شرين القاضي: إذا كانت السعودية جادة في زيادة الاستثمار فلماذا نلجأ للاقتراض من البنوك الدولية؟ رائد سلامة: كان على الحكومة انتظار البرلمان بدلا من توريط مصر والأجيال القادمة في الديون كان الخديوي إسماعيل يعتمد على القروض كوسيلة أساسية لتطوير البلاد، لكن انتهاء الحرب الأهلية الأمريكية أدى إلى تراكم الديون على البلاد نظرًا لانخفاض اسعار القطن المصري في مواجهة نظيره الأمريكي. وقد قال المسيو جابرييل شارم Gabriel Charmes أحد كتاب فرنسا السياسيين ومن محرري جريدة (الديبا) وقد عاصر الخديوي إسماعيل حاكم مصر خلال الفترة من 1963 إلى 1979 "إن إسماعيل باشا قد اقترض سنوات حكمه (120 مليون جنيه تقريباً)، ولكن الواقع أن نصف هذا المبلغ على الأقل بقي في يد الماليين وأصحاب البنوك والمضاربين من مختلف الأجناس ممن كانوا يحيطون به على الدوام وهذا هو الخراب بعينه". ولعل ما يجري في مصر خلال الأيام الجارية في الألفية الثالثة في أثناء حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي من كثرة اعتماد مصر على القروض يعيد إلى الأذهان منهج الخديوي إسماعيل، لاسيما وأن غالبية القروض التي تحصل عليها مصر في الفترة الحالية توجه للموازنة العامة للدولة. وجاءت إعلانات القروض مؤخرًا بشكل مفاجئ وبلغت بشكل إجمالي من البنكين الدولي والإفريقي للتنمية نحو 4.5 مليار دولار، موزعة على 3 سنوات. حيث أعلنت الدكتورة سحر نصر، وزير التعاون الدولي، موافقة مجلس إدارة بنك التنمية الإفريقي على توفير قرض ميسر بمبلغ 500 مليون دولار، في إطار برنامج شامل للتنمية الاقتصادية ودعم الموازنة العامة بإجمالي 1.5 مليار دولار على 3 سنوات، يتم تسديده بفائدة بسيطة على مدى 20 عامًا وفترة سماح 5 سنوات. وأكدت وزيرة التعاون أن البنك الدولي وافق على منح مصر قرض بقيمة 3 مليارات دولار على مدار 3 سنوات، في إطار برنامج شامل للتنمية الاقتصادية ودعم الموازنة العامة للحكومة. كما وافق مجلس إدارة البنك الدولي على زيادة محفظة مصر من 5 مليارات دولار إلى 6 مليارات دولار، والتي يذهب جزء منها لدعم الموازنة والآخر للمشروعات التنموية، وكذلك لاستراتيجية التعاون مع مصر على مدار 4 سنوات. ومنذ يومين شهد المهندس شريف إسماعيل، رئيس مجلس الوزراء، مراسم التوقيع على اتفاق مع البنك الدولي بقيمة مليار دولار، كدفعة أولى من البرنامج الشامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، المقترح تنفيذه مع البنك على مدار 3 سنوات بإجمالي مبلغ 3 مليارات دولار. حيث وقع الاتفاق الدكتورة سحر نصر، وزيرة التعاون الدولي، وأسعد عالم، المدير الإقليمي المسؤول عن مصر واليمن وجيبوتي بالبنك الدولي. كما شهد الأسبوع قبل الماضي إعلان السعودية لزيادة استثماراتها في مصر إلى نحو 8 مليارات دولار "30 مليار ريال سعودي"، بالإضافة إلى منحة سلعية لمصر بمقدار ٧٥٠ مليون دولار. وأكد المملكة أن الشحنات البترولية سوف تبدأ في الوصول مع بداية شهر يناير المقبل. وبحسب البيانات الرسمية سجل احتياطي النقد الأجنبي نوفمبر الماضي، 16.423 مليار دولار، بزيادة حوالي 8 ملايين دولار، مقابل 16.415 مليار دولار في أكتوبر وطرحت وزارة المالية سندات خزانة بقيمة إجمالية بلغت 7.250 مليار جنيه، أجل 3 سنوات (استحقاق أول ديسمبر 2018)، بقيمة 3 مليارات جنيه بمتوسط سعر فائدة بلغ 12.521%، فيما سجل أقصى سعر12.530%، وأدنى سعر 12.490%. وخلال عام 2014/2015 أصدرت المالیة أوراق مالیة حكومیة أذون وسندات خزانة بقیمة 1.097 تريليون جنيه، أي ما یعادل 86% من إجمالي احتیاجات تمویلیة تقدر بنحو 1.278 تريليون جنيه. وأوضحت استراتيجية إدارة الدين العام متوسطة الأجل عبر موقعها الإلكتروني، أن الوزارة أصدرت أذون