المشهد الإعلامي الذي يصفه الجميع بأنه صار عبثيًا، حتى من الإعلاميين أنفسهم، يغيب عنه بعض الوجوه التي زادته بهجة يومًا ما، بسبب كونها إما محسوبة على ثورة 25 يناير، وإما معارضة للنظام الحاكم الآن في مصر وعلى رأسه الرئيس عبد الفتاح السيسي. واستطاع مُقدّمو البرامج الحوارية بالفضائيات المصرية الخاصة «توك شو»، أن يُمكّنُوا بقوة لسلطتهم «الرابعة»، ويُشهِروا سِلاح المعارضة الإعلامية بعد ثورة 25 يناير، خاصة عام حكم الرئيس المعزول محمد مرسي ، ما جعل جماعته « الإخوان» تؤكد مرارًا أن هناك توظيفًا سياسيًا لهؤلاء الإعلاميين وللفضائيات التي يظهرون عبرها، وبنهاية الأمر.. قوة الخطاب الإعلامي لهذه القنوات ولهؤلاء الإعلاميين ساهم في تحريك المصريين لإسقاط الرئيس الإخواني. بعض هذه الوجوه الإعلامية التي كان لها دور كبير تختفي واحدة تلو الأخرى، فقط لاختلافها سياسيًا مع دولة ما بعد حكم الإخوان.. وترصد «التحرير» في هذا التقرير، ثلاثة إعلاميين استطاعوا أن يصنعوا لأنفسهم أسماءً أخذت نصيبها من النجومية على شاشات التلفاز، والآن غائبون عن المشهد الإعلامي. باسم يوسف من «يوتيوب» وفي عام الثورة المصرية 2011، بدأ انتشار اسم الرجل الذي يسجل فيديوهات تقرّع «الفلول» وتمجد الثورة وأهلها، اسم باسم يوسف، هو المذيع الأشهر عام 2013 ببرنامجه «البرنامج» على فضائية «CBC»، الذي نال خلاله بالتوازي مع الجماهيرية والثروة، هجومًا وصل لحد التظاهر أسفل مسرح «راديو» في وسط البلد، حيث يصور حلقات برنامجه، لذلك لم يدم شهر العسل طويلاً بين «cbc» وصاحب البرنامج الأعلى مشاهدة في الوطن العربي، والحائز على جوائز من بينها «حرية الصحافة»، فبعد أولى حلقات الموسم الثاني، والتي سبقتها تحذيرات لباسم من حلفائه وقت معارضة «الإخوان» بعدم التعرض للفريق أول، حينها، عبد الفتاح السيسي، تعرض «البرنامج» لهجوم محبي «السيسي» الذي جاء في صورة مظاهرات وبلاغات من العامة وتصريحات لاذعة من النخبة، أما «cbc» فاحتفظت لنفسها برد الفعل الأقوى بين الجميع وقررت وقف البرنامج. وفي إطار السعي لسجن باسم الذي عرف طريقه لشاشات التليفزيون لأول مرة من خلال قناة «أون تي في»، اتفقت معسكرات متحاربة أبعد ما تكون فكريًا وسياسيًا عن بعضها، فتلقى الإعلامي بلاغات في حقه من «الإخوان» وأنصارهم بتهم «ازدراء الإسلام، ونشر الإلحاد» و«إهانة الرئيس» وحتى «إهانة باكستان»، ليتلقى بعد إزاحة الحكم الإخواني بلاغات وصل عددها ثلاثين في أقل من أسبوع، قدمها ضده هذه المرة من شجعوه واعتادوا ترديد «إفيهاته» المضادة ل«الإخوان» ولرئيسهم حتى قبل 30 يونيو، ولكن اتهاماتهم له كانت «إهانة السيسي والجيش»، بعد حلقة برنامجه التي تناولت أخطاء «الإخوان» والحب المفرط لقائد القوات المسلحة لدرجة وضع اسمه على قطع الشيكولاتة. وواصل «يوسف»، (40 عامًا)، ترحاله في مشواره ذي «الوقوف المتكرر» من «cbc» إلى «mbc» حيث نفس القدر من الانتشار والإمكانيات المادية والابتسامات والسخرية والجدل، وأيضًا التوقفات والاعتذارات، فمنذ توقف البرنامج لأجازة قبيل الانتخابات الرئاسية ب«MBC»، امتدت