زاد حزب النور على انتهاكات الإخوان الانتخابية بأكثر من نفحات الزيت والسكر للفقراء، وأعلن عن تقديمه مجانًا عقار سوفالدى لعلاج فيروس سى لمرضى الكبد! وعندما وجَّه البعض انتقادَه بأن هذا خرق صريح لقانون الانتخابات بدفع رشاوى واضحة للناخبين، وبأنه ابتزاز للمرضى المعوزين الذين لا يقدرون على شراء الدواء، وبأن الغرض الوحيد هو الحصول على أصوات الناخبين، تصدَّى مسؤول بالحزب قائلاً إنها مجرد خدمة للجماهير فى إطار العمل الاجتماعى! واستنكر مسؤول بوزارة الصحة هذا التصرف من الحزب وقال إنه ضد البروتوكول المتبع والذى ينظِّم الموضوع بأن من يقدر على شراء الدواء، بدافع التبرع، يعطيه لإحدى المستشفيات التى تمنحه للمرضى وفق قواعد طبية تُراعَى فيها الأولويات والاحتياجات. إذن، لقد بدأ موسم الانتخابات، وتوازت الانتهاكات الصارخة للقانون، مع البداية، بل ومن قبلها، وكما يحدث كل مرة، لا تزال أجهزة الدولة، متقاعسة تكتفى بالمشاهَدة! وأما الخطر الحقيقى، الذى هو أيضًا نسخة كاربونية من الأخطاء التى أوصلت ممثل الإخوان للقصر الرئاسى والتى سهَّلت استيلاءهم على البرلمان، فهو الهتاف الذى بدأت تتجلى أعراضه، وللأسف من قوى أخرى غير سلفية، تصرخ بأن الخطر ليس من السلفيين وإنما من محاولات أعضاء الحزب الوطنى فى الالتفاف لدخول البرلمان!! ومن المؤكد أن هذا يُسعِد السلفيين، ومما يزيد من سعادتهم أن هناك أصواتًا أخرى تدعو إلى مقاطعة الانتخابات لأسباب مختلفة، بالضبط كمن حدث سابقًا، ويبدو أن دعاة المقاطعة لا يدركون أن مقاطعة معارضى السلفيين تُزيد من فرصهم فى الفوز، وهم ينفضون أيديهم من المسؤولبية يعلنون من الآن أن الحكومة هى المسؤولة عن النجاح الذى يتوقعونه للسلفيين! هل حقاً وصل الجهل باللعبة الانتخابية إلى هذا الحد؟ وهل تدهورت الذاكرة إلى هذا الدرك؟ هل لا يعلم هؤلاء أنهم يُضيِّقون الاختيار أمام الناخبين، حتى أمام الجماهير الرافضة للسلفيين، وأن أفضل وضع للسلفيين يتحقق عندما ينسحب المرشحون المنافسون ويقاطع الناخبون المعارضون لهم، فتكون فرص فوزهم أكبر بكثير، حتى برغم النفور الشعبى منهم، وحتى مع تحذير شباب السلفيين، كما نشرت بعض الصحف، أن الواقع فى المحافظات ليس فى صالحهم. ومن المتوقع، بعد أن يشارك هؤلاء فى تعزيز فرص فوز السلفيين، أن يعلو صوتهم بنقد غيرهم أنهم السبب، وسوف يعلنون عن تخوفهم وهم يرون فى البرلمان الجديد خلط الدين بالسياسة، ورفض تحية العلم والامتناع عن الوقوف احترامًا للسلام الجمهورى، وتكفير الأقباط، خاصة بعد أن طوَّر عَلَم من أعلام السلفية من أدائه وقال إن الواجب يومياً أن "نُذّكِّر" الأقباط أنهم كُفّار! حتى الآن لم تتحرك جهة ما رسمية تحاسب القائل بأنه يزدرى المسيحية وأنه يحرّض على الفتنة! وهذا الصمت أيضاً ليس بجديد!! كم لم يُساءَل أحد من دعاة هدم الهرم وأبو الهول وكل ما يراه "أصناماً" يجب عليه أن يحطمها تحطيماً! هل وصل إلى علم أحد أن حزب النور اصدر بياناً واحداً واضحاً صريحاً ضد هذه الدعوات، أو ضد أفعال داعش التى وضعت هذه الأفكار على الأرض وراحت تحطم تراثاً إنسانياً يحظى بأعلى درجات التقدير؟ لقد وصل تحدى حزب النور للقانون ولأجهزة الدولة إلى درجة تدعو إلى التوقف للفهم، وللتفكير فى طبيعة الأمر قبل دراسة كيف يجرى التعامل معه! قيل كثيراً إن استمرار حزب النور انتهاك علنى للدستور الذى شارك فى وضعه ممثلون للحزب، وإنهم أجازوه مع الأغلبية الساحقة من لجنة الدستور، قبل أن يحظى بموافقة شعبية فى شبه الإجماع، وإن النصّ الدستورى قاطع، بما لا يتيح مجالاً للاجتهاد، بأنه .."لا يجوز مباشرة أى نشاط سياسى، أو قيام أحزاب سياسية، على أساس دينى...". بما يعنى أن استمرار الحزب دون توفيق أوضاعه مع دستور 2014 هو انتهاك واضح للدستور. كما أن الدولة أصدرت قرارات بمنع عدد من غير المؤهلين من ارتقاء منابر المساجد بعد أن كثرت وتعاظمت أخطاؤهم التى تهدد استقرار البلاد، فإذا بالحزب، فى تحدٍ آخر، يعلن أن واحداً من عيون هؤلاء الممنوعين هو من أبرز مؤيدى حزب النور والدعوة السلفية الذين سيتم الاستعانة بهم فى الدعاية الانتخابية للبرلمان المقبل! بل لقد نشرت بعض الصحف والمواقع الإخبارية أن هناك نية لدى الحزب فى ترشيح بعض الإخوان على قوائمه، بزعم أنهم منشقون عن الجماعة! ولا يرى الحزب أن عليه أن يفسر أو يعلق على هذه الأخبار، خاصة أن من ضمن الأسماء المعلنة عدداً شارك فى اعتصام رابعة! أما الخطأ القديم الجديد، الذى لم يثمر فائدة قط، والذى لا يزال البعض ينتظر منه فائدة، فهو الوهم بأن حملات تحت شعارات "لا للأحزاب الدينية" و"لا للسلفيين" يمكن أن تكون الضربة القاضية لهم، مع التهاون فى إعمال القانون ضد حزب النور، ومع المقاطعة وترك الساحة لهم!!