حوار - ناصر عبد الحميد تحمل الزيارة الثالثة للرئيس عبد الفتاح السيسى إلى روسيا فى هذا الوقت القصير دلالات خاصة فى ما تحاول أن تشارك مصر فى صياغته ورسمه فى المنطقة، وبما يعزز من دورها الإقليمى وبالتأكيد ترتيبات خاصة بين البلدين فى سياق التعاون المشترك. فلدينا ملفات عديدة تحدثنا عنها مع الدكتور فراج أبو النور، الكاتب والمحلل السياسى والخبير فى الشأن الروسى، لمحاولة تسليط الضوء على أهم الأسس التى ترتكز عليها تلك العلاقة وأهم الطرق المفتوحة للاستفادة من الخبرات والقدرات الروسية والدور الإقليمى المصرى المرتقب فى ظل هذا التقارب.. ■ كيف تقيّم زيارة السيسى المرتقبة لروسيا للمرة الثالثة فى هذه الفترة الوجيزة؟ - هذه الزيارة متوقع أن تتسم بأهمية كبيرة، إذ أعتبر أن الزيارات المتكررة زيارات عمل لمتابعة ما تم الاتفاق عليه فى السابق والنظر فى العقبات، فعلى صعيد الصفقات العسكرية لوحظ منذ تبادل الزيارات تقدُّم مهم فى تسليح الدفاع الجوى، وأثارت احتجاجات من إسرائيل والقوات الجوية خصوصًا بإمدادها بالهليكوبتر «ميج 29»، وهذه طائرات متقدمة ويمكن أن تتزوّد بوقود فى الجو، ويمكن أن تستخدم فى مواجهة الإرهاب داخليا وإقليميا، ونلاحظ التطورات الأخيرة فى ليبيا وسوريا ودخول مصر فى التحالف العربى فى اليمن ومكافحة الإرهاب، وهى قوى ليست تقليدية وإنما عصابات، ولذلك فالقوة الجوية مهمة جدًّا، و«الميج» هى طائرات ليل «صائد ليل»، من ناحية أخرى تعزيز القوات البحرية المصرية، وأهم من ذلك المناورة البحرية منذ أسابيع، وتم الاتفاق على لنشات صواريخ بحرية، وهى لنشات قوية تسمى «البرق/ الصاعقة»، عبارة عن سفينة هجومية سريعة الحركة، 38 عقدة فى الساعة، تحمل صواريخ سطح حتى مسافة 120 كيلو، وعدد طاقمها 140، وقد وصل واحد من هذه اللنشات فى صورة هدية، وهناك تعاقد على عدد كبير منها، وهذا يعزز منطقة قناة السويس، هذا بالإضافة إلى أهميتها فى مشاركة مصر فى التحركات على باب المندب لحماية الأمن القومى العربى، وهو أيضًا حرص على تنويع مصادر السلاح وضمان استمراره. ثم هناك موضوعات منتظر أن تكون مطروحة بقوة لتعزيز القدرة المصرية فى مجال مكافحة الإرهاب من خلال التعاون فى التدريب والمعلومات من روسيا بصفة خاصة، لقدرتها على التصوير بالأقمار الصناعة للصحراء والسواحل المصرية، حيث إن الأقمار الروسية بالعشرات تجوب الفضاء الكونى تصوّر كل شىء على مدار الساعة، كما أن إمداد مصر بمزيد من أدوات الاستطلاع والرصد والتتبع مطروح منذ زيارة بوتين الأخيرة. الطاقة أما بالنسبة إلى الطاقة فهناك اتفاقات للإمداد بالغاز الروسى وبحث مزيد من الصفقات ووسائل دفع ميسّرة، ولكن القضية الأكثر أهمية هى بحث وضع اللمسات النهائية على الاتفاق الذى تم توقيع الأحرف الأولى منه فى زيارة بوتين، وهو محطة الضعبة، حيث قدمت روسيا عرضًا بقرض ميسّر يقدر بمليار ونصف مليار دولار، يعطى دفعة كبيرة للعمل، حيث إن تكلفتها «4- 5 مليار دولار»، ويتضمن العرض إنشاء البنية التحتية البحثية والفنية للمحطة ولتوسيع البرنامج النووى المصرى، مثل تدريب الباحثين والمهندسين والفنيين للبناء والإدارة والتشغيل، ورأينا أن هذا المشروع يتيح إمكانية واسعة لإعادة افتتاح قسم الهندسة النووية الذى كان موجودا فى الإسكندرية فى الستينيات. التعاون الفضائى من الموضوعات المهمة المطروحة على جدول الأعمال مسألة تطوير التعاون