نهائي الدورى المصرى للجولف في مدينتي    موعد عرض الجزء الثاني من المسلسل الوثائقي "أم الدنيا" ل سوسن بدر    اكتمال السعة التخزينية لصومعة القمح بالعوينات.. وتوريد 433 ألف طن قمح بالوادي الجديد    تضامن شمال سيناء تجتمع لتعريف حجاج الجمعيات الأهلية بجميع المناسك    تكريم الحاصل على المركز الرابع في مسابقة الأزهر لحفظ القرآن بكفر الشيخ    أول تعليق من نيللي كريم بعد انفصالها عن هشام عاشور    طقس المنيا الآن.. ارتفاع درجات الحرارة وتقلبات جوية ورياح شديدة.. فيديو    المشدد 10 سنوات لعاطلين بتهمة حيازة أسلحة وذخائر والتعدى على شخص بقليوب    صور.. بدء اجتماع مجلس أمناء الحوار الوطني    رئيس جامعة الأقصر يتفقد امتحانات كليات الفنون والآثار والحاسبات    احذر الركوب دون شراء تذكرة.. تعرف على غرامات القطارت 2024    تأكيدا ل«أهل مصر».. ليفربول يرفض مشاركة محمد صلاح في أولمبياد باريس 2024    وزير الصحة: تقديم خدمات مبادرة إنهاء قوائم الانتظار ل2.2 مليون مريض    القيادة الفلسطينية تؤكد وجوب وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة    استعدادات مجلس أمناء الحوار الوطني لانطلاق الاجتماعات ب«الوطنية للتدريب» | صور    وزير الرياضة يطمئن علي بعثة منتخب المصارعة    وزير الأوقاف: حققنا أكبر مبلغ يومي في صكوك الأضاحي بواقع 11 مليون جنيه    تعرف على صفة إحرام الرجل والمرأة في الحج    «مفيهاش علمي ولا أدبي».. وزير التعليم يكشف ملامح الثانوية العامة الجديدة    وزير البترول يفتتح توسعات مصفاة تكرير النصر للبترول بالسويس    السجن 5 أعوام ل5 أشخاص سرقوا سيارة لمساومة مالكها في الإسكندرية    جديد «سفاح التجمع».. ترك السيارة بالإسكندرية لتضليل الشرطة أثناء محاولة هروبه    بعد التحذير من تناولها وبيعها.. أعراض الإصابة بالتسمم من أسماك الأرنب    تركيا ترفض مشاركة الناتو في حرب أوكرانيا...تفاصيل    في الجول يكشف تفاصيل مفاوضات الأهلي مع كوناتي    وزير الإسكان يتابع موقف إدارة الحمأة الناتجة من محطات الصرف الصحي وإعادة استخدامها والاستفادة منها في توليد الطاقة    آخر تحديث.. سعر الريال السعودي مقابل الجنيه المصري اليوم السبت 1-6-2024    الكشف الطبي على 1425 حالة خلال قافلة طبية بقرية سمهان بمركز ديرمواس بالمنيا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 1-6-2024 في المنيا    تعرف على تفاصيل ملف فوز القاهرة كعاصمة السياحة لأعضاء منظمة التعاون الإسلامي    شروط ورابط وأوراق التقديم، كل ما تريد معرفته عن مسابقة الأزهر للإيفاد الخارجي 2024    السيسي يبحث مع عضو الشيوخ الأمريكي سبل حل أزمة غزة    قبل الحج.. تعرف على الطريقة الصحيحة للطواف حول الكعبة    عبد المجيد يكشف عن مثله الأعلى محليا وعالميا.. وفريق أحلامه في أوروبا    البريد يفتح أبوابه اليوم لصرف معاشات شهر يونيو.. ويوم عمل استثنائي لبنك ناصر    ماس كهربائى يتسبب فى اندلاع حريق داخل منزل بمنطقة أوسيم    هيئة الرعاية الصحية والمنظمة الدولية للهجرة يبحثان سبل التعاون المشتركة    طب القاهرة تستضيف 800 طبيب في مؤتمر أساسيات جراحات الأنف والأذن    «إنت وزنك 9 كيلو».. حسام عبد المجيد يكشف سر لقطته الشهيرة مع رونالدو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«البُردةِ».. صراع التكفير في حب خاتم المرسلين
نشر في التحرير يوم 23 - 12 - 2015


كتب: أحمد مطاوع
ارتبط الشعر بالعرب، لدرجة أنه صنف منذ القدم بأنه ديوانهم، إذ استخدموا فضاحتهم الشعرية واللغوية فى التعبير عن مختلف المواقف والمناسبات فى حياتهم، سواء فى الغزل أو الهجاء أو الرثاء، وكذلك فى المدح والثناء، ويندرج ضمن الحالة الأخيرة "المدائح النبوية"، وهى تلك القصائد التى أثرانا بها أصحابها فى مدح خير الأنام النبى الكرم محمد "صلى الله عليه وسلم".