الأجازة لعدم التأثير على أصوات الناخبين، ثم توقف البرنامج نهائيًا، تاركا ابتسامة على وجوه الجمهور كل من تابع وعشق الإعلامي الساخر. وخرج «يوسف» بعدها ليُقرر توقفه عن تقديم «البرنامج»، وذلك خلال مؤتمر صحفي، مضيفًا: «أنا اتبهدلت من وراء هذا البرنامج، من تشويش وتحقيق مع النائب العام، ورغم ذلك كنت أطلع كل أسبوع، وده مش مناخ يطلع منه برنامج كوميديا، احنا جبنا أخرنا، وقف البرنامج هو انتصار للبرنامج، وأعتقد أن الرسالة وضحت». يسري فودة يسري فودة المذيع الذي كان نجمًا في قناة «On TV»، ببرنامجه «آخر كلام»، انسحب تمامًا من المشهد الإعلامي بعد 30 يونيو، بعدما لعب دورًا بارزًا في عهد الرئيس الإخواني محمد مرسي، وبعدما استمر في تقديم برنامجه هذا لمدة خمس سنوات، فمن ينسى مقدماته النارية التي طالما كان ينتظرها عشاقه ومحبيه، وكلمته الشهيرة «طيب الله أوقاتكم». فودة الذي اتجهت آراءه إلى تأييد المرشح لرئاسة الجمهورية وقتها، محمد مرسي، ضد منافسه رئيس الوزراء الأسبق، أحمد شفيق، وبعد مرور نحو 6 أشهر من حكم مرسي، عقب أحداث قصر الاتحادية، خرج في مساءٍ جديد، معتذرًا، وقال: «أول حجرٍ نحو مستقبل قريب أكثر ظلمةً يأتي من اتجاه من يردد أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ومن يده، فلا أنتم سدنة الدين ولا شعب مصر كفرة، ولك يا سيادة الرئيس فأعلم: لا يُلدغ المؤمن من جحرٍ مرتين، فوعدتَ فأخلفتَ فقسّمتَ فخرجتَ من بابٍ خلفي، فتركتَ أمةً في مهب الريح فحقّ عليّ أنا أن أعتذر، اخدعني مرةً عارٌ عليك، واخدعني مرتين عارٌ عليّ، واليوم أعلن استقالتي من حبك يا سيادة الرئيس، فبدون ذلك لن أستطيع أن أحتفظ باحترامي لنفسي، بقدر كل صوت مر من خلالي إليك، أعتذر لشعب مصر، تحترق المشاعر ويدمى القلب لكن حبي للحق أقوى ولكل أبناء الوطن، إلى ذلك وصلنا معًا بعد أن كنا معًا في طريق واحد، و بعد حُلُمٍ صيغ بين شغاف القلب بيدين معًا إلى هذا وصلنا». فودة في حلقة يعود تاريخها إلى 17 يونيو 2013، إبان ثورة الثلاثين، أطل على متابعيه بكلماتٍ شديدة اللهجة وجهها لمرسي ونظامه، قائلًا: «الخروج على الحاكم في سوريا حلال والخروج عليه في مصر حرام في رأي مؤيدي رئيس مصر الذي لا ينفك يهدد جانبًا من شعب مصر، يفرّق الرئيس في تهديده بين من يصفهم ب(شباب الثورة الطاهر)، من ناحية، ومن يصفهم ب(الفلول والفاسدين)، من ناحية أخرى، تقدم ضخمٌ في لغة الخطاب هذه المرة، لكن الحقائق فيما يقرب من عام على حكمه تشهد على أنه لم يدخر وردة في مصالحة الفلول والفاسدين، ولا هو ادخر عصًا في عقاب شباب الثورة الطاهر، ولا هو ساءه كثيرًا مهرجان البراءة للجميع، العد التنازلي نحو عام كامل وقد أصبحنا أضحوكة على موائد الأمم، و لعبة بين أصابع الإرهابيين، وممسحة تحت أقدام كل من هب و دب، العد التنازلي نحو عام كامل من دولة فاشلة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا وبين أيدينا مائة شهيد وآلاف المصابين والمحبوسين والمكتئبين والمهدرة حقوقهم، طول ما الدم المصري رخيص، يسقط يسقط أي رئيس». فودة عبر عن غضبه الشديد عقب فض