أطل الإرهاب برأسه على عاصمة النور الفرنسية باريس للمرة الثانية في غضون عام، لتنطفئ أنوار برج إيفل اليوم السبت بعد ليلة مؤلمة راح ضحيتها عدد من المواطنين الأبرياء. إشارة بدء.. بينما تسير الحياة اليومية بالمدينة الهادئة انطلقت أصوات نيران في حوالي 09:45 بالتوقيت المحلي، بمنطقة شعبية مكتظة، استهدفت مطعمي "لو بيتيت كامبودج" و"لو كاريلون" في المنطقة العاشرة، وقال شاهد عيان لصحيفة "ليبراسيون" الفرنسية إنه سمع أصوات أكثر من 100 طلقة في مقهى لا بيل إيكويب في المنطقة ال 11. الإرهاب يثير خوف الفرنسيين بشوارع باريس وسُمع بعد ذلك بوقت قصير أصوات 3 انفجارات خارج "استاد فرنسا الدولي" حيث يستمتع الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند بمشاهدة ش مباراة ودية بين منتخب بلاده لكرة القدم وألمانيا. الفزع يدفع المشجعون إلى أرض الملعب وفي الوقت نفسه، احتجز جماهير حفل فرقة "موسيقى روك" أمريكية داخل مسرح باتاكلان، وأعلن المهاجمون أن المتواجدون رهائن لديهم، كما دوت أصوات نيران أيضا في مركز "ليس هولس" للتسوق. صورة من مسرح باتكلان قبل الحادث مباشرة
الضحايا لم تعلن السلطات الفرنسية عددا رسميا لضحايا هجمات باريس، فيما أشارت تقارير مبدئية للشرطة وأخرى إعلامية عن سقوط مالا يقل عن 140 قتيلا وعشرات الإصابات. الجثث تملأ محيط مطعم "لو كاريلو" وأفادت تقارير إعلامية أن رهائن مسرح باتكلان بلغوا 100 شخص بعد تمكن أعضاء فرقة الروك الأمريكية من الفرار، فيما أعلنت الشرطة عن قتل المهاجمين جميع الرهائن خلال عملية تحريرهم. رجال الإسعاف ينقلون أحد المصابين وذكر شهود عيان لوسائل إعلامية أن ما لا يقل عن 11 شخصا لقوا حتفهم رميا بالرصاص خلال الهجوم على مطعمين بباريس مع إصابة عدد آخر بجروح، فيما حصدت محطة "بي إف أم" الفرنسية الضحايا معلنة عن مقتل مالا يقل عن 40 شخصا في الهجمات قبل عملية تحرير الرهائن. إصابات داخل الملعب وأعلن المدعي العام الفرنسي أن ثمانية متطرفين لقوا حتفهم في الهجمات بينهم سبعة في تفجيرات انتحارية، مشيرا إلى بدء التحقيقات للتوصل إلى هوية الجناة. ضبط أحد المشتبه بهم في الحادث طوارئ في الإليزيه أعلن الرئيس الفرنسي فرانوا هولاند عن رفع حالة الطوارئ بالبلاد وإغلاق حدود البلاد إضافة إلى نشر 1500 جندي من قوات الجيش لمساعدة الشرطة في شوارع باريس، داعيا المواطنين لالتزام الهدوء. اجتماع هولاند لمتابعة الحادث وأكد هولاند - في خطاب تلفزيوني عقب اجتماع أمني عالي المستوى لمتابعة تطورات الهجمات - على استمرار بلاده في محاربة الإرهاب قائلا: "فرنسا يجب أن تكون قوية وتحتاج الدولة أن تكون قوية". كما دعا الحكومة لعقد اجتماع طارئ اليوم السبت، متوعدا بحرب لا هوادة فيها على الإرهاب، وتفقد بنفسه مسرح باتكلان عقب اقتحام الشرطة للمكان وفشلها في تحرير الرهائن. هولاند عقب اقتحام "باتكلان" وفيما أعلنت الخارجية الفرنسية استمرار الرحلات الجوية من وإلى بلادها، اتخذت المدارس والجامعات إضافة إلى المتاحف والمكتبات والصالات الرياضية والأسواق قرارا بإغلاق أبوابها اليوم السبت حفاظا على أرواح المواطنين. منفذو الهجوم.. ولم تعلن أي جهة بعد - حتى كتابة السطور - مسؤوليتها عن تنفيذ هجمات باريس، فيما أشاد أنصار تنظيم داعش على صفحات التواصل الاجتماعي بالإنترنت