في هذا اليوم ما الذي يمكن أن أكتبه في مساحة مابين شهادة على فترة عملي في جريدة «التحرير»، منذ عددها الأول والبوح بما تركته من انطباعات ولأن مجال الكتابة لايحتاج إطالة وتفاصيل لزم الاختيار من بين الانطباعات التي لم تستغرقني الُمفاضلة بينها طويلًا على أقواها تأثيرًا في نفسي فليس هناك ماهو أقوى من البشر لاسيما وأنهم في جريدة «التحرير» شبابها الذين عشت بينهم أربعة أعوام وشهرين كانت غالبيتهم العُظمى مُفعمة بالحماس والطموح وطاقة على العمل والانخراط المٌبدع والفاعل في مهنة الصحافة غير مبالين بأي تضحيات دون بخل بجهد أو شح في العطاء. مايزيد عن أربع سنوات عشتها في جريدة «التحرير»، وكنت الأكبر سنًا بين العاملين فيها من الزملاء الشباب الذين «نضحوا» علي من مزايا سنهم نضارة الوجود والإقبال على الحياة وساعدت هذه الروح على نجاتي من المرض العضال الذي ألم بي ومنحني هؤلاء الواعدين عزمًا فتيًا وكانوا عونًا لي في ولوج أدوات العصر والانخراط في الصحافة الرقمية التي لم أكن على دراية بها ولا أذكر أن أحدًا منهم أضجرني أو أزعجني. مرت سنوات «التحرير» بلا متاعب أو سأم كالحلم الجميل فنحتت في الذاكرة عميقًا وتغلغلت في مسام الوجدان فالجريدة هى الكلمة وفي البدء كانت الكلمة هنا في «التحرير» تجسدت الكلمة وصارت معارك من أجل الوطن وهموم الناس والدفاع عن الحرية والعدل والمساواه ومن أجل التحرير المعنى والجريدة تعرض محرروها لمخاطر جمة هددت وجودهم وحياتهم ذاتها وكان أغلبهم شجعانا في أحلك المواقف وجازفوا من أجل الواجب بحماسة وبأس يغطون الأحداث في مواقعها الُملتهبة ويكشفون المستور في مغارات الفساد لذلك حققت «التحرير»، مهنية راقية خلت من المزايدة على الحقيقة أو الافتعال أو التلفيق. حتى لايكون الكلام مُطلقًا والمعاني هائمة بعيدًا عن أرض الواقع أذكر على سبيل المثال لا الحصر الزميلة شيماء مطر، التي أجرت تحقيقًا من داخل كرداسة في وقت كان الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود فانفردت جريدتنا بين الصحافة قاطبة بتقديم مايجرى في بقعة الإرهاب وكم رأيت شخصيًا الزميل صابر العربي، يقتحم في منطقة قصر الاتحادية بشجاعة منقطعة النظير أماكن تتساقط فيها الضحايا جراء الاشتباكات العنيفة وفي الفترة الأخيرة انفردت الزميلة هدى أبو بكر، في مجال الأخبار انفرادًا تاما لم يلحق به أحد عن الخلافات داخل المجلس الأعلى للقضاء وتمسك كل عضو بمرشح لمنصب النائب العام ولا استطيع أن أنسى الزميلة أسماء فتحي، عندما أتت الجريدة يومًا وقد اقتربت من ميعاد الولادة وانتفخت بطنها جدًا فتلقفها الأستاذ إبراهيم منصور، كي تعاود الخروج لمهمة أخرى في آخر شارع فيصل بسبب اضراب السائقين وقد نجحت نفس الزميلة في الأيام الأخيرة للجريدة من إجراء تحقيق كاشف عن تجاوزات الشركة الكويتية للاستثمار والتعمير التي تبيع أراضي من المفروض أن تقوم باستصلاحها كما أنها تقوم بوضع اليد على أراض أخرى وفي خدمة صاحبة الجلالة تأتي الزميلة يارا حلمي يوميًا من بنها ومن بنها أيضا الزميل أحمد سعيد، في التصحيح والزميلة إيمان البٌصيلي من العياط ومن العياط أيضا الزميل محمد شوقي ثم الزميلة أسماء فتحي من الصف ومن المنوفية يأتي يوميًا الزميلين دعاء السيد وسامح أبو حسن وهما من قسم التصوير الذي أُصيب منه في أحداث الكاتدرائية إصابة بالغة بالخرطوش الزميل عماد الجبالي. عن «القعدات» خارج الجريدة فهى دائمًا مع الزملاء من قسم الخارجى حيث كثيرًا ماربطنى العمل بهم وهم الزميل القلق دائما محمد عطية، مُترجم العبري والزميل صاحب المواهب الموسيقية والغنائية محمود حسام «السنونو» الزميل سيد سليمان أما الزميل أحمد هاشم فهو رجل بيتى لايذهب إلى القهوة ورئيسهم أحمد السماني «الصعيدي الشاطر» وهذه القعدات دائمًا ماتكون في إحدى مقاهي الدقي من أيام أن كان مقر الجريدة في شارع إيران، وكثيرًا مايتم التلاقي مُصادفة بالزملاء في مقاهى وسط البلد وبالأخص من قسم الديسك المركزي وتحديدًا الزميلين محمد الشماع والطاهر شرقاوي والزميل حسن عبد الموجود الذي ترك الجريدة منذ فترة ولأن شباب الجريدة صغار السن ماأكثر حفلات الخطوبة والزفاف التي دُعيت لها ولبيت وهى دائمًا ماتكون مُكتظة بكل الزملاء و«هاتك ياغنى ورقص وفرفشة». يبقى أمر شخصي لم أتحدث فيه من قبل لأنه لم يكن من اللائق التطرق له على صفحات جريدة «التحرير» وقد زال الحرج الآن مع توقف الجريدة فبعد إصابتي بسرطان البروستاتا وكانت هذه محنة كبرى في حياتى كادت جهة التأمين الصحي الذي أتبعه أن تفتك بي مما اضطرني إعادة الفحوصات والتحاليل والأشعات والأبحاث وحسم رأى الأطباء بإجراء جراحة استئصال لأن الورم في مرحلة مبكرة وكان النصح إجرائها عن طريق خبير أجنبي وقد كان وتكبدت في الأمر تكاليف مروعة وكان للمؤسسة موقفًا كريمًا في مُساندتي ودعمي ماليًا وهم كانوا في حل من هذا إن لم يفعلوا فلهم الشكر والعرفان.