رابعة والنهضة، وخرج بكلماته الأخيرة في أخر مقدمات «آخر كلام»، يعود تاريخها إلى 25 سبتمبر 2014، قائلًا: «رمى حجرًا وأمعن ثم ولّى، ولم يترك دليلا أو محلا، وعاذ بما تبقى من حياءِ، وشكّل يومه ثم استقلا، وقال: أموت، لكن لست أحني على كتف الزمان الرأس ذلا، لأن الموت لوّن كل شئ، و ألقى بين أعظمنا عروقهْ، لأن اللون في دمنا ضبابٌ، لأننا نحن أخطأنا طريقهْ، لأن العمر يأتي عند يومِ و يعلن بين أيدينا مروقهْ، أرد إلى العيون شعاع أمسي، وألقي في حُميّاها بريقهْ، ومن جسدي النحيل أشد جسرًا لكل العابرين إلى الحقيقة، فيا وطني رأيتك في التقاء الرأس هلكٓى بالحوائط، رأيتك في عيون القطة الجوعى تغالط، رأيتك في اصفرار الماء في سلخ المشيمةْ، رأيتك في احمرار الأفق في وجه الحدود، رأيتك في انتشاري في السدود، رأيتك حين ينكشف الغطاء عن الصباح، ووجهك مستباح». ريم ماجد «ريم» التي كانت من الموقعين علي بيان «الجمعية الوطنية للتغيير»، قبل 25 يناير، وشاركت في حملة المليون توقيع على بيان «معًا سنغير» للدكتور محمد البرادعي، في 2010؛ مقدمة برنامج «بلدنا بالمصري»، منذ عام 2009، مع الكاتب الصحفي إبراهيم عيسى، والذي يعتبر العلامة المميزة في مشوارها الإعلامي، والتي أصبحت تقدمه بمفردها بعد رحيل «عيسى» قبل ثورة 25 يناير، وحاز ذات البرنامج على اختيار لجنة التقييم الإعلامية كأفضل برنامج حواري في التقرير النهائي لرصد التغطية الإعلامية خلال المرحلة الانتقالية. ريم التي قدمت في مارس 2011 حلقة مشتركة مع الإعلامي يسري فودة، واستضافت فيها رئيس الوزراء المصري الأسبق أحمد شفيق، والكاتب الروائي علاء الأسواني، والإعلامي حمدي قنديل، في واحدة من أشهرحلقاتها وأكثرها إثارة للجدل، واستمرت الحلقة لأكثر من 4 ساعات، وكانت آخر ظهور تلفزيوني لرئيس الوزراء، «شفيق» حينها، الذي استقال بعد الحلقة بعدة ساعات، وأكد «شفيق» أن الحلقة كانت أحد أسباب استقالته من رئاسة الوزراء، وكتبت «ماجد» على صفحتها على موقع «فيس بوك» ردًا عليه: «إذا كانت استقالة رئيس الوزراء شرف فلا يصح أن ينسبه إلى لقاء تلفزيوني»، وأضافت «شفيق لم يغض من الهجوم الذي تعرض له في برنامجي من قبل، وقال لي عند دخوله الحلقة بشكل ودود جدًا (يا مطلعة روحي)». «يسقط يسقط حكم العسكر في أي بلد في الدنيا».. هكذا كان ردها عندما سألها الإعلامي طوني خليفة «هل أنت آسفة على هتافك يسقط يسقط حكم العسكر؟»، في برنامجه «آسفين يا ريس»، الذي عُرض عبر فضائية «القاهرة والناس» بعد 30 يونيو، لتضيف «هناك فرق بين دور الجيش الوطني تجاه الشعب، وبين أن يحكم»، مؤكدة ثبات مواقفها دائمًا، وتمسكها بمبادئها، حتى وإن كان هتافا أصبح هذه الأيام تهمة تلاحق صاحبها. «ريم ماجد» الإعلامية التي «فضلت الصمت على قول نصف الحقيقة»، حلت ضيفة على «النيابة العسكرية»، وتعرضت لهجومٍ على ألسنة معارضيها من رموز نظام مبارك والتيار الإسلامي الذين وصفوها ب«الخائنة»، تلك التهمة التي تقول إنها «أكثر شيء يوجعها في الحياة»، وهي ذاتها التي أبطلت صوتها في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2012، ووجهت