المدائح النبوية تطرق لها العديد من الشعراء منذ زمن النبوة وحتى يومنا هذا، ولعل أبرزهم على الإطلاق، الإمام البوصيرى، فى قصيدته "البردة" فى مدح المصطفى، والتى كتبها فى القرن السابع الهجرى، ووصفها الباحثون بأنها الأشهر والأعجب فى الأدب العربي بين العامة والخاصة، وتناقلها أبناء ومريدى الطرق الصوفية وأحيوا بها حلقات ذكرهم.
وتتردد قصة كبيرة حول أسباب تأليف الإمام البوصيرى ل"البردة"، فيقال إنه كان يعاني من مرض عضال يصنف طبيًا بالشلل النصفى وأراد أن ينظم قصيدة يستشفع بها عند الله تعالى ليشفيه، وعندما ألفها ودعا الله بها رأى النبى فى منامه يمسح على وجهي بيده المباركة وألقى عليه بردته -صلى الله عليه وسلم-، وبعدما استيقظ البوصيرى من منامه الذى رأى فيه النبى يلقى عليه بردته وجد نفسه قد شفاه الله تعالى، "مولاي صلّ وسلّم دائماً أبداً..على حبيبك خير الخلق كلهم".
مُحَمَّدُ سَيِّدَ الكَوْنَيْنِ والثَّقَلَيْنِ .. والفَرِيقَيْنِ مِنْ عُرْبٍ ومِنْ عَجَمِ
نَبِيُّنَا الآمِرُ النَّاهِي فلاَ أَحَدٌ .. أبَّرَّ فِي قَوْلِ لا مِنْهُ وَلا نَعَمِ
هُوَ الحَبيبُ الذي تُرْجَى شَفَاعَتُهُ .. لِكلِّ هَوْلٍ مِنَ الأهوالِ مُقْتَحَمِ
دَعا إلى اللهِ فالمُسْتَمْسِكُونَ بِهِ .. مُسْتَمْسِكُونَ بِحَبْلٍ غيرِ مُنْفَصِمِ
قصيدة البردة التى أثرت قلوب الملايين، وصفتها الوهابية على لسان شيخها محمد بن عبد الوهاب ب"القصيدة الشركية"، ووصل الأمر إلى حد تكفير البوصيري نفسه، خلال نقدهم لها وللصوفية أكثر المستأثرين بالبردة، فيقول مؤسس الحركة الوهابية فى تفنيد القصيدة وإصباغها بالشرك:
(وأما الملك: فيأتي الكلام عليه؛ وذلك أن قوله: "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ"، وفي القراءة الأخرى "مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ": فمعناه عند جميع المفسرين كلهم ما فسره الله به في قوله تعالى "وَمَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ . ثُمَّ مَا أَدْرَاكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ . يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ" الانفطار17 – 19).