خزانة بقيمة 846 مليار جنيه وسندات خزانة بقيمة 239 ملیار جنیه ونحو 11 مليار جنيه المقابل بالعملة المحلية لإصدار السندات الدولاریة الدولیة التي قامت الوزارة بإصدارها في یونیو الماضي. وبلغت قيمة المطلوبات من الحكومة في أغسطس 2015 ما قيمته تريليون و 359 مليارًا و796 مليون جنيه، منهم تريليون و 213 مليارًا و284 مليون جنيه أوراق مالية، وما قيمته 507 مليارًا و686 مليون جنيه، قروض وخصم فوائد للقروض. بينما كان حجم المطلوب من الحكومة في يونيو 2010 إجمالي 326 مليارًا و141 مليون جنيه، منهم 440 مليارًا و410 مليون جنيه أوراق مالية و 68 مليارًا و139 مليون جنيه قروض وخصم. ويلاحظ أن قيمة الأوراق المالية أعلى من الإجمالي لأن الإجمالي للمطلوب من الحكومة يتم فيه خصم حجم الودائع الخاصة بالحكومة وهي هنا كانت 182 مليار و 408 مليون جنيه . الخبير الاقتصادي شيرين القاضي قال معلقًا على كثرة القروض التي تتعاقد عليها الحكومة في المرحلة الأخيرة، "لسنا في وضع آمن للاقتراض ورفع المدونيات الخارجية، وزيادة أعباء خدمات الدين، وللأسف الغرب يزيد من الضغوط على مصر حتى تلجأ للاقتراض كحل لسد جز الموازنة". وأضاف القاضي أن شروط البنك الدولي لم تعد صعبة على مصر في ظل رفع الدعم تدريجياً، لكن المشكلة تكمن في أن مصر لا تزال غير قادرة على تشجيع الاستثمار الوطني و الأجنبي، واللجوء للاقتراض "قلة حيلة" مؤكدًا على خطورة الاقتراض فقط من أجل سد عجز الموازنة. وتابع "المصيبة أنهم بيستلفوا لسد عجز الموازنة، علشان ليس لدى الحكومة قرارت ورؤية لخفض عجز الميزان التجاري الذي يبلغ نحو 40 مليار دولار سنوياً". وقال القاضي "المساعدات الخليجية انكمشت وتباطئت جدا، ولو هناك جدية من الجانب السعودي في زيادة استثماراتهم في مصر، فلماذا نلجأ للاقتراض من البنوك الدولية، إلا إذا كانت مصر غير جاهزة بمشروعات تطرحها على المستثمر السعودي". ومن جانبه، قال الدكتور رائد سلامة الخبير الاقتصادي والمدرس بالجامعة الأمريكية، إن ديون مصر بدأت بطبق "مكرونة" أيام الخديوي سعيد لعشقه المكرونة، ومقابل ذلك تنازل عن أرض بالمجان وتم تشغيل المصريين فيها بالسخرة بأثمان بخسة. وأضاف سلامة أن الوضع القائم حاليًا، ووفقاً لآخر بيانات البنك المركزي في نهاية سبتمبر الماضي، فإن ديون مصر الأجنبية بلغت 46 مليار دولار، والمحلية بلغت 2 ترليون جنيه، بالإضافة لتآكل احتياطي النقد الأجنبي شهرياً، مشيرًا إلى أن الطرح الأخير لهشام رامز رئيس البنك السابق بقيمة مليار دولار لا ندري من أين جاء به. وتابع "اضطرت الحكومة للاستدانة في ظل وضع مأزوم، والدائنون يريدون أن يقرضونا حتى يغرقونا بمزيد من الديون ويفقدونا حريتنا على قدرة اتخاذ القرار السياسي بما يخل باستقلالنا الوطني، لذلك لن يفرق مع تلك البنوك ومن يقودها إقراض مصر بضعة مليارات دولارات" مستشهدا بالقضاء على الاتحاد السوفيتي ب 10 مليارات دولار، حسب قوله. وقال سلامة "الغرب بعملائهم الإقليميين بيغرقونا في الديون، ومافيش إيرادات داخلة والفوائد والأقساط هاتتراكم وهانذهب للاقتراض مره أخرى وندخل دائرة جهنمية لو لم نتوقف عن ذلك، مؤكدا أن الراي العام ينتظرالشفافية من البنك المركزي في عرض ما يتم اقتراضه علشان المصريين يعرفو هايسددوا القروض دي إزاي". ويرى سلامه أنه كان من الأولى للحكومة انتظار البرلمان القادم، بدلا من توريط مصر والأجيال القادمة، مضيفاً بقوله "أن السعودية مخلب قط لتدمير اقتصادنا الوطني" وكل ما تقوم به تجاه مصر له أهداف سياسية، لذلك يجب على حكومتنا أن تفصح عن مقابل تلك المساعدات السعودية وتوضيح أيضا كيف ستضمن التزام السعودية بمد مصر بالنفط خلال 5 سنوات، هل من خلال سلف أم قرض أم منحة وما هو المقابل؟.