الشكر لمن أسمتهم بعاصري الليمون، وقالت إن «علمها بوجود هؤلاء الذين سيمنحون أصواتهم لمرسى، جعلها تبطل صوتها، ولا تعطيه لأيًا من المرشحين مرسى أو شفيق». «ريم» في مايو 2012، أعلنت أنها قررت الدخول في إجازة من تقديم برنامجها «بلدنا بالمصري» حتى اختيار رئيس جديد، وذلك في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية عام 2012، بعد إعلان نتيجة الجولة الأولى بفوز كل من محمد مرسي والفريق أحمد شفيق، وقالت في مقال لها بعنوان «الضمير المهني والضمير الإنساني» نشر بوكالة «أونا» في مايو 2012: «أن قرارها ناتج عن صراع بين ضميرها المهني وضميرها الإنساني»، مشيرة إلى أن كلاهما يمنعاها من الاستمرار حاليًا، وأنها «وقعت في حيص بيص حائرة بين اختيارين كلاهما مر أن تختار بين من (قتل القتيل والمشي في جنازته، وبين من وقف متفرجًا على القتيل وهو يقتل ولم يكتف بالفرجة، بل أمعن في تشويهه والتحريض عليه، ثم سار أيضًا في جنازته)». «ريم ماجد تعلن عودتها مجددًا للشاشة بمطلع مايو الماضي، عنوان تصدر أخبار المواقع الإخبارية ليعلن عودة الإعلامية المثيرة للجدل ببرنامج جديد باسم «جمع مؤنث سالم» من إنتاج قناتي «دويتشه فيله» الألمانية و«أون تي في» بعد غياب أكثر من عام ونصف؛ وبعد حلقتين فقط من بدء إذاعته صدر قرار بوقف البرنامج. وقالت ريم ماجد إنها لم تتلق أي اتصالات من أي جهة رسمية لتوضيح أسباب وقف برنامج «جمع مؤنث سالم »، موضحًة: «هناك جهات تأخذ قرارات وتترك لنا تخمين الأسباب، والمؤلم بالنسبة لي في وقف البرنامج، أن بقالي سنتين لا أعمل لأسباب شخصية، وقررت عدم العمل بقنوات غير مصرية، وجذبتني التجربة لأن البرنامج مشترك بين أون تي في ودويتش فيله». وأكدت ريم، في مداخلة هاتفية لبرنامج «آخر النهار» على قناة «النهار»، أنها «محرومة من العمل في أي قنوات مصرية، ومن وقف برنامجي عليه توضيح أسباب قراره، ومعرفش أنا ليه محرومة من العمل في المحطات المصرية»، مؤكدًة أن «هناك قرارات بتتاخد من بعض الجهات السيادية، واحنا بنقعد نضرب أخماس في أسداس، الجهة صاحبة القرار مطالبة بتوضيح أسباب القرار»، متابعة: «أنا ماشية في الطريق اللي راضية به، ومقتنعة به، لما برنامج بيتوقف أو شخص بيتمنع من التعبير عن رأيه، الوصاية الحقيقية بتفرض على المشاهدين أكتر من الإعلامي أو الشخص نفسه»، مؤكدة أن «وقف البرنامج ليس له علاقة بمضمون الحلقات، وأنا أصلا مش بتكلم في الحلقتين الضيوف هم أبطال الحلقات، وأنا شايفة أن مبدأ المنع وصاية على المشاهدين، والجماهير هم من يمنعون». وقالت «ريم» مؤخرًا، إنها ممنوعة من الظهور على أي قناة مصرية، موضحة أنها توقفت عن العمل لأنها تعتبر أن «نصف الحقيقة كذب»، مضيفة في مداخلة هاتفية ببرنامج «شباب توك»، على قناة «دويتشه فيلله»: «سأعود في الوقت الذي أشعر فيه بأنني أرضي ضميري المهني قبل الإنساني»، مشيرة إلى أنها تشعر حاليًا بالعجز، لأن «الصحفي أو الإعلامي يشعر بالعجز عندما يتم إسكاته وتجريده من جميع الأدوات التي يحتاجها للبحث عن المعلومة، وإيصال حقائق يخاف الآخرون الإفصاح عنها».