عاجل: ما حقيقة انخفاض الأرز الأبيض والشعير من جديد 2024 ؟    «الزراعة» : منتجات مبادرة «خير مزارعنا لأهالينا» الغذائية داخل كاتدرائية العباسية    مصر والكويت.. انقشاع الغبار    أنشيلوتي أبرزهم.. المرشحين لجائزة مدرب الشهر في الدوري الإسباني    أزمة الضمير الرياضى    الاستماع لأقوال شهود العيان في مقتل شاب خلال مشاجرة بالقليوبية    "حول الحكم والإدارة".. صدور الجزء الرابع من كتاب الرئيس الصيني بالعربية    قبل طرحه في السينمات.. تفاصيل شخصية شريف منير في فيلم «السرب»    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    جمعة فى مؤتمر رابطة العالم الإسلامى بالرياض: نرفض أى محاولة لتهجير الشعب الفلسطينى وتصفية قضيته    سفير الصين: العلاقات مع مصر في أفضل حالاتها.. وتجمعنا طموحات مشتركة    تنمية شاملة بعد عقود من الإهمال| مشروعات زراعية وصناعية وبنى تحتية فى كل شبر من أرض الفيروز    تحرير سيناء.. «قصة كفاح نحو البناء والتنمية» ندوة بمجمع إعلام قنا    تشكيل بيراميدز في مواجهة البنك الأهلي    رياضة الوادى الجديد تختتم فعاليات الحوار المجتمعي «دوي» وإعلان المبادرات الفائزة ببرنامج نتشارك    تريزيجيه ينافس مبابي ووالكر في قائمة مميزة حول العالم    عاجل.. تنبيه مهم من البنوك لملايين العملاء بشأن الخدمات المصرفية    وزارة التخطيط وهيئة النيابة الإدارية يطلقان برنامج تنمية مهارات الحاسب الآلي    سيناء من التحرير للتعمير    خبير سياسات دولية: اللوبي الإسرائيلي ما زال يضغط على الولايات المتحدة (فيديو)    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    عناوين مكاتب تطعيمات الحج والعمرة بمحافظة كفر الشيخ ومواعيد العمل    عاجل من الصحة بشأن منع هذه الفئات من الخروج في الموجة الحارة (فيديو)    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    طلاب كولومبيا: لن ندخل في مفاوضات مع إدارة الجامعة    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    حجز قضية مصرع شاب على يد 6 أشخاص في المنصورة للنطق بالحكم (فيديو)    العروسة في العناية بفستان الفرح وصاحبتها ماتت.. ماذا جرى في زفة ديبي بكفر الشيخ؟    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    أوراسكوم للتنمية تطلق تقرير الاستدامة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات    إجازة شم النسيم 2024.. موعدها وعدد أيامها بعد قرار مجلس الوزراء بترحيل الإجازات    رئيس جامعة جنوب الوادي يكرم الوفود المشاركة بالملتقى الفني 21 لشباب الجامعات    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    توقعات برج الثور في الأسبوع الأخير من إبريل: «مصدر دخل جديد و ارتباط بشخص يُكمل شخصيتك»    حكم الاحتفال بشم النسيم.. الإفتاء تجيب    هل هناك أذكار وأدعية تقال في الحر الشديد؟.. رد واضح من الإفتاء    رغم توافر السيولة الدولارية.. لماذا يرفض التجار استلام بضائعهم من الموانئ؟| تفاصيل    زيادة وتيرة حرب أسعار السيارات الكهربائية في الصين    قريبا.. مباريات الدوري الإسباني ستقام في أمريكا    محافظ المنيا: تقديم كافة الدعم للأشقاء الفلسطينيين بالمستشفى الجامعي لحين تماثلهم للشفاء    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    حزب الحركة الوطنية يناقش خطة عمل المرحلة المقبلة والاستعداد لانتخابات المحليات    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    روسيا تبحث إنشاء موانئ في مصر والجزائر ودول إفريقية أخرى    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    حقيقة حديث "الجنة تحت أقدام الأمهات" في الإسلام    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    هل يجوز أداء صلاة الحاجة لقضاء أكثر من مصلحة؟ تعرف على الدعاء الصحيح    نقيب «أسنان القاهرة» : تقديم خدمات نوعية لأعضاء النقابة تيسيرا لهم    دماء على «فرشة خضار».. طعنة في القلب تطيح بعشرة السنين في شبين القناطر    الاتحاد الأوروبي يطالب بتحقيق مستقل بشأن المقابر الجماعية في غزة    اسكواش - فرج: اسألوا كريم درويش عن سر التأهل ل 10 نهائيات.. ومواجهة الشوربجي كابوس    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    الحج في الإسلام: شروطه وحكمه ومقاصده    بشير التابعي: أتوقع تواجد شيكابالا وزيزو في التشكيل الأساسي للزمالك أمام دريمز    دعاء العواصف والرياح.. الأزهر الشريف ينشر الكلمات المستحبة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هجر القرآن أخلَّ برسالة الإسلام

لقد علم الله سبحانه وتعالى بعلمه الأزلي بأن عباده من المسلمين سوف يهجرون القرآن وسيؤدي ابتعادهم عن كتاب الله إلى تفرقهم وتشرذمهم، بل حدوث التصادم بين الفرق المختلفة التي اتبعت كل فرقة منهم مذهبًا أو عقيدة صاغها مفهوم بشري، ونقلها رواة من قصص لا تتوافق في كثير من الأحيان مع القرآن الكريم، ونسبوها إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- زورًا وظلمًا، فلم يكن الأنبياء في مختلف العصور أو الرسل أن منحهم الله حق التشريع، ولو حدث ذلك فسوف يحدث تصادم بين تشريع الخالق رب السموات والأرض العليم الخبير وبين الرسل والأنبياء، الذين هم بعض من خلقه لا يملكون حق التشريع إنما أمرهم سبحانه بحمل رسالته للناس كما هي دون إضافة أو حذف أو تعديل ولذلك:
1- أمرنا الله سبحانه وتعالى بقوله (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا) وحبل الله هو القرآن، وهو يعلم سبحانه بأنه بعدم اتباع القرآن ستحل الفُرقة بين المسلمين، ولذلك حثَّ سبحانه عباده بالالتزام والتقيد بالقرآن الكريم حتى يمنع أسباب الفُرقة.
2- لقد جاء في سورة (الجاثية الآية 6) (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ ۖ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ) إنه تحذير واضح وتحدٍّ بعدم اتباع أية روايات أو أحاديث أو مفاهيم بشرية تخالف كلام الله، وتم إضفاء القدسية على تلك الروايات وما فيها من تناقض صادم في بعض الأحيان لآيات الله، فالله يريد لعباده التمسك بما جاء في كتابه العزيز ليحميهم من الوقوع في الصراع والتقاتل، ويريد لهم الخير والسعادة في الدنيا والآخرة، وأن تكون لهم مرجعية واحدة وهي القرآن فقط.
3- لقد جاء في سورة (الفرقان الآية 30) وَقَالَ الرَّسُولُ (يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا) لتؤكد هذه الآية الكريمة بأن رسول الله سوف يشتكي المسلمين إلى الله بأنهم هجروا القرآن، منبهًا ومحذرًا بخطورة الابتعاد عن التقيد بأوامر الله وتشريعاته فيما نص عليه القرآن الكريم دستورًا من الله لعباده ليضيء لهم طريق الحياة، ويعينهم على تحقيق السعادة في الدنيا، ويؤمن لهم حياة طيبة في الآخرة ويسكنهم جنات النعيم.
وإذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يشتكي لله أمة الإسلام بأنهم هجروا القرآن تحذيرًا للمسلمين بعدم تصديق أو اتباع أية روايات تواترت على مر السنين، تدعي على لسان رسول الله افتراء وكذبًا ما لم يقله بغية تحقيق مصالح دنيوية تدعم السلطان وتهدم مرجعية القرآن من قبل أعداء الله وأعداء المسلمين.