الفضائى، ومعروف أن مصر أطلقت قمرًا صناعيًّا للاستطلاع العام الماضى يعمل بنجاح، ومصر تتطلع لاستكمال منظومة لأقمار استطلاع تبنى فى روسيا بمشاركة الخبراء والفنيين المصريين، ويتم إطلاقه إلى المدار بصواريخ روسية ومن المطارات الفضائية الروسية. نلفت النظر إلى أن التعاون مع روسيا مثمر فى هذا المجال، فروسيا لا تبنى المشروعات بطريقة «تسليم المفتاح»، وإنما تشرك الخبراء والعلماء والفنيين المصريين فى تنفيذها، فهذا من خطواتها الأولى، وتدرّبهم فى المعاهد ومراكز الأبحاث الروسية بحيث يشاركون فى إدارتها بعد إنشائها. قضايا اقتصادية إنشاء المنطقة الصناعية الروسية فى إطار محور قناة السويس التى تضم عددا من المشروعات المهمة فى مجال الصناعات الهندسية والإلكترونية، وفى مقدمتها صناعة السيارات والأجهزة الإلكترونية، ومنها أيضا بناء معدات التنقيب عن البترول والغاز، ومصنع أنابيب نقل بترول وغاز، وحل مشكلات السياحة، وتطوير الصادرات المصرية لروسيا من السلع الزراعية والغذائية، لتعويض النقص فى وارداتهم، والناتج عن قرار روسيا بحظر استيرادها من الاتحاد الأوروبى كرد على العقوبات الأوروبية لها، من النقاط التى تنتظر الحسم تبادل المدفوعات بالعملة الوطنية للبلدين، والبنكان المركزيان بصدد دراسة ذلك، وهى قضية معقدة، كما أن الموضوع المطلوب حسمه أيضا وبصورة عاجلة هو مسألة إعادة تأهيل توربينات محطة السد العالى، وعدد من المشروعات الصناعية الكبرى المنشأة من قبل الاتحاد السوفييتى، منها الحديد والصلب ومجمع الألومنيوم والمصانع الحربية. ■ كيف تتصوَّر التقارب المصرى- الروسى فى الملفات الإقليمية، خصوصًا سوريا بعد التطورات الحادثة فيها؟ وهل سيعزّز ذلك من دور مصر الإقليمى؟ - أعتقد أنه منذ ثورة 30 يونيو والدعم الكبير لها من جانب موسكو ورد الفعل العكسى من قِبل قوى غربية، لذا أصبح واضحًا أهمية تنويع علاقتنا حتى لا تصبح رهينة الغرب، خصوصًا أمريكا. فمصر قامت خلال الشهور الماضية بدور فعال باستضافة حوار بين المعارضة السورية، خصوصًا المعارضة الداخلية والخارجية التى عقدت فى مصر قبيل الحوار الذى عقد فى موسكو، لمحاولة تقريب وجهات النظر بين الائتلاف السورى الذى يرى أنه لا مكان للأسد فى ترتيبات المستقبل السورى، وبين المعارضة الداخلية التى ترى إمكانية الحل فى وجود الأسد، ومصر تحاول أن تقلل من حدة الموقف السعودى، فمصر لا تضع اعتبار إزاحة الأسد كشرط حل. فمصر لا تفرق بين بنية الدولة السورية وبين بشار الأسد، مصر تبذل جهدًا للتسوية السياسية منطلقًا من أن «داعش» خطر على المنطقة كلها، وهذا الموقف متقارب مع روسيا. كما أن هناك تطابقا فى وجهات النظر فى الملف الليبى، وأحد أهم أهداف التسليح هو حماية حدودها ودعم الحكومة الليبية ومحاربة «داعش» فى ليبيا، والمؤكد أنه يساعد فى دور مصر الإيجابى. ■ بعد الاتفاق النووى الإيرانى هل ثمة دور ما مستجد أو تطور ما قد تفكر فيه روسيا بالنسبة إلى مصر؟ - الغرب يرغب فى احتواء إيران وتعزيز دورها الإقليمى فى موازنة الدور التركى الذى يتسم بنزعة أصولية واضحة، مع اجتذاب إيران من خلال محفزات اقتصادية وشراكات للتقارب مع الغرب، ومفهوم أن فك التجميد ستصاحبه محاولات غربية مستميتة فى أن يكون توظيفها بالشراكة مع الشركات الغربية الكبرى، بما يسمح بإقامة تشابك اقتصادى يصعب فضّه على الاتجاهات المحافظة فى إيران، وبالتالى تصدير الاعتماد المتبادل لتكبيل يد صانع القرار الإيرانى فى استخدام الاستثمارات فى تطوير القدرة النووية بضرورة القيام بمغامرات دون الرجوع إليهم. ومن هنا يبدو أن فى مقدمة السيناريوهات الغربية لاحتواء إيران محاولة فك الارتباط بينها وبين روسيا أو على الأقل إضعافها بما يعنيه من إضعاف للنفوذ الروسى، وعلى ضوء ذلك يبدو تعزيز العلاقات الروسية مع مصر وتعميق طابعها الاستراتيجى أمر مهم لموازنة أى سيناريوهات تتضمن تقليصا للدور الروسى فى الشرق الأوسط عبر إيران أو التحركات الإسرائيلية فى المنطقة. ■ هل تناور مصر بورقة روسيا مع الولاياتالمتحدة أم أن مصر جادة فى تحقيق توازن مع أمريكا، خصوصًا مع بعض الاختلافات السياسية الجوهرية فى إدارة ملفات المنطقة بين مصر وأمريكا؟ - سؤال صعب، لأنه على مدى عقود خصوصًا فى عهد السادات ثم مبارك، كانت ورقة روسيا يتم استخدامها فى هذا السياق تحديدًا، وربما كانت أكثر عمقًا فى تفكير كثير من الخبراء والباحثين السياسيين والعسكريين المصريين فكرة استخدام الورقة الروسية للضغط على أمريكا، ويتم تقليل الاعتماد عليها بمجرد حل المشكلات مع واشنطن. لكن الظروف الآن مختلفة على الساحة الدولية والإقليمية، إذ تقتضى ضرورة النظر إلى العلاقات المتوازنة مع القوى الكبرى بصورة مختلفة، فالتصور الأمريكى لإدارة المنطقة لا يمكن لمصر القبول به، لأنه يعتمد على الفوضى الخلاقة والتقسيم بما يجعل إسرائيل القوى الكبرى فى المنطقة، وفى سبيل ذلك نجد مواقف شديدة الميوعة مع الإرهاب المستفحل ودعمًا لدول مثل تركيا وقطر بفوائضهما المالية، وبالتالى فمخاطر السياسات تلك فى المنطقة لا يمكن لصانع قرار أن يغفل عنها وتبدو مسألة توازن علاقاتنا مع الدول الكبرى حياة أو موتا لمستقبل مصر والمنطقة. ينبغى أن نشير إلى أن هذه النظرة تلقى دعمًا واضحًا من بعض الدول، مثل فرنسا وإيطاليا، لأن الخطر يصل إلى دول حوض المتوسط، لدرجة أن محللين يرون أن سقوط سوريا يؤثّر على أوروبا. أعتقد أن توافر إرادة سياسية واضحة فى مجال تعزيز القدرة الدفاعية وتوسيع القدرات العسكرية والعلمية والاقتصادية سواء مع روسيا أو الصين هى مسألة حاسمة فى بناء مصر المستقبل، وأنه لا يمكن أبدًا السماح بعودة سياسة الارتهان إلى أمريكا والتبعية الشاملة للغرب، إذا كنا نريد أن نبنى قوة شاملة لهذا الوطن. وأشير هنا إلى أن بعض الدول العربية التى تريد التعامل مع روسيا كورقة لا تدرك الخطر من داعش على هذه الدولة نفسها. ■ هل تحاول مصر أن تحقق مكاسب من علاقتها بروسيا فى إدارة الصراع فى المنطقة دون التصادم مع الولاياتالمتحدة أم أن احتمالات الصدام واردة؟ - آخر ما تحتاجه مصر هو الصدام مع أمريكا، ولا يمكن أن نغفل العلاقات الاستراتيجية مع أمريكا التى تشكلت عبر سنوات تبعية شاملة لها فى فترات السادات ومبارك، المصلحة تقتضى البحث عن الفائدة المتبادلة نظرًا لأن علاقات الدول اختلفت، وقد جربنا الصدام مع أمريكا بعد 30 يونيو، وفشل فرض العزلة على مصر، وأدَّعى أن الصدام السياسى قد حدث فعلا، ولا بد أن ننتصر لما يحقق مصالح أمننا القومى، وبالتالى احتمالات تفاقم خلافات على ملفات وإن كانت واضحة علاقة الائتلاف مع مصر، لا يمكن دون ضوء أخضر من أمريكا لمصر بدور فى سوريا. فلا بد أن نعد أنفسنا للخلافات، ولكن علينا أن نتفادى الصدام كلما كان ذلك ممكنًا، ومع تنويع العلاقات تضعف قدرة الولاياتالمتحدة للضغط على مصر