ترجمة – محمود حسام: نشرت "سي إن إن" مقالًا لمحللة الشؤون الخارجية في صحيفتي ميامي هيرالد وورلد بوليتيكس ريفيو، ومراسلة سي إن إن السابقة فريدا جيتيس، مقالًا تحدثت فيه عن سقوط الطائرة الروسية على أيدي القوات التركية، والهجمات الإرهابية في باريس والصراع والحرب الدائرة فى سوريا وأبعادها، وداعش ونفوذها، لتجيب على تساؤل ما إذا كانت هذه حربًا عالمية أم لا، وإليكم نص المقال: أسقطت القوات التركية طائرة روسية قرب الحدود التركية السورية يوم الثلاثاء، لتصعد بشكل خطير نزاعًا آخذًا في التمدد بشكل سريع وغير مسبوق تمامًا. لنرجع إلى الوراء خطوة، ونلقي نظرة على ما تسببت به الحرب السورية: فبعد بضعة أيام على اعتداءات باريس – وهي واحدة من أسوأ الهجمات الإرهابية على أرض أوروبية منذ الحرب العالمية الثانية – وبينما لا تزال العاصمة غير الرسمية للاتحاد الأوروبي، بروكسيل، تحت إغلاق جزئي، فقد قام عضو بالناتو بإسقاط مقاتلة عسكرية روسية. لو أن هذا حدث أثناء الحرب الباردة، لكنا الآن نستعد لاحتمالية نشوب حرب نووية. ونحمد الله أن هذا الصراع قد انتهى. فبدلا من أن يضغط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أزرار السلاح النووي، فإنه دعا لجلسة طارئة بمجلس الأمن الأممي، في حين عقد الناتو اجتماعًا طارئًا هو الآخر. لا تسيؤن تفسير هذه التحركات على أنها دليل على الهدوء؛ فروسيا الغاضبة وصفت تركيا بأنها "متواطئة مع الإرهاب"، كما حذر بوتين من "عواقب هائلة". وهذه ليست إلا بعضًا من أحدث التطورات في أكثر نزاعات العالم تعقيدًا. بعد مجازر باريس مباشرة قال البابا فرانسيس إن الاعتداءات الإرهابية جزء من حرب عالمية تدور ببطء. ولكنها الحرب السورية نفسها التي تتحول إلى الحرب العالمية التي سيشهدها هذا القرن. لقد تحول النزاع السوري، والذي اتخذ منحى دمويًا في 2011 عندما رد الرئيس بشار الأسد على المطالبات بالديمقراطية بقتل المتظاهرين، تحول إلى دوامة عنف عالمي، وثقب أسود يبتلع النزاعات الأخرى. ويوما بعد يوم تزداد النزاعات والخلافات التي تشحذ القتال في هذا الجزء من الشرق، فتستدعي مزيدًا من العتاد العسكري وتجنيد المقاتلين. بدأ هذا النزاع بدخول النشطاء المؤيدين للديمقراطية في مواجهة قوات الأسد، واجتذب هذا مزيجًا من جماعات المعارضة المسلحة. ووضع النزاع المعتدلين في مواجهة المتطرفين، ثم المتطرفين في مواجهة الموغلين في التطرف. وهذا النزاع يمور بالغضب الطائفي للشيعة ضد السنة، العرب ضد الإيرانيين. يقاتل حزب الله المدعوم من إيران المليشيات المدعومة من عرب الخليج. وتنافس جبهة النصرة التابعة للقاعدة تنظيم داعش، بينما يقاتل الأكراد داعش والجيش السوري، وتقاتل تركيا الأكراد، بينما تقاتل داعش على استحياء، وتضغط بشدة لإطاحة الأسد. وهناك ما هو أكثر من هذا، في ظل تبعات جيوسياسية أوسع نطاقًا. فروسيا حاضرة، وكذلك الولايات المتحدة والتحالف ضد داعش"، والكتلة التي حشدتها فرنسا سريعًا لقتال داعش. هناك ما هو أكثر وأقل مما يمكن أن تحصيه العين. ففي حين تتباهى كل من روسيا وتركيا بمحاربة داعش، عدو العالم "المتحضر"، فإن الحقيقة هي أن كلا منهما لديه أهدافًا أخرى، ولهذا لن يمر إسقاط الطائرة يوم الثلاثاء، كمجرد حادثة في مسرح حرب مزدحم. إن روسيا موجودة في سوريا لا لمحاربة داعش، وإنما للحفاظ على الأسد كحليف دائم لروسيا. أما تركيا فلها هدفان: هي تريد أن تقص