بعد أشهر من الهدوء السياسي إثر انتخابات العام الماضي في تونس يثير مشروع قانون جديد يهدف للمصالحة مع المتهمين في قضايا فساد مالي خلال حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي جدلاً واسعًا. ففي الأسبوع الماضي أرسل الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي للبرلمان مشروع قانون جديد للمصالحة سيسمح للعديد من رجال الأعمال المتهمين بالفساد بإعادة جزء من أموالهم للدولة مقابل إسقاط التهم عنهم. ويقول المسؤولون إنهم يأملون من خلال القانون في إنعاش الاقتصاد بمليارات الدولارات. وتعاني تونس من عجز مالي كبير مع انحسار مواردها وتباطؤ النمو الاقتصادي إلى حوالي 0.5 % وفقًا لتوقعات العام الحالي. وقال وزير أملاك الدولة حاتم العشي: «كثير من رجال الأعمال يرغبون في تقديم الاعتذار»، مضيفًا أن القانون سيمكن تونس من استرجاع حوالي خمسة مليارات دولار من الأموال المجمدة في بنوك أوروبية. ومباشرة بعد إرساله للبرلمان فجر المشروع الجديد جدلاً واسعًا ولقي معارضة كبيرة تنبئ بخريف ساخن في تونس بعد الهدوء النسبي الذي أعقب انتخابات العام الماضي التي فاز بها حزب نداء تونس العلماني الذي يضم أنصارًا للرئيس السابق زين العابدين بن علي. ولم يحسم حزب النهضة الإسلامي شريك النداء في الائتلاف الحكومي موقفه النهائي بخصوص المشروع، لكن أغلب الأحزاب عبرت عن رفضها له ووصفته بأنه تطبيع للفساد وتعهدت بإسقاطه في البرلمان وفي الشارع. وأمس الثلاثاء خرج عشرات الشبان للاحتجاج على مشروع القانون بساحة الاتحاد العام التونسي للشغل رافعين شعار «لا لن أسامح»، لكن قوات الشرطة منعت بالقوة المسيرة من التوجه لشارع الحبيب بورقيبة واعتقلت عددًا من المتظاهرين ثم أطلقت سراحهم. ورفض الاتحاد العام التونسي للشغل ذو النفوذ القوي في تونس مشروع القانون وقال إنه يتعين محاسبة المتهمين بالفساد واحترام مسار العدالة الانتقالية. وقال سياسيون إن مشروع القانون يتعارض مع مسار العدالة الانتقالية ومع عمل هيئة الحقيقة والكرامة التي تضطلع بمعالجة ملفات المصالحة مع المتورطين في قضايا الفساد المالي أو انتهاكات لحقوق الإنسان. ونقلت «رويترز» عن عضو هيئة الحقيقة والكرامة خالد الكريشي التي أنشئت في 2013 قوله: «لن نقبل بمشروع مخالف للدستور.. لو مر المشروع فسيضر بمشروع العدالة الانتقالي والمسار الانتقالي.. ولو تضررت العدالة الاجتماعية ستكون هناك ثورة ثانية أكثر دموية». ودعا الكريشي رئيس الجمهورية إلى سحب مشروع القانون. لكن مؤيدي القانون يقولون إنه لا يتعارض مع الدستور الجديد وإن المصالحة لن تضر بمسار العدالة الانتقالية وستقتصر على البت في الملفات الاقتصادية لأن الاقتصاد بحاجة للنهوض بسرعة. وقال مدير الديوان الرئاسي رضا بلحاج: «الأقلية المنهزمة في الانتخابات هي التي تعارض القانون وهو مشروع إيجابي ويرسل إشارات إيجابية للمستثمرين في الداخل والخارج لبداية صفحة جديدة وضمان حقوق الدولة». وعقب الثورة التي أطاحت بحكم بن علي في 2011 صادرت تونس العديد من المؤسسات لمقربين من الرئيس السابق ومنعت المئات من رجال الأعمال من السفر في حين سجن آخرون بتهم الفساد وفر آخرون للخارج. ويهدف مشروع القانون إلى استرجاع الأموال المهربة للاستفادة منها في انعاش الاقتصاد وتنمية المناطق الداخلية التي تعاني نقص التنمية وفقًا لزعيم نداء تونس محسن مرزوق، الذي قال إن حزبه منفتح على تعديل مشروع القانون في البرلمان لكن دون السقوط في مزايدات سياسية. لكن لا يبدو أن المعارضة مستعدة لقبول القانون وتعهدت بحشد قواها للتصدي له. وقال زعيم الجبهة الشعبية حمة الهمامي: «نحن مع المصالحة لكن بعد المحاسبة وفي إطار الشفافية والدستور ومسار العدالة الانتقالية»، مشيرًا إلى أن الجبهة ستلجأ إلى الشارع والتظاهر السلمي من أجل إسقاط هذا القانون. وأضاف أن الائتلاف الحاكم وخاصة حزب النهضة ونداء تونس استغلا إعلان حالة الطوارئ لضرب التحركات الاجتماعية من أجل الالتفاف على الثورة وتمرير قوانين تخدم وتدافع عن الأثرياء والفاسدين. لكن مرزوق زعيم نداء تونس قال: «المعارضون لا يريدون أن تسترجع الدولة أموالها ويريدون فقط للجهات المحرومة أن تأكل جعجعة ثورية». وطالبت منظمة الشفافية الدولية البرلمان التونسي بعدم المصادقة على مشروع قانون المصالحة الذي اقترحه الرئيس التونسي وحذرت من أن إقراره سيشجع على الفساد واختلاس المال العام.