4- لقد وضع الله سبحانه وتعالى تشريعًا لخلقه مبنيًّا على حرية الاعتقاد والعدالة بأعظم صفاتها، حيث يقول سبحانه (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) وآية أخرى في سورة يونس (99) يخاطب نبيه (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) ويؤكد في آية (22) من سورة الغاشية (لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ)، ويوضح صلاحيات الرسول صلى الله عليه وسلم (لست عليهم بحفيظ) و(لست عليهم بوكيل) فمن أعطى لأي مخلوق حق أن يكون قاضيًا في حق الله، يكفر من يكره ويزكي بالتقوى لمن يحب؟ كيف غابت تلك الآيات الكريمة عن الذين نصبوا أنفسهم قضاة على العباد يقضون فيما لا يحق لهم، ويحكمون ظلمًا على الناس ويمارسون القتل ضد من يكفرونه.. كيف عميت أبصارهم عن كلام الله الذي لا يقبل التأويل أو التفسير، أحكامه واضحة جلية حدد فيها المولى عز وجل مسؤولية الأنبياء ومسؤولية خلقه، من خلال استقبال الرسالة وتبليغ الأنبياء لهم بأن يختاروا الدين الذي يريدون بمنتهى الحرية، وأن حسابهم عند الله جميعًا (كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ) ولم يمنح الخالق سبحانه أي نبي أو رسول أن يشاركه في التشريع لخلقه، فاحتفظ بحق التشريع لنفسه فقط، وترك للأنبياء والرسل التبليغ والشرح والتوضيح لمراد الله في كل آية من كتابه الكريم. ومن هنا نرى في هذا العصر صورة واضحة للفُرقة بين المسلمين، حيث حذر سبحانه بعدم التفرق، وعدم هجر القرآن بل بالاعتصام به ليحمينا من شرور أنفسنا ويجمعنا على كلمة واحدة على بناء مجتمع العدل والمحبة والسلام والرحمة.
احترام العقل وتنميته:
لقد أمرنا الله في محكَم كتابه بالتدبر واحترام العقل وتنمية الفكر والارتقاء به وتنقيته من الخرافات والأوهام وأحكام المنطق، ومرجعية القرآن وما فيها من دلالات تؤكد للناس أن يحرروا عقولهم ولا يرتهنوا لمقولات تواترت عبر القرون، ولا يقدسوا أناسًا مهما بلغ علمهم فإنهم بشر يخطئون ويصيبون، وما صاغته أفهامهم عبر القرون الماضية حسب قدراتهم الفكرية وحسبما أملت عليهم ظروفهم الاجتماعية، وقد وضع الله سبحانه وتعالى قاعدة عظيمة تأمرنا جميعًا بأن نستنبط حلولاً تتوافق مع كل عصر نابعة من القرآن الكريم، تأسيسًا لقوله تعالى في سورة البقرة (134) (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ ۖ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ ۖ وَلَا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ذلك قول فصل وأمر للناس بأن تجتهد كل أمة في كل عصر بما تحقق مصالحها الحياتية، فلن نسأل عمن سبقنا وكل سيحاسب بما كسبت يداه فلن يشفع لنا من عاش قبلنا، ولن تقينا أفهام وتفاسير من سبقونا، إنما يشفع لنا ما قدمناه لأنفسنا والناس في عصرنا الذي نعيشه. وقوله تعالى في سورة آل عمران (191) (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) إنها دعوة للتفكير، حيث يضرب الله لنا مثلاً عن الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض، إذ علينا أن نتبعهم في البحث والتدبر لما يتحقق بذلك من نتائج تفيدنا على تأصيل اعتقادنا وتقوية إيماننا، وترتقي بمجتمعاتنا وتضيف للإنسانية عناصر التطور والتنمية لرفعة شأن الإنسان في كل مكان، حيث مرجعيتنا القرآن رحمة وعدل ومحبة وسلام.
