كانت لديَّ خادمةٌ فاتنةٌ بمقاييس الجَمَال الشعبي، ورغم أن جَمالَها يُغنيها عن العمل في البيوت، طِبقًا لأعراف بيئتِها، فهي تستطيع إنْ شاءت أن تتزوج مِن رَجلٍ ميسور، إلا أنها كانت متمسكةً بزوجِها العاطل المدمِن الذي يكبُرُها بعشرين عامًا، ويعتدي عليها بالضرب كل مساء، ثم يَحتالُ على راتِبِها. فتأتيني في الصباح وإحدى عينيها الذهبيتين الساحرتين مُحاطةٌ بهالةٍ زرقاءَ! وقد حاولتُ عبثاً أن أحرِّضَها على الثورةِ عليه، ولم أنتبِه إلا متأخرًا أن السيدةَ "مازوخيةٌ" بامتياز، تتلذذُ ب"العَلقة اليومية" التي أُشفِقُ عليها منها! فتوقفتُ عن عرض المساعدة أو السؤال، فأنا عادةً لا أنشغِلُ بسلوكيات الآخرين مهما كانت انحرافاتُهم السيكولوجية، طالما أنهم لا يتسببون في ضررٍ للآخرين، والشخصُ المازوخي تحديدًا لا يؤذي إلا نفسَه، عِلمًا بأنه يتلذذ بهذا الإيذاء، وبالتالي هو حُر، الله يسهل له. ولا أقصد بهذا الحديث المازوخيةَ الجنسيةَ فقط، فهي ليست إلا جانبًا واحدًا مِن حاجة الشخص المازوخي للمعاناة، وإنما أقصد المازوخيةَ بشكلٍ عام، والتي عَرَّفَها الدكتور عبد المنعم حنفي في موسوعتِه "الطب النفسي" بأنها سلوكٌ سلبي، يختزن صاحِبُه الكثيرَ مِن مشاعر الكراهية، ويَشعر مِن أجل ذلك أنه مذنِب، وهو يريد أن يتخلَّصَ مِن مشاعره، ويرى أنه لا سبيل إلى ذلك إلا بأن يعاقِبَ نفسَه، بل إنه أحيانًا يطلب العِقاب، ويسعى إليه ويستثيرُ الطرَفَ الآخرَ لكي يُنزِلَه به، وهو في كل علاقاتِه ونشاطاتِه يَستجلِبُ على نفسِه اللومَ أو العِقابَ أو التحقير، ولكن ماذا لو سعى الشخصُ المازوخي لفرضِ سلوكِه الانسحاقي على الآخرين؟! ماذا لو أراد للجميع نفسَ اللومِ والعقاب والتحقير الذي يُحِبه ويرتضيه لنفسه؟! قد يتساءلُ البعض، وكيف لأحدٍ أن يفعل ذلك؟ فأجيبه: طالِعْ فتاوَى وتصريحاتِ بعضِ الداعيات الإسلاميات لتعرِفَ كيف يَقُمنَ بفرض المازوخية على بناتِ جنسهن مِن المسلِمات، بل وغيرِ المسلمات، وتكفي فتاوَى الدكتورة سعاد صالح أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر مثالًا لذلك؛ فقدْ أتحفَتنا خلالَ الشهور القليلة الماضية بمجموعةٍ من الفتاوَى، تستحق كلُّ واحدةٍ منها دراسةً مفصلة في الطب النفسي عن تطور السلوك المازوخي، منها فتوى لسيادتها بوجوب ارتداء الفتاة للحجاب إذا وصلتْ للصف السادس الابتدائي، وأخرى أفتتْ فيها بأن قراءةَ الزوجةِ للرسائل القصيرة التي تَرِدُ إلى هاتفِ زوجِها المحمول حرامٌ شرْعاً؛ لأنها تُعَد جريمةَ تَجسسٍ نَهَى عنها الإسلام، حتى ولو ثبتَ أن للزوج علاقاتٍ متعددة، بينما لم تُحرِّمْ سيادتُها الفعلَ نفسَه على الزوج، رغم استناد التحريم لنفس العِلة في الحالتيْنِ، بناءً على فتواها التي قالت فيها إن عِلةَ هذا المنْع تأتي مِن باب سد الذرائع، والأعجبُ أنها أكدتْ على أن الإسلامَ يُعلي قِيمَ احترام الخصوصيات، لكنها تتحدثُ هنا عن خصوصياتِ الرجُل فقط، أمَّا المرأة فيبدو أنها بالنسبة لها كائنٌ مستباح، لا خصوصيات له! أمَّا آخِر فتاواها فتستحِقُ عليها برقيةَ تهنئةٍ مِن مكتب العلاقات الخارجية لتنظيم "داعش"، تفيض بالأمنياتِ الصادقة بدوام النجاح والتوفيق، لترويجِها لأفكار التنظيم المتخلفة بمنتهى الحنكة والغباء في آنٍ، لقد دافعتْ سيادتُها عن (مِلك اليمين) مؤكدةً أنه كان منتشِرًا قبل الإسلام باسم (بيْع الأحرار)، ولكن الإسلام نَظَّمَه بألاّ يكونَ إلا عن طريق الحرب المشروعة بين المسلمين، وضربتْ مَثَلا لذلك بدخول مصرَ في حرب مع إسرائيل، تفوز فيها مصر، فيصبح أسرى الحرب مِن النساء الإسرائيليات مِلكَ يمين، ولكن حتى لا يتم إذلالُهنّ يصبحن مِلكاً لقائد الجيش أو رجاله، يستمتِع بهن! ولنفترض مثالاً آخرَ، ماذا لو دخلتْ مصرُ في حربٍ مع "داعش"، تفوز فيها "داعش"، فتصبح نساءُ مصرَ مِلكَ يمين لقادة "داعش" وهذا ما حدثَ ويحدث بالفعل مع نساء العراق وسوريا، هل يسعِدكم ذلك تطبيقاً لشرع الله؟! السؤالُ بالطبع ليس موجَّهًا لسعاد صالح وأخواتِها اللواتي أعرفُ إجابتَهن عليه مسبقًا، ولكنه موجَّهٌ لحفيدات إيزيس اللواتي لا أتوقع مِنهن سوى إجابةٍ واحدة: (أبدًا.. لن نكونَ مما ملكتْ أيمانكم).