بالهجوم، وأعاد عدد منهم مشاركة فيديوهات التنظيم التي يتوعد فيها الرئيس الفرنسي وأوروبا عقب تبنيه حادث "شارلي إبدو" قبل أشهر بالعاصمة الفرنسية. قوات الشرطة تنتشر بباريس صدمة العالم.. وإدانة الزعماء وأعرب عدد من زعماء الدول والمنظمات الدولية عن تعازيهم للشعب الفرنسي عقب وقوع "هجمات باريس"، وبدأ الرئيس الأميركي باراك أوباما التعازي في خطاب تلفزيوني قائلا "إن هجمات باريس اعتداء على الإنسانية"، واعدا بأن الولاياتالمتحدة ستقف إلى جانب فرنسا في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات استجابة. وتبعه رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون، قائلا إن المملكة المتحدة "ستفعل كل ما في وسعها للمساعدة"، محذرا أبناء جاليته من خطر التجول في شوارع باريس، وأيده في حين أعربت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل عن "صدمة عميقة" من الهجمات التي وقعت بينما وزير خارجية بلادها يجلس مع الرئيس الفرنسي داخل الاستاد لمتابعة مباراة الكرة بين منتخبي البلدين. وعبر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تعازيه القلبية إثر "سلسلة الهجمات الإرهابية الوحشية في باريس"، معلنا في بيان رسمي للكرملين عن التضامن مع الرئيس والشعب الفرنسي.
وأعلن الرئيس المصري عن خالص تعازيه للشعب الفرنسي، داعيا في بيان رسمي إلى التكاتف الدولي في الحرب ضد الإرهاب. وأصدرت عدة عواصم عربية بيانات رسمية توضح فيها تضامنها مع حكومة باريس وتقديم تعازيها إلى الشعب الفرنسي، منها عمان والرياض وأبو ظبي والدوحة. كما أدانت إيران وتركيا حوادث الإرهاب بفرنسا، ووصف رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو الهجمات بالغاشمة التي تستهدف الإنسانية جمعاء. من ناحيته أدان الأمين العام للأمم المتحدة "بان كي مون" تلك "الهجمات الإرهابية الدنيئة في مواقع مختلفة من باريس وحولها، كما أعرب مجلس الأمن الدولي عن "التعاطف العميق"، وقدم أعضاء المجلس تعازيهم لأسرالضحايا وكذلك لحكومة فرنسا.
وأعلن كل من الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، عن تضامنهما الكامل مع فرنسا لمواجهة الاعتداءات الإرهابية. تخوفات «الإسلاموفوبيا».. ومع ارتفاع حصيلة ضحايا "هجمات باريس" ووصف عدد من السياسيين لها ب"11 سبتمبر فرنسا" في إشارة إلى حادث تفجير برج التجارة العالمي في 11 سبتمبر عام 2001 في نيويورك الأميريكية، بدأ الخوف فرض أطواقه لحصار قلوب مسلمي فرنسا من نتائج هجمات باريس خوفا من بدء المعاداة والتمييز ضدهم كما حدث في السيناريو الأمريكي. وعانى عدد من المسلمين من استغلال حادث شارلي إبدو في شن موجة من المعاداة ضدهم أوائل العام الحالي، وما أن دبت هجمات باريس حتى بدأ عدد من السياسيين الفرنسيين في استغلال الحادث للتمييز الديني. استبقت مارين لوبين، زعيمة "الجبهة الوطنية"، الحزب اليميني المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين في فرنسا، نتائج التحقيقات أو تأكيد هويّة الجهة التي نظمت الهجمات الأخيرة في باريس، ونسبت الهجمات إلى ما وصفته ب"الإرهاب الإسلامي". وسارع المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية بإعلان تبرئه من الحادث مستنكرا بشدة العمليات الإرهابية، ووصف الاعتداءات في باريس ب"الشنيعة والرخيصة".