تستطيع أن تتفهم الدوافع الوطنية من وراء مشروع تطوير قناة السويس، وتدرك ما يُعول على المشروع، وتفرح بما تم إنجازه فيه، خصوصًا أنه جاء بتمويل مصرى، ونجح فى حشد الغالبية العظمى من المصريين على أمل جديد. هذا مشروع توفر له كل شىء: الإرادة السياسية، الدعم الشعبى، التمويل، المساندة الإعلامية، وهى معادلة واضحة فى أنه كانت هناك رغبة فى تكرار ذات النموذج. لكن المقلق أن كل هذا التجييش الإعلامى الذى يرفع سقف التوقعات من وراء المشروع، وكأن أنهار اللبن والعسل ستفيض ابتداءً من اليوم السابع من أغسطس فى اليوم التالى للافتتاح. يمكن أن تجد معالجات إعلامية لتصريحات الفريق مهاب مميش، رئيس هيئة قناة السويس، الذى تحدث أنها ستدر نحو 100 مليار دولار، دون تفسير واضح لهذا التقدير، هل يقصد به العائد من وراء ازدواج القناة؟ بمعنى أنه إيراد عبور السفن، وفى أى مدى زمنى؟ أم يقصد أنه عائد المشروع كله، وهو تنمية محور قناة السويس، الذى لم تبدأ عمليات تنفيذ مراحله التالية بعد. هناك من طالبوا بشفافية فى إعلان كل ما يخص المشروع من مصروفات ودراسات، وهو أمر مهم، لكن الأهم هو الشفافية فى طرح التوقعات، وربطها بأطرها الزمنية بدقة، لأن الشحن الإعلامى الطاغى قد يأتى بأثر عكسى، ويتسبب فى إشاعة الإحباط عند قطاعات تصورت من هذا الأداء الإعلامى أنها أخيرًا ستجنى الثمار. ذات الأداء التعبوى انتهجه من قبل مع المؤتمر الاقتصادى فى شرم الشيخ، الذى جرى التعامل معه رسميا وإعلاميا على أنه طوق النجاة لمصر، وفتح الباب للآمال على مصراعيها فى تحسن ملموس وانتعاش سريع، حتى إن الرئيس السيسى قال فى أحد تصريحاته عقب مشاركته فى جنازة شهداء عملية إرهابية قبيل المؤتمر، إن «المؤتمر الاقتصادى دراع مصر.. ولن نسمح لأحد بإفساده». لكن المؤتمر انعقد، وتناول الإعلام خلال جلساته أرقاما خرافية، وأحاديث عن صفقات وتفاهمات وعقود بمئات المليارات، ولم يفرق بين العقود الجاهزة للتنفيذ وبين البروتوكولات ومذكرات التفاهم، ولا بين المشاريع التى جرى طرحها مكتملة بدراسات الجدوى، وتلك التى كانت مجرد أفكار تبحث عمن يتبناها، وانتهى الأمر إلى أن أغلب المشاريع المعلن عنها فى المؤتمر لم تتحرك خطوة فى اتجاه التنفيذ، وهو ما يعنى تكرار ذات النموذج مع القناة، إنك إما أن تترك الإحباط ليسيطر على ذات القطاعات التى لم تجد شيئا بعد من المؤتمر الاقتصادى، أو تبحث عن فكرة جديدة تحشد خلفها الناس بنفس نمط الأداء الإعلامى لتصنع أملا جديدا، أو تبدأ فى تبنى خطاب عاقل يتمسك بالتوقعات الموضوعية، ويشرح للناس أن المشروع ليس شق القناة الموازية فحسب، إنما تطوير الإقليم كله، مع الحديث عن العوائد التدريجية جدا ومداها الزمنى الواضح، وفى هذه الحالة أنت تحتاج إلى إعلام مدقق وصادق، لا تجرفه محاولات التهوين من المشروع، إلى تهويل دعائى مفرط يراكم الإحباط على الأقل فى المدى القصير.