أجنحة الأكراد ذوي النزعة الاستقلالية، ولكنها تود كذلك أن ترى سقوط الأسد. وفي حين تختلف أهداف تركيا عن أهداف حلفاؤها في الناتو – وتحديدًا لأن أنقرة غضت الطرف إلى حد بعيد عن داعش، عدو الأكراد – فإن تكتل الناتو يجمع في غالبيته على عدائه للأسد. وثمة نزاع جيوسياسي أكبر تدور رحاه. فروسيا تعمل على إضعاف التواجد الأمريكي في الشرق الأوسط، وتعزيز أجندة بوتين القائمة على تحدي واشنطن والتصدي لها. وبينما يحاول الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن يطمئن أمريكا بأن إجراءاتها المحسوبة لاحتواء وتقليل قدرات داعش، تؤدي المطلوب منها، فقد أرسل بوتين قوة عسكرية ضخمة إلى سوريا وغير معادلة النزاع. ربما كان الأسد على وشك السقوط، ولكن بوتين، الذي يعمل الآن إلى جانب إيران وحزب الله، ضمن ألا يحدث هذا في أي وقت قريب. والآن أطلق داعش هجماته في أوروبا الغربية، وتبدو سيطرة الأسد أكثر احتمالا لأن تبقى. هل تشعرون بالتشوش؟ إن هذا ليس سوى نزر يسير. فلكل واحد في هذا النزاع أعداء وأصدقاء في مواجهة بعضهم البعض. وهكذا هي الحرب العالمية: حلفاء غير معتادين، وأجندات متضاربة، وتحالفات تفرضها الضرورة. وإذا ساوركم اعتقاد بأن جوهر القتال، وهو القضايا والإيديولوجيات ذات الصلة به، يبدو مشوشًا، فحاولوا أن تتبينوا ما اندلعت لأجله الحرب العالمية الأولى. إن الوضوح ليس شرطا لحرب عالمية. إن عشرات الدول ضالعة بالفعل في الحرب السورية. وقد جمعت الولايات المتحدة العام الماضي تحالفا واسع النطاق ضم أكثر من 60 دولة. ومن كوريا الجنوبية إلى أستراليا، شاركت الحكومات بدرجات بمتفاوتة في الحملة على داعش. وفي الوقت ذاته، عمل تنظيم داعش على توسيع منطقة عملياته. حيث ضم فروعًا جديدة، وهاجم منتسبوه أهدافًا في أنحاء العالم. ولا يسيطر التنظيم المتمركز في سوريا على أراض في سوريا والعراق فحسب، بل إن أتباعه يتمتعنون بحضور قوي في ليبيا، وفي شبه جزيرة سيناء المصرية، وفي نيجيريا وغيرها من أنحاء أفريقيا. وتتسع قائمة الجماعات التي تبايع التنظيم الذي أعلن نفسه خلافة إسلامية، على امتداد عشرات آلاف الأميال، لتشمل أفغانستان وأندونيسيا وباكستان والجزائر والفلبين. لقد قتل الكثير من الناس من جنسيات عديدة في سوريا والعراق. ولكن دعاية داعش الإرهابية روجت لعمليات قتل الأمريكيين والبريطانيين والمصريين واليابانيين والكوريين والصينيين ومدنيين من جنسيات أخرى. استقر اللاجئون من سوريا في بلدان بعيدة كالأورجواي، ولم تتسبب الهجمات الإرهابية من أفراد على صلة بالمقاتلين السوريين في قتل الناس في سوريا والعراق ولبنان وتركيا فحسب، بل في كنداوفرنساوأسترالياونيجيريا والدنمارك وغيرها كذلك. ودعونا لا ننسى مصر، حيث يعتقد خبراء الاستخبارات والسلطات الروسية بأن طائرة ركاب روسية قد أسقطت عمدا قبل أسابيع قليلة. هل تبدو هذه كحرب عالمية؟ يعيد مصطلح "الحرب العالمية" الذاكرة إلى أكبر صراعين في القرن العشرين. ووجه الشبه الصارخ هذه المرة هو تردد الولايات المتحدة في دخول الحرب – حيث ترغب الجماهير بأن تظل أمريكا بعيدة عنها، وأن تقول "ليست هذه معركتنا". من المستحيل معرفة إلى متى ستمتد المقارنة. ولكن من الجدير تذكر أن هذه النزاعات وصلت إلى نهايتها فقط عندما أدركت الولايات المتحدة أن من المستحيل أن تتظاهر بأنها غير متضررة من نزاع دموي يشعل الحرب على بعد آلاف الأميال من الأرضي الأمريكية.