يبدو أنه سقط سهوا الإشارة إلى أن لمقال الأسبوع الفائت بعنوان «تقييم ثوراتنا المعاصرة» بقية، لأننا بعد الانتهاء من التقييم السريع لعصرى عبد الناصر والسادات كان علينا الولوج إلى الفترة المؤثرة زمنيا إلى حد بعيد على الأوضاع فى مصر، لأنه على مستوى الزمن الأطول جثم حسنى مبارك على صدر البلاد لمدة ثلاثين عاما، لم يفهم فيها أحد إن كان الرجل ونظامه مع ثورة 52 أم لا، لأن المستغرب حقا أنه استعان بنفس نخبة ورجال أنور السادات الذين كانوا بلا خجل رجال الاتحاد الاشتراكى ومنظمة الشباب فى عهد عبد الناصر، إلا أنهم استطاعوا أن يطوعوا أفكارهم وأيديولوجياتهم -إن كانت لديهم- بحسب توجهات القائد مثل أى أفراد فى أى حكم شمولى وسلطوى، وبينما كانت هذه الفترة الطويلة مثالا للجمود السياسى، ومحاولة الإيهام بأشكال متنوعة للإصلاح، إلا أنها كانت تتصادم دائما مع الرغبة المحمومة فى تثبيت الالتصاق بالحكم بشكل شرعى حينا مثل التعديلات الدستورية، أو بشكل أكثر وضوحا وواقعية عن طريق تعلية سقف الكلام المعارض دون أن تكون هناك آليات ديمقراطية حقيقية لتفعيل أى آراء أو أفكار معارضة، ومع طول الفترة وجمودها ظل النظام يلعب على الخدعة السخيفة بإرهاب المواطنين بالعدو الداخلى (الإخوان المسلمين) دون أن تكون له خطة واضحة أو رؤية لكيفية التعامل مع التنظيم شرعيا ولا شعبيا، مع الحط من إمكانيات وقدرة كل التيارات المعارضة الأخرى فى الوقت الذى أقحم فيه نجله خليفة شرعيا على كرسى حكم مصر، سواء رضى المواطنون أم لم يرضوا، وسواء كان ذلك باتفاق القوى الوطنية أم لم يكن، مما أدى هذا الحكم الأوليجاركى (حكم العائلة أو مجموعة معينة من المقربين) إلى قيام ثورة عارمة ضد الحكم الشمولى والسلطوى لنظام مبارك والذى لا نظنه يختلف كثيرا عن سلفه السادات أو عبد الناصر إلا فى أدوات الإيهام وسبل تعمية المواطنين عن المواطن الحقيقية لسوءات كل نظام منهم، والكيفية التى حاول كل منهم الحفاظ على كرسيه بادعاء كل منهم أنه وحاشيته الذين يعرفون مصلحة الوطن، حتى أوصلونا واحدا تلو الآخر إلى هذا الحال من الخواء وتردى مستوى التعليم والرعاية الصحية وانهيار شبكة الخدمات الاجتماعية. إذا كان عنوان المقال هو التقييم، فهذا ليس هدفا فى ذاته، لأن المقصود مباشرة هو محاولة الوصول إلى حقيقة سياسية وتاريخية معاصرة مهمة، وهى أن كل من يحاول جرنا إلى عصر من العصور السابقة المرتبطة لديه بشخص الملك أو الرئيس أو الزعيم ما هى إلا محاولة غير مفهومة لإسباغ أنواع من الإيجابيات أو المثاليات على تجارب لم نحصد منها إلا ما نحن فيه الآن من وضع فى غاية السوء على المستوى الاقتصادى والاجتماعى والسياسى، ولذلك أجد أن على من يحاول استخراج النموذج الأمثل من الماضى أن يدخر جهده فى ذلك، تاركا الأمر لمن لديه رؤية حقيقية للمستقبل، والتعامل مع الفترات السابقة أنها أمثلة يجب اجتناب استحضارها لعدم توافقها مع الواقع، واستخدامها كأمثلة يجب تلافيها إذا أردنا لهذه البلد خيرا.