كتبت - لانا أحمد وروضة إبراهيم: الإنشاد زاد الروح، ونور من سماء أنزل على أهل الأرض، لينقلهم إلى عالم روحاني، يتوحدون فيه مع حب الله ورسوله، تاركين صوت المنشد يداعب قلوبهم، لتسمو أرواحهم بالمديح وذكر النبي، فلكل مداح عالمه المتفرد به، بمريديه ومعجبيه. وللتواشيح مكانتها في قلوب المتعبدين منذ عهد الرسول، ومع مرور الوقت وتطور الموسيقى، أصبح الإنشاد الديني يحتل مكانة خاصة في الأداء أو المقامات، مازجًا بين الشعر، والدعاء، والحِكم، والألحان والابتهالات الارتجالية. "أنا في جاه النبي تكرم عبيدك والنبي، أنا في جاه النبي تقبل صلاتي على النبي"، بهذه الكلمات ظهر محمد الكحلاوي بمدحه وإنشاده المُميز، لتحتل أغنية "لأجل النبي" مكانة متفردة في الإنشاد الديني، ويصبح الكحلاوي رمزًا له. مثَّل الكحلاوي نقلة جديدة في الإنشاد الديني في مصر، فسلك طريقه مئات من المُنشدين، ليصبح "شيخ المداحيين" ، ويخلفه ابنه أحمد الكحلاوي، الذي ورث عنه حب الله، فأبتهل لنا أجمل الأدعية في مدح الرسول، منها "عد إلينا يا محمد، في سيره الحبيب ضموا الأيادي يا مؤمنين، إلا رسول الله وهي في حياه الرسول صلي الله عليه وسلم -يا حبيبي يا رسول الله". لا يذكر اسم الكحلاوي، إلا واقترن بكروان الإنشاد الديني سيد النقشبندي، الخاشع في محراب الصوفية، ناشدًا لنا ابتهالات تدمع لها الأعين، ومن أكثرها روحانية "مولاي إني ببابك قد بسطت يدي، من لي ألوذ به إلاك ياسندي"، التي مازالت حاضرة في قلب كل خاشع ومتضرع للمولي، وغيرها من التواشيح التي اشترك بليغ حمدي في تلحينها، منها "أشرق المعصوم، اقول أمتى، أي سلوى وعزاء، أنغام الروح، رباه يا من أناجي، ربنا إنا جنودك، يارب أنا أمة، يا ليلة في الدهر، ليلة القدر". صوت يطرب له قلب كل صعيدي عاشق، أطلق عليه "بلبل الصعيد"، إنه ياسين التهامي، صاحب المكانة الخاصة في الإنشاد الديني، لشهرته بالتواضع، وحسن الكلمة، والتقرب الخالص إلى الله، فيقول "لبيك لبيك.. يا سري ونجوائي.. يا قصدي ومعنائي.. أدعوك بل أنت تدعوني إليك فهل ناديت إياك أم ناديت إيائي"، ليسير على خطاه ابنه محمود التهامي "فارس الإنشاد الديني". "أجمل منك لم تراه قط عين، وأطيب منك لم تلد النساء، خلقت مبرءًا من كل عيب، كأنك قد خلقت كما تشاء.. قمر سيدنا النبي قمر" كلمات ترددت على لسان الشاب العشريني "مصطفى عاطف" ليظهر بها لنا على ساحة الانشاد بقوة، كأصغر منشد في عالم الابتهالات والتواشيح، جاذبًا العديد من الشباب لهذا النوع من الإنشاد. عامر التوني، نصر الدين طوبار، محمد الهلباوي، محمد عمران، محمود الحديوي، وغيرهم من الأسماء لا يمكن إغفالها، فلكل منهم ابتهالاته الخاص، التي ذابت معها قلوب العاشقين في كل مكان "الإنشاد" ملاذ محبيه من ضغوط الحياة. "قلوبُ العاشقين لها عيونٌ تَرى ما لا يَراهُ الناظرون" هذا البيت الذي يشدوه ياسين التهامي في أحد حلقات الذكر، كان السبب الأساسي في دخول الشاب العشريني محمد السيد إلى عالم الصوفية والإنشاد، حين انجذبت أذناه إلى آهات المريدين وتوحدهم مع صوت المنشد، فيقول "من يومها قررت أكتشف العالم ده وأسمع بيقولوا إيه"، مضيفًا أنه منذ تلك اللحظة لم يمر عليه يوم دون سماع ابتهال جديد. ولم يتوقف سماع التواشيح الدينىة عند عمر جمال، على منشدي مصر فقط، بل قرر التوسع لمعرفة ما ابتهله العالم في حب الله ورسوله، فأتجه الى سماع منشدي فرق المغرب العربي، وأهمها "ابن عربي" جاذبة أياه للصوفية أكثر من غيرها، حتى حضر مهرجان "سماع" للانشاد الصوفي، التي تقيمه درا الأوبرا المصرية كل عام في مصر، فتعرف من خلاله على ثقافات الإنشاد المختلفة في بلاد الهند والسودان وأندونسيا وتونس. فيقول "الإنشاد عالم مليء بالحب والروحانية، ويجب نشره على نطاق واسع"، المولوية الصوفية بدوراتها وتفاني راقصيها وتوحدهم مع الموسيقى المنبعثة من الدفء والناي القانون مع دقات الطبول، وصوت المنشد يبتهل "أن وصلت هناك ووقفت هناك ووضعت يداك على الشباك"، جعل نجلاء سليمان ترى في الغناء الصوفى ملاذًا، تلجأ إليه كل فترة، لتنسي هموم وضغوط الحياة، وتقول "الغنا والرقص الصوفي بيخليك تعيش في عالم تاني روحاني ونقي". الكحلاوى صوت وليد عماد المفضل بعد صلاة الفجر، أعتاد على سماعه منذ الطفولة، مشكلًا جزء من وجدانه، فيصفه بأنه منشد مصر الأول التي لن تأتي بأحد مثله، رغم سماعه لمنشدين آخرين كالنقشبندي، ونصر الدين طوبار، إلا أن الكحلاوي يظل له مكانته الخاصة داخله.