ويتابع بن عبد الوهاب: (فمن عرف تفسير هذه الآية، وعرف تخصيص المُلك بذلك اليوم، مع أنه سبحانه مالك كل شيء ذلك اليوم وغيره: عرف أن التخصيص لهذه المسألة الكبيرة العظيمة التي بسبب معرفتها دخل الجنة من دخلها، وسبب الجهل بها دخل النار من دخلها، فيالها من مسألة لو رحل الرجل فيها أكثر من عشرين سنة لم يوفها حقها، فأين هذا المعنى، والإيمان، بما صرح به القرآن، مع قوله صلى الله عليه وسلم: "يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً": من قول صاحب البردة).
وذكر الأبيات التالية:
ولَن يَضِيقَ رسولَ اللهِ جاهُكَ بي .. إذا الكريمُ تَجَلَّى باسمِ مُنتَقِمِ
فاِنَّ لي ذِمَّةً منه بتَسمِيَتِي .. مُحمَّدَاً وهُوَ أوفَى الخلقِ بالذِّمَمِ
اِنْ لم يكُن في مَعَادِي آخِذَاً بِيَدِي .. فَضْلا والا فَقُلْ يا زَلَّةَ القَدَمِ
وعقب مؤسس الوهابية، معلقًا على الأبيات التى اجتزئها للتعبير عن رؤيته النقدية ل"لبردة”: (فليتأمل من نصح نفسه هذه الأبيات ومعناها، ومن فتن بها من العباد، وممن يدعى أنه من العلماء، واختاروا تلاوتها على تلاوة القرآن: هل يجتمع في قلب عبد التصديق بهذه الأبيات والتصديق بقوله: "يوم لا تملك نفس لنفس شيئاً والأمر يومئذ لله"، وقوله: "يا فاطمة بنت محمد لا أغني عنك من الله شيئاً" ؟! لا والله، لا والله، لا والله، إلا كما يجتمع في قلبه أن موسى صادق، وأن فرعون صادق، وأن محمَّداً صادق على الحق، وأن أبا جهل صادق على الحق، لا والله ما استويا، ولن يتلاقيا، حتى تشيب مفارق الغربان).
واختتم فى هذا السياق: ( فمن عرف هذه المسألة، وعرف البردة، ومن فتن بها: عرف غربة الإسلام). -النص من "تفسير سورة الفاتحة" من "مؤلفات محمد بن عبد الوهاب" (5/13)-.
وتبع عبد الوهاب تلامذته والسائرين على دربه فى تكفير "البردة"، فيقول الشيخ المجدد عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ: (فقد بلغنا من نحو سنتين: اشتغالكم ببردة "البوصيرى"، وفيها من الشرك الأكبر ما لا يخفى"
وكفر الشيخ عبد العزيز بن باز، البوصيرى، صراحة فى استعراضه لأبياته قائلًا:
(قد أخطأ البوصيري في "بردته" حيث قال: "فإن لي ذمة منه بتسميتي.. محمَّداً وهو أوفى الخلق بالذمم")، متابعًا بأنه أخطأ خطأ أكبر من ذلك، وسرد الأبيات التالية:
يا أكرَمَ الخلقِ ما لي مَن ألوذُ به .. سِوَاكَ عِندَ حُلولِ الحادِثِ العَمِمِ
اِنْ لم يكُن في مَعَادِي آخِذَاً بِيَدِي .. فَضْلا والا فَقُلْ يا زَلَّةَ القَدَمِ
فإنّ من جودك الدّنيا وضرّتها ... ومن علومك علم اللّوح والقلم
وأوضح: (فجعل هذا المسكين لياذه في الآخرة بالرسول صلى الله عليه وسلم دون الله عز وجل، وذكر أنه هالك إن لم يأخذ بيده، ونسي الله سبحانه الذي بيده الضر والنفع والعطاء والمنع، وهو الذي ينجي أولياءه، وأهل طاعته، وجعل الرسول صلى الله عليه وسلم هو مالك الدنيا والآخرة، وأنها بعض جوده، وجعله يعلم الغيب، وأن من علومه علم ما في اللوح والقلم، وهذا كفر صريح، وغلو ليس فوقه غلو).
