ليس الشيخ أحمد الطيب إمام الأزهر وحده هو الذي يستخدم سلطته الدينية لكي يصدر فتاوي ذات أغراض سياسية، بداية من عهد الرئيس المخلوع مبارك الذي أفتى بعدم جواز الثورة ضده، مرورا بالمجلس العسكري، ونهاية بالرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي. وكانت آخر فتاوى شيخنا الجليل أن المشاركة في الانتخابات واجب ديني مخالفته تماثل عقوق الأهل. ففي بريطانيا أيضا سعى رئيس الوزراء ديفيد كاميرون لكنيسة انجلترا لكي يحصل على "فتوى" تجيز استخدام القوة للمشاركة في التحالف الدولي الحالي الذي يقوم بقصف أهداف تابعة لتنتظيم داعش الإرهابي في سوريا. وجاءته الفتوى على الفور شهية طازجة: فبعد أن عقد كبير اساقفة كانتربري جستين ويلبي اجتماعا للمجمع المقدس، تم التصويت بالإجماع على مشروعية استخدام القوة المسلحة في مواجهة تنظيم داعش الذي أعلن مسئوليته عن هجمات باريس وتفجير الطائرة الروسية واغتيال القضاة الشهداء مؤخرا في العريش. وطالبت كنيسة انجلترا حكومة كاميرون بالعمل مع الشركاء الدوليين في أوربا ومع الأطراف الأخرى من أجل خلق مناطق آمنة للاجئين، "وهو ما قد يتطلب رد فعل يتضمن استخدام القوة". لجوء كاميرون لكنيسة انجلترا جاءت في مواجهة معارضة قوية لاتخاذ قرار المشاركة في الحرب من قبل رئيس حزب العمال اليساري جيريمي كوربين، وذلك على الرغم من أن الكثير من نواب العمال البريطاني يودون تأييد الضربات العسكرية ضد داعش، ويخشون من ترسيخ الانطباع السائد بأن الأحزاب اليسارية في أوربا أقل اهتماما بقضايا الدفاع والأمن القومي. والمعارضون لمشاركة بريطانيا في الحرب لا يقومون بذلك بالطبع بسبب أي تعاطف مع تنظيم داعش، ولكن بسبب التشكك في جدوى الضربات الجوية الغربية من الأساس، والمتواصلة منذ أكثر من عام من أن تؤدي إلى تحقيق أي تغيير على الأرض. وبينما توجه الولاياتالمتحدة وفرنسا ومؤخرا روسيا ضربات ضد أهداف متعددة في سوريا، فالتساؤل لدى المعارضين هو ما الذي سيضيفه تدخل بريطانيا في الحرب، وما إذا كانت تلك الخطوة ستزيد من خطر استهداف المدن البريطانية بعمليات إرهابية مشابهة لما جرى في باريس. وفي جميع الأحوال، يتفق المؤيدون والمعارضون لخوض الحرب ضد داعش أن بريطانيا أو الولاياتالمتحدة أو أي دول غربية أخرى ليست على استعداد في هذه المرحلة لوضع قوات على الأرض ومحاربة داعش وجها لوجه، ويتمسكون أن تكون تلك مهمة قوات محلية يدعمونها من الجو. ورغم التأثير الكبير لمؤسستي الأزهر وكنيسة انجلترا من الناحية الرسمية، فإنه لا يبدو أن أحدا بات يضع في الاعتبار الفتاوى التي يقومون بإصدارها. ففتوى كبير الأسافقة دفنتها الصحف الإنجليزية في الصفحات الداخلية، واستغرب كثير من المعلقين تدخله في هذه القضية من الأساس، مع التذكير بأن مؤسسة الكنيسة في انجلترا فاشلة وتتراجع أعداد المتدينين وتضطر الكنائس لاغلاق أبوابها بسبب غياب المتعبدين. ورغم تحذيرات شيخ الأزهر من عواقب عدم المشاركة في الانتخابات ومخالفة توجيهات الدولة التي هي بالنسبة لنا الأب والأم، فإن الناخبين لم يستجيبوا أيضا لفتواه رغم كل ما يحمله منصبه من احترام وتقدير. ولم تتجاوز نسبة المشاركة في الجولة الثانية 30 في المائة. وإذا كنا نريد الحديث عن أي إصلاح ديني أو مراجعة لأسباب انتشار الفكر المتطرف وكيفية مواجهة ذلك، فإن الأزهر لا يمكن أن يكون نقطة الانطلاق طالما أن شيخه الجليل يواصل استخدام منصبه لخدمة أغراض النظام القائم، أي نظام. وإذا كنا سنرفع شعار أنه لا سياسة في الدين، ولا دين في السياسة، فإن هذا يجب أن ينطبق على الجميع، وألا تستخدم المؤسسات الدينية لاصدار أحكام سياسية سواء بدعم رئيس ما، أو حزب ما، أو المشاركة أو مقاطعة الانتخابات، أو خوض الحروب وعقد معاهدات السلام، وسواء صدرت تلك الفتاوى من قلب قاهرة المعز، أو من عاصمة الضباب في لندن ومن كنيسة إنجلترا.