ميليشيات الجماعة سعت للّعب على التناقضات وتخوين ميدان التحرير لإجهاض الثورة تعدّ كلمة «فلول» من أكثر الكلمات التى تم استخدامها بعد ثورة يناير، حيث دخلت القاموس السياسى والإعلامى بكثافة منقطعة النظير، ساحبة البساط من تحت كلمات أخرى مثل «حرية، عدالة اجتماعية، كرامة»، وبغض النظر عن المدلول الدقيق للكلمة فإنها دخلت قاموس العامة والبسطاء والحوارات اليومية فى وسائل المواصلات، مشتقين منها صيغة المذكر «فِلّ» والمؤنث «فِلّة»، وللتمادى فى السخرية «فِلاية»، بكسر الفاء فى الكلمات الثلاث حتى لا يختلط الأمر مع أحد أنواع الزهور. كلمة «فلول» كان لها من القوة والتأثير على وجدان وعواطف الشعب وقت الانتخابات الرئاسية، فى أنها كانت من أحد الأسباب المهمة فى نجاح مرسى لحكم مصر، وكان الشعار وقتها لدى الناخبين خصوصا الشباب والثوريين وعاصرى الليمون «أنا مش رايح أنجّح مرسى أنا رايح أسقّط شفيق»، على اعتبار أن الفريق شفيق كان هو زعيم قبيلة الفلول وقتها، وهو ما يعنى ضمنيا أن نصف الشعب المصرى وهم الذين اختاروه فى الانتخابات من الفلول. «كتاب الفلول» لمصطفى شحاتة جاء كمحاولة غير مسبوقة وجديدة على المكتبة العربية، لتأصيل وضبط الكلمة التى شاعت على الألسنة، متتبعا أصلها اللغوى فى بطن القواميس والتى تمنحها تعريفين، الأول الكسر والخلل فى الشىء، والثانى المنهزمون، وغالبا هو المعنى الذى تم استخدامه لوصف فئة معينة من الشعب بعد الثورة، وهم بقايا النظام السابق، ولكن يبدو أن هذا المعنى أيضا غير دقيق كامل، لأن كلمة فلول أشمل من أعضاء حكومة مبارك والحزب الوطنى والمسؤولين الكبار فى الدولة، فالكلمة كانت أعم من ذلك حتى أنها شملت فئة شاركت فى الثورة، ورجعت إلى البيوت بعد خطاب مبارك بالتنحى عن الحكم، معتقدة أن الثورة قد أدت دورها وانتهت. بعض الكلمات تنتشر بسرعة وتخترق الحدود، كما يتم استخدامها بسلاسة فى لغة الشارع، «الفلول» من هذه الكلمات، فهى كلمة مصرية بجدارة، قدمها المصريون للعالم لتضاف إلى مفرداته المتعددة، فلم يتم استخدام الكلمة فى ثورة تونس والتى سبقت ثورة مصر، وإن كانوا استخدموا كلمة أخرى لتؤدى نفس المعنى وهى «أزلام»، كما أنه أيضا لم يتم استخدامها بعد ثورة يوليو المجيدة بقيادة الضباط الأحرار، بينما تم استخدام كلمات أخرى مثل «النظام البائد» أو «العهد الملكى الفاسد» أو أعداء الثورة»، أما السادات فقد استخدم تعبير «مراكز القوى» فى ثورة التصحيح على رجال عبد الناصر، وما زلنا نتذكر استخدام نظام صدام حسين فى العراق كلمة «علوج» لوصف قوات التحالف الغازية. لكن متى بدأ ظهور الفلول؟ يسرد شحاتة فى كتابه أنهم ظهروا على استحياء، فى الحديث عن الجدوى من مظاهرات الشباب فى ميدان التحرير بين رافض ومؤيد لها، لكنه يظل مجرد تعبير عن الرأى بين المواطنين، أما أول ظهور علنى لهم فكان مع المظاهرات التى خرجت فى ميدان مصطفى محمود وبعض الأماكن الأخرى لتأييد مبارك والوقوف إلى جانبه، وكان هذا بمثابة إعلان رسمى عن وجودهم، وازداد عددهم بعد الخطاب العاطفى لمبارك والذى تحدث فيه عن رغبته فى العيش والموت فى مصر وإعلان نيته عدم الترشح مرة جديدة لانتخابات الرئاسة، التى كان مقررا لها أن تجرى فى شهر سبتمبر 2011. وعن تحديد المواطن «الفل» من غيره من المواطنين، يوضح شحاتة أن «الفلول» يتميزون بصفات يعرفون بها، فهم بداية مرفهون فى تفكيرهم وغارقون فى حب مبارك، بحيث لا يرون دونه حبا آخر، أيضا يمكن معرفتهم من قاموسهم اللغوى، فهم عادة يستخدمون جملة منحوتة بدقة وكأنها موضوعة من قبل خبراء متخصصين فى مخاطبة الجماهير، لتؤدى رسالتها وتصل إلى المستمع فتؤثر أو على الأقل تربك تفكيره، من هذه الجمل «أنا أكتر واحد بأحب مصر، مبارك ماكنش هيترشح تانى، آدى اللى اخدناه من الثورة، ادوه فرصة يا جماعة»، المقصود مبارك. مصطفى شحاتة يرى فى «كتاب الفلول» أن الإخوان المسلمين وبقليل من التفكير هم جزء من الفلول، فهم أسهموا بمهاراتهم فى التحالفات واللعب على التناقضات فى إجهاض الثورة، وتخوين ميدان التحرير وتحويله إلى رمز للبلطجة والخروج على القانون، بهدف الوصول إلى الحكم عن طريق استخدام قارب الثورة.