التكليف الإلهي وضوابط الدعوة
لقد كلف الله سبحانه وتعالى محمدًا بن عبد الله -صلى الله عليه وسلم- واختاره من بين عباده ليكون رسولاً إلى الناس يهديهم إلى الخير في الدنيا والسلامة في الآخرة، وليعيش الناس فيما بينهم على أساس من التعارف تطبيقًا للآية الكريمة رقم (13) في سورة الحجرات (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) وأن تسود الرحمة بينهم وفقًا لقوله تعالى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) فأنزل الله عليه القرآن الكريم وحدد فيه خارطة الطريق التي سيتبعها محمد -صلى الله عليه وسلم- لإيصال الرسالة للناس وتنفيذ شروط وضوابط التكليف الإلهي كما يلي:
أولاً: قال تعالى: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * والَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) تلك الآيات التي تضع المسلم على طريق الإيمان الصحيح لتكون لديه مسؤولية التكليف وتطبيق أوامر الله قولاً وعملاً.
ثانيًا: ويوجه الله سبحانه بأن القرآن نزل من عند الله في ليلة مباركة وقوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ).
ثالثًا: ويؤكد قوله تعالى في كتابه الكريم بأن الله أنزل آياته بالحق لا لبس فيها على الإطلاق، ولا شك، وأنها آيات القرآن الكريم أنزلها الله سبحانه على رسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- يبلغ بها عباده، ماذا بعد آيات الله الجلية الواضحة في كتابه الكريم إذا لم يؤمنوا بها فبأي حديث بعد كلام الله وآياته يؤمنون، كما جاء في سورة الجاثية الآية رقم 6 (تِلْكَ آيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ).
رابعًا: ويستمر القرآن الكريم في تحديده للتكليف الإلهي لرسوله الأمين ويرسم له خارطة الطريق في حمل الرسالة وتوضيح العلاقة بين رسالة الإسلام والرسالات الأخرى بأنه سبحانه قد جعل لكل أمة شِرعةً ومنهاجًا، ولم يجعلهم أمة واحدة لحكمة عنده، حيث تركز الآية الكريم (رقم 48 من سورة المائدة) على كيفية التعامل مع الشرائع المختلفة وأن يلتزم في أي حكم بينهم بما نزل الله في كتابه الكريم بقوله تعالى (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاء اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّه مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ).
خامسًا: واستكمالًا لتحديد معالم التكليف الإلهي، حيث يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله بأن مسؤوليته في القيام بإبلاغ الناس كافة ما جاء في قرآنه الكريم، رسالة الله لعباده تضمن لهم طريق الحياة وتؤمنهم من عذاب الآخرة يسعدون في الدنيا ويجزيهم الله الجزاء الأوفى يوم القيامة، حيث يؤكد قوله تعالى في سورة المائدة الآية رقم 67 (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، ويؤكد الله سبحانه وتعالى التمسك بالقرآن الكريم وليس بغيره تستقيم حياة الناس والاعتصام بما أنزله الله على رسوله في كتابه الكريم تنفيذًا لقوله سبحانه (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) سورة الزخرف الآية رقم (43)،
ويؤكد السياق القرآني في الآية رقم (44) سورة الزخرف قوله تعالى (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ).
إن هذا القرآن هو ذكر لك ولقومك وسوف تسألون عنه يوم الحساب (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم).
سادسًا : بعد ما حدد المولى سبحانه وتعالى عناصر التكليف الإلهي للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، وبين له مهمته في إيصال الرسالة للناس وأسلوب الدعوة لاعتناق الإسلام والمنهج الذي يجب على الرسول اتباعه في دعوته للناس، كما جاء في قوله تعالى في سورة النحل الآية 125 (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)
سابعًا: لقد حدد الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم حدود مسؤولية الرسول والضوابط التي عليه ألا يتجاوزها في سبيل الدعوة، والتي وضحها القرآن الكريم بصلاحيات محددة كما جاء في آيات الذكر الحكيم كما يلي:
1- سورة الفتح الآية رقم (8) (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا).
2- سورة التغابن الآية رقم (12) (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ).
3- سورة الرعد الآية رقم (40) (وَإِن مَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ).