وأفتى بن باز (إن كان مات على ذلك، ولم يتب: فقد مات على أقبح الكفر، والضلال) محذرًا كل مسلم من أن يغتر ب"البردة "، وصاحبها.
الصوفية تواجه اتهامات الوهابية في تكفير البردة
رد الموقع الرسمى الناطق بلسان الأشاعرة "السادة الأشاعرة – جمهور أهل السنة والجماعة" فى مقالة على مهاجمهى البردة ومن وصفوها بالشرك، ذكرت: "إن كانت البردة الشريفة للبوصيرى شركًا كما يدعى الوهابية فيكون علماء الأمة كلهم مشركون"، مدللين على ذلك بذكر قائمة طويلة تضم "بعض العلماء أئمة الدين الذين روَوْا هذه القصيدة (البردة) وأثبتوها في كتبهم، وسمعوها مع سماعهم للكتب"، بحسب الموقع.
واختتمت المقالة بتساؤل: "هؤلاء علماء الأمة ليسوا ممن يجهلون الشريعة وليسوا مخدوعين في دينهم .ولعل هذه مناسبة جدية حتى يعرف البعض كم هو بعيد عن الأمة وكم هو مخدوع في دينه وكم هو مقلد تقليدًا أعمى من حيث لا يعلم".
الشيخ محمد سعيد البوطى يرد على الوهابية ويدافع عن البوصيري
وواجه الشيخ الراحل أكرم عقيل، شيخ الطريقة البرهامية، من هاجموا "البردة"، فى مقالة منشورة له على موقع "الصوفية"، واصفًا إياهم بأصحاب العقول السقيمة: حيث قال: (في هذه البردة أبيات ترد على أصحاب العقول السقيمة الذين يقولون أن في هذه المدائح ما فيه غلو ومبالغة في مدح الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. والمحزن حقًا أنه جرى على ألسنة قوم يعتقدون بذلك أنهم يدافعون عن التوحيد، فمتى كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سببًا في ضياع توحيد أحد من أمته وهو مطهر التوحيد الأعظم، والدال عليه، والمرشد إليه".
وأكمل مقاله بمجموعة من الأبيات للبوصيرى قال إنها جاءت "لتخرس ألسنة الجهال":
دع ما ادعته النصارى في نبيهم .. واحكم بما شئت مدحًا فيه واحتكم
وانسب إلى ذاته ما شئت من شرف .. وانسب إلى قدره ما شئت من عظم
فإن فضل رسول الله ليس له .. حد فيعرب عنه ناطق بفم
واختتم عقيل، مقالته قائلًا: "ومازالت مجالس المديح منعقدة في كل بقاع العالم الإسلامي، هذا يقرأ البردة، وهذا يقرأ قصة مولده الشريف، وهذا ينشد المدائح في وصفه، فتتعلق به القلوب، وتهتز الأرواح وتسبح في محراب التبتل والسمو تطلعًا لأوصاف كماله وجماله"، متابعًا: "وكم من أناس كانت مثل هذه المجالس سببًا في توبتهم ورجوعهم إلى الله، مما أفاض الله فيها من بركات ونفحات أصابت قلوب من شاء من عباده، فكان ومازال هذا الحبيب سببا في الهداية ودالا عليها".
توفِّي الشيخ المغربى الأصل، البوصيري، بالإسكندرية سنة 695 ه / 1295م عن عمر بلغ 87 عامًا ودفن بمسجده هناك حيث ضريحه، الذى أصبح مزارًا للمحبين من جميع أنحاء القطر، ويقع مسجد الإمام البوصيري على شاطيء البحر بحي الأنفوشي في منطقة ميدان المساجد وفي مواجهة مسجد أبي العباس المرسى ويأخذ نفس الشكل المعماري تقريبًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.