4- سورة الزمر الآية رقم (41) (إنَّا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ لِلنَّاسِ بِالْحَقِّ فَمَنِ اهْتَدَى فَلِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ).
5- سورة الفرقان الآية رقم (43) (أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا).
6- سورة يونس الآية رقم (108) (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ).
7- سورة هود الآية رقم (86) (بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ).
8- سورة الشورى الآية رقم (48) (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ وَإِنَّا إِذَا أَذَقْنَا الإِنسَانَ مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ بِهَا وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ).
9- إن اعتناق الدين الإسلامي يتوجب الاعتقاد بوحدانية الله خالق السموات والأرض والاعتراف برسوله يعتمد على اقتناع الإنسان بأن يشهد بأن محمدًا رسول الله، والاستعداد لتحمل تكاليف العبادات واجتناب المحرمات والعمل بجهاد النفس للارتقاء بالقيم الإسلامية، والتمسك بسلوكيات المسلم الحق كقوله تعالى (من عمل صالحًا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد).
ثامنًا: وبمقتضى التكليف الإلهي وما قرره القرآن الكريم من اختصاصات الرسول في تنفيذ المهمة العظيمة التي أوكلها الله سبحانه إليه، وعليه أن يتقيد بكل المحاذير والخطوط الحمراء التي حددتها الآيات الكريمة، والالتزام الكامل بإيصال الرسالة للناس، وإزاء تلك المسؤولية وبعلم الله الأزلى بأن المسلمين سوف يبتعدون عن القرآن وسوف يتبعون روايات استحدثها الناس على لسان رسوله متعددة المصادر ومختلفة المقاصد، تسببت في تفرق المسلمين وكونت بؤرًا للصراع والقتال ليسقط عشرات الآلاف من المسلمين ضحايا لتلك النزاعات، وكل طرف يقتل أخاه ويستبيح حرماته بشعار الله أكبر على مدى أكثر من أربعة عشر قرنًا، حيث ترملت النساء وتشرد الأطفال وقتلوا آلاف الشباب وداسوا الكهول بحوافر الخيول، وتحولت المدن والقرى إلى مأتم كبير وعويل الثكالى يتردد صداه في السماء، رغم أن الإسلام جاء بالرحمة والمحبة والسلام والعدل، وقوله تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).
المتآمرون على الإسلام:
كيف استطاع المتآمرون على الإسلام وأعداء الله أن يزرعوا روايات وأحاديث تتعارض مع قيم القرآن وسماحته، كيف استطاعوا أن يغرقوا العقول في مستنقعات الفتنة والفرقة، والله يدعو للتعاون والبر والرحمة والتسامح والمحبة؟! كيف استطاعوا أن يمزقوا وحدة الرسالة إلى مرجعيات متناحرة متقاتلة كل منهم يبحث عن سلطة ومغنم ووجاهة؟! كيف استطاعوا أن يجعلوا منا معاول لهدم دين السلام والمحبة ويحولونا إلى وحوش كاسرة فقدت كل قيم الإنسانية وأهملت ما جاءت به رسالة الإسلام من عدل وسلام ورحمة؟! والسبب هو أننا هجرنا القرآن الكريم ولم نجعله مرجعيتنا الوحيدة.
ولذا يحذرنا القرآن الكريم منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا بقوله تعالى (وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا).
ختامًا: المطلوب من علماء المسلمين:
وهذه الآية تستدعي علماء المسلمين وفقهاءهم للتعمق في التهمة العظيمة التي يوجهها الرسول لأمته الإسلامية، ويشتكيهم إلى الله بأن أمته هجرت القرآن فتاهت وضاعت وتفرقت بها السبل ذلك يوم سيحاسب الله عباده يوم القيامة، فكيف نستطيع أن ندفع عن أنفسنا تلك التهمة ومن سيحمينا من غضب الله علينا.
وعلى علماء المسلمين أن تتوافر لديهم الشجاعة ولا تأخذهم في الله لومة لائم بأن يبحثوا في أسباب هذه التهمة، وكيفية تصحيح موقف المسلمين للفوز برضا